الإسلام كما أدين به
 30ــ المسلم مع سائر البشر - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 30ــ المسلم مع سائر البشر

نشر فى : الخميس 1 سبتمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 1 سبتمبر 2016 - 9:57 م
ــ1ــ

أزعم –مخلصا لله أن الدين الذى اصطفاه الله لآدم ومن بعده هو الدين الذى جاء بختام مع محمد صلى الله عليه وسلم، فكما ذكرنا من قبل أن الإله الواحد –ربنا الله قد اتخذ دينا واحدا هو الإسلام «إِنَ الدِينَ عِندَ اللَهِ الْإِسْلَامُ..»، وقد أنزل الله لكل أمة «أمة زمنية/ أمة مكانية» ما قدره مناسبا لها إذ قال جل شأنه «..لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا..». وهكذا يضع القرآن أمامنا ثلاثة مصطلحات رئيسة لا ترادف بينها، أولها: «الدين»، وثانيها «الشرعة والشريعة»، وثالثها: «المنهاج».

والدين هو «النظام العام الإلهى الذى اصطفاه وقرره للبشرية عامة»، وهذا الدين يقوم على دعامتين إلهيتين هما الشريعة والمنهاج. و«الشريعة أو الشرعة» هى مجموعة التكليفات الإلهية لعباده سواء فى المعتقد أو فى العمل أو فى الأخلاق، وهذه الشريعة تنزل واضحة مفصلة تفصيلا يحدد ما يجب اعتقاده وما يجب عمله وما يجب التزامه من الأخلاق.
و«المنهاج» هو «وضع إلهى صرف» كما هو واضح من نص الآية «..لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا..»، فالشريعة إلهية المصدر والمنهاج إلهى المصدر لا دخل فى الدين ولا الشريعة ولا المنهاج لا لنبى ولا لرسول ولا لملك فهذه الثلاثية «الدين- الشريعةــ المنهاج» شأن إلهى طرفه بيد الله وحده والالتزام به واتباعه بيد من يشاء من البشر. أما وظيفة الرسل عامة والرسول محمد معهم فهى وظيفة محددة بنص الشرعة والمنهاج، وهى «البلاغ المبين»، ومعناها إبلاغ الدين والشرعة كما أنزلها الله ثم تفعيل وتطبيق تكليفات الشرعة بيانا لها وتعليما للبشر. فهذه مصطلحات أربعة نص عليها القرآن الكريم، فلا تغفل عنها ولا تضع بعضها فى غير موضعها وهى: «الدين- الشريعةــ المنهاج- البلاغ المبين».

ــ2ــ

وفى عصر التدوين بعد أكثر من 150 سنة من زمن النبوة كان القرآن ولا يزال وسوف يبقى محفوظا لا يناله أدنى تغيير ولا تحريف ولا تبديل كما أراد الله وقضى «إِنَا نَحْنُ نَزَلْنَا الذِكْرَ وَإِنَا لَهُ لَحَافِظُونَ»، أما روايات وأخبار السيرة النبوية والتصرفات النبوية فقد كانت ولازالت أخبارا يتناقلها جيل عن جيل فتعرض «الكنز النبوى» لمحاولات الوضع والتحريف من الشعبوية الجاحدة، كما تعرض للإضافة والدس من أصحاب الأهواء من الداخل، كما طال هذا الكنز عبث الاجتهاد الخاطئ المتكئ على آثار الأمم الأخرى. تعاونت كل هذه الآثار فأفرزت «مبتكرات مستحدثة، وأبرز تلك المبتكرات:

1ــ جبل متضخم أو بحر لا ساحل له من الروايات الحديثية تزعم لذاتها القداسة.

2- زحف هذا الكيان المتضخم إلى القرآن يحيط به من جانب ويحوس خلاله من جانب بغية صياغة رؤيتهم وقناعتهم سواء المذهبية عند أهل الطاعة، أو رغباتهم الكيدية عند المتمردين والعصاة وأتباع الوافد أو المستورد من خارج الوحى.

ــ3ــ

وتجلى عون الله لكتابه الذى وعد بحفظه فألهم فريقا من المؤمنين شمروا عن سواعد الجد فقد ربوا وتمكنوا ثم أخلصوا العمل فى جمع الآلاف المؤلفة من الروايات الحديثية ثم قاموا بعملية «فرز وتجنيب» مبدئى يستبعدون بها الدخيل والمحرف والمكذوب من الروايات فيضعونها فى سلال خاصة، ثم رصد الروايات التى صح سندها أو التى وثقوا من صحة سندها فوضعوها فى مجموعات ومدونات مختلفة. وصنفوا الروايات فمنها ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها ما ورد عن الصحابة ومنها ما ورد عن التابعين. وترى كل ذلك يجاور بعضه بعضا فى كتب الأحاديث على مختلف مسمياتها من «جوامع صحيحة» أو «مسانيد» أو مصنفات. وهذه الجهود الرشيدة التى بذلها هؤلاء الجهابذة تمثل الفرز الأول الذى يفصل بين نوعين من الروايات هما «الحق/ الباطل» أو «الصحيح/ السقيم» أو «المقبول/ المرفوض». وكان هذا الفرز عملا ضخما حالفهم فيه توفيق الله، ولو استيقظ من بعدهم وتبصر فى عملهم لأدرك وعرف أنهم فرزوا الصحيح كله من السقيم كله «قدر طاقتهم»، لكن حجم جهدهم مع أعمارهم كان لا يساعد على أكثر من ذلك. ورحل هذا الجيل المبارك ولم يتركوا تلاميذ قادرين على مواصلة الجهد فجاء غالبية من بعدهم يكررون ويعيدون العرض داخل نفس المستوى السابق «كل الصحيح من التصرفات أو السيرة أو الفرائض أو النوافل أو المستحبات وكل ذلك مخلوطا بعضه ببعض». وهذا الجمع المخلوط من الصحيح من ناحية، والتكرار من ناحية، وضعف المنهجية من ناحية. كل ذلك ساق مسيرة الأمة إلى تلقى الدين والشريعة والمنهاج والبلاغ المبين تلقيا مخلوطا غير مرتب ولا مفصل الأولويات.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات