النخب المصرية واغتيال الديمقراطية - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النخب المصرية واغتيال الديمقراطية

نشر فى : الجمعة 1 نوفمبر 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 نوفمبر 2013 - 8:55 ص

حين نبحث عن مفهوم المثقف لابد من تعريف كلمة الثقافة نفسها والتى يراها (مالك بن نبى) أنها مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التى تؤثر فى الفرد منذ ولادته وتصبح لا شعوريا العلاقة، التى تربط سلوكه بأسلوب الحياة فى الوسط الذى ولد فيه، أما (أنطونيو جرامشى) المفكر الشهير فيرى أن كل نشاط إنسانى يصحبه نشاط ذهنى وكل نشاط ثقافى يتبعه منتج يدوى (مثلا: كتابة الكلمات أو عزف الموسيقى أو غيره) لذلك، فالمثقف هو من يستطيع إحداث توازن بين أفكاره ومعتقداته وبين ما يخرج منه للجماهير معبرا عن هذه الأفكار والمعتقدات.

وإذا ظلت أفكاره حبيسة فى عقله فلا يعد من المثقفين إذ إن المثقف هو الذى يحول القيم والمفاهيم والأخلاق من صور تجريدة ذهنية إلى حقائق مادية ملموسة يجسدها نضاله من أجل هذه المبادئ، لذلك، فالمثقف الحقيقى تتمثل فيها ثقافته فكرا وسلوكا، ويعمل جاهدا بالتبشير بتلك الأفكار ويدافع عنها وسط تلاطم الأفكار السيئة، ورغبات السلطة، التى تحاول الانتقاص من حقوق البشر سواء كانت سلطة سياسية أو اقتصادية أو روحية أو غيرها.

•••

علاقة المثقف بالسلطة يعبر عنها (بول سارتر) بأن مهمة المثقف هى إزعاج السلطة من أجل مصلحة الناس، فالمثقف لا يرضى بالحلول الوسط فى قيمه التى يؤمن بها وليس له رفاهية الصمت والتأمل فقد أصبح يمثل غيره ممن لا يمثلهم أحد فى دوائر السلطة لذلك عليه تمثيل هؤلاء العامة فى مقاومة أشكال استبداد السلطة المختلفة عبر كلماته وكتاباته ومواقفه التى يجهر بها اتساقا مع ما يؤمن به من قيم ومبادئ إنسانية عامة.

يشتبك المثقف بالسياسة رغما عنه لأن السياسة حولنا فى كل مكان، وليس بوسع أحد أن يفر إلى عالم الإبداع أو الفكر أو الموضوعية المثالية التى لا تقترب من واقع الناس ومعاناتهم ليختبئ بداخلها.

كيف لمثقف أن يتخلى عن رسالته الأخلاقية وممارسة النقد وتوضيح الحقائق للجماهير التى قد تلتبس عليها الأمور تحت سطوة إعلام مزيف وتحت رغبات سلطة تصنع الخوف لتحكم به الناس أو تضخم مخاوف موجودة حتى تبرر بها جرائمها؟ كيف يخاف المثقف دفع الثمن، وهو الذى بايعته الجماهير بيعة إنسانية حين احترمت عقله وقدرت أفكاره وبحثت عن آرائه ومواقفه لتأنس بها أو تتبعها.

إن الصمت فى وقت وجوب الكلام حياد آثم، والمثقف الذى ليس عنده استعداد للتضحية قد اختار لنفسه الموت وحفر قبره بيديه أمام من وثقوا فيه واتبعوه يوما ما.

•••

يصرخ ملايين المصريين اليوم، وهم يرون أمامهم نخبة تترنح وتضل الطريق، لم يصدقوا يوما أن مثقفا سيبرر القتل ويرقص على الأشلاء وآخر يبث خطاب الكراهية وتقسيم المجتمع وآخر يتهم الثابتين على المبادئ بالخيانة، لم يصدق الناس أن نخبا عاشت طيلة حياتها تطنطن عن مدنية الدولة ثم صارت تنادى بالزعيم العسكرى الملهم منقذا للبلاد والعباد وتبرر عسكرة الدستور وتنظر وتأصل لانتهاك حقوق الإنسان وإهدار كرامته تحت دعاوى الوطنية الزائفة والشعبوية البغيضة، التى تصنع فاشية وطنية جديدة.

ما تفعله هذه النخب اليوم من عروض تعرٍ سياسى رخيص يؤكد للمصريين قناعتهم أن (نكبة مصر فى نخبتها) وأن كثيرا من المدعين للمدنية والليبرالية والتقدمية تستخدمهم السلطة لتسحق بهم أحلام الناس وآمالهم فى المستقبل.

كل سلطة تتجاوز القانون تحتاج إلى محلل لها من هؤلاء المثقفين الذين يروجون لما تريده لتتم تهيئة الأجواء وخلق البيئة المناسبة لصناعة الاستبداد.

ليست الشجاعة أن تتكلم حين يصبح الموقف بلا ثمن تدفعه وأنت آمن على نفسك، بل الشجاعة أن تجهر بالحق فى وقت يصبح فيه الصدق عالى الكلفة والثمن، فارق كبير بين اختلاف المواقف والرؤى السياسية وبين سحق القيم والمبادئ الانسانية العامة لهوى نفس أو تزلف لحاكم أو رغبة فى مغنم أو إيثار لسلامة، ومن عجزوا عن قول الحق لا يجب أن يصفقوا للباطل!

إن الديمقراطية تغتال بأقلام وكلمات وصحف ومحطات وأحزاب وحركات نسبت نفسها للثورة ثم تحولت اليوم إلى منصات لإجهاض الثورة، ووأد أحلام الشعب فى دولة ديمقراطية.

•••

مصر الآن فى لحظة تاريخية تتصاعد فيها حدة الفرز والتمايز وحين يهدأ غبار المعركة سيدرك الناس من صدق ومن غدر، سيميزون بين من ثبتوا على مبادئهم وبين من تلونوا وباعوا أنفسهم للسلطان، سيعرف الشعب من تاجر بآلامه وآماله واشترى بها ثمنا بخسا على أشلاء حلم الديمقراطية.

مهما علا صوت الزيف فإن مطرقة الحق ستهوى يوما على رأسه حتى يتقزم وينعدم، لا يغرنكم تصفيق المخدوعين ولا الواهمين ولا من تبيعون أنفسكم لتنالوا تأييدهم، فهؤلاء أنفسهم سيحتقرونكم حين يكتشفون قريبا إلى أين سرتم بهم وكيف أوردتموهم المهالك!

إن التاريخ سيقف مذهولا عندما يرى كيف انقلب الحلم بالخلاص إلى عبودية مطلقة، وكيف حولت مواقف النخب شعوبها إلى شعوب تتمنى الفرار من أوطانها بعد أن استحالت إلى جحيم مقيم.

إلى الثابتين على المبادئ والقابضين على الجمر لا يخدعنكم صخب الإفك وزخرفه فهو هش يتهاوى كل يوم تحت بأس ثباتكم واتساقكم مع مبادئكم، أكملوا الطريق وادفعوا الثمن، فحرية الشعوب تستحق كل ثمن، وسيمر الزمان ويرفعكم الناس إلى منازلكم التى تستحقونها.

(إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا)

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات