مصر بين هؤلاء وهؤلاء - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر بين هؤلاء وهؤلاء

نشر فى : الإثنين 1 ديسمبر 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 1 ديسمبر 2014 - 8:25 ص

البعض يريد مصر تكفيرية وآخرون يريدونها متحللة عابثة ماجنة.. ومصر لن تكون لا هذا ولا ذاك.. والبعض يريد مصر داعشية دموية.. وآخرون يريدونها علمانية تجحد الإسلام ورموزه وتكره الأديان وتسىء إليها.. ومصر لن تكون هذه أو تلك.. فمصر هى البلد التى دعا فيها إدريس عليه السلام، وهو أول من دعا إلى الله والتوحيد على ضفاف النيل العظيم قبل إبراهيم أبو الأنبياء وأنبياء بنى إسرائيل بكثير.. وهى التى لجأ إليها إبراهيم عليه السلام، أبوالعرب جميعا، ومعه زوجته هاجر.. وترعرع فيها واستوزر يوسف عليه السلام وجاء مع إخوته آمنين مطمئنين وقيل لهم « ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ».. وهى التى ولد فيها موسى وهارون عليهما السلام وهما أعظم أنبياء بنى إسرائيل.. ونشأ فيها بنو إسرائيل جميعا قبل أن يضطهدهم فرعون فيخرجوا من مصر إلى فلسطين.. وهى التى كلم الله فيها رسوله ونبيه الكريم، كليم الله موسى عليه السلام، على أرض سيناء العظيمة وأنزلت عليه فيها صحائف التوراة.. وهى التى صاهر الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، من أهلها فتزوج مارية القبطية «المصرية الصعيدية من مدينة ملوى».. لتكون بين نبى الإسلام والمصريين مصاهرة ونسبا.. ولذلك قال النبى، صلى الله عليه وسلم، موصيا المسلمين جميعا «استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لكم فيها نسبا وصهرا»..

ومصر لن تكون أبدا مدرسة للتكفير والتفجير أو الغلو والتطرف.. ولن تكون كذلك مدرسة للرقص أو التبذل أو البذاءة والشتاتم أو التفحش أو زنا المحارم أو وكرا للدعارة تحت أى مسمى.. فمصر بلد العلم والعلماء والأزهر والجامعات منذ قديم الزمان، وهى التى وفد إليها كل علماء الأرض.

والبعض يريد مصر بلدا للتطرف الدينى، وآخرون يريدونها وطنا للتطرف العلمانى واللادينى أو موطئا للملحدين.. وهى لن تكون هذه أو تلك أبدا.. فقد كانت دوما رمزا للوسطية فى الدين والفكر وموطنا للحكمة والعقل والتريث والأناة.

وكل من أتى إلى مصر تمصر وتوسط وتطور فكره إلى الأفضل والأحسن.. فهذه بلاد العلماء العظام محمد عبده والمراغى والغزالى والطهطاوى وعبدالحليم محمود.. ومن قبل ذلك الليث بن سعد والشافعى.. وزين العابدين بن الحسين.. والسيدة زينب والسيدة نفيسة وآل البيت بعلمهم وحكمتهم وكرمهم.

وهؤلاء الذين ذكرتهم وغيرهم من أشباههم وأمثالهم كانوا يجمعون بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعا صحيحا.. وكانوا مع ثوابت الإسلام فى صلابة الحديد ومع متغيراته فى مرونة الحرير.. فقد جمعوا بين الصدع بالحق والرحمة بالخلق.. وبين عزائم الدين ورقة القلوب وعفوها وتسامحها ورفقها.

البعض يريد تحويل مصر إلى مرتع للتطرف الدينى أو مكانا مختارا لنشأة الجماعات التكفيرية المسلحة أو يفكرون فى إعادة نموذج القاعدة أو داعش فى مصر.. والبعض الآخر يريد تحويلها إلى كباريه كبير للرقص والتبذل والتحلل والإلحاد وشتم أئمة الدين، مثل البخارى وأبوحنيفة والشافعى والقرطبى وأحمد بن حنبل.. ومصر لن تكون واحدة من الاثنين.. وكلا الفريقين لم يفهم بعد طبيعة مصر الوسطية المعتدلة وطبيعة شعبها الذى يكره الغلو والتقصير.. ويمقت الإفراط والتفريط.. فكلاهما وجهان رديئان لعملة زائفة واحدة.

إن بعض خصوم الدين والإسلام يستغلون الأخطاء التى وقعت فيها الحركة الإسلامية المصرية فى صراعاتها السياسية المريرة التى لا تنتهى مع الحكومات المتعاقبة فيقفزون عامدين متعمدين من نقد الحركة الإسلامية غير المعصومة إلى نقد الإسلام المعصوم نفسه.

ويا ليتهم ينقدون أنفسهم مع نقدهم للحركة الإسلامية.. أو ينقدونها بالحق والصدق والعدل.. ولكنهم فى أحيان كثيرة يضخمون من عيوبها وينسبون إليها ما لم تقله أو تفعله أو يبالغون فى نقدها بغير حق أو يعممون خطأ البعض على الجميع.. أو يريدون حرمان الجميع من حقوقهم بخطأ بعضهم.

إن هذا القفز لنقد الإسلام العظيم المقدس المعصوم متعمد ويتم بنوايا خبيثة ماكرة.. ويؤسفنى أن الحركة الإسلامية بصراعاتها السياسية المريرة هى التى أعطت لهم المبرر تلو الآخر لكى يفعلوا ذلك.. وهى التى أعطتهم الحبل لشنقها وشنق الإسلام نفسه بعدها.

ولعل نماذج داعش وأنصار بيت المقدس وغيرها من الحركات الإسلامية أكبر نماذج على ذلك.. فقد أساء معظمها إلى نفسه وإلى الإسلام معا.. واكتفى الخصوم بلف الحبل الذى استلموه منهم على رقبتهم ورقبة الإسلام نفسه.

والبعض يريد مصر بلدا للغلو فى الدين والتشديد على الناس أو تقديم مصالح الجماعات على الوطن أو بلدا للإقصاء الدينى.. والبعض الآخر يريدها ديكتاتورية بغيضة أو استبدادية عقيمة لا مجال فيها للتعددية ولا بديل فيها عن الإقصاء وأن يكون الإسلاميون فى السجون دوما وكأنها مكانهم الطبيعى.. وأن يظل منافسوهم فى السلطة وحدهم.. دون دوران للسلطة أو تنافسية حقيقية.. أو تعددية تثرى المجتمع والوطن.. أو يريدون أن يظل توريث الوظائف الحكومية وتداولها حكرا على مجموعات بعينها ورثت الفساد والاستبداد وتريد أن ترث السلطة والثروة باستمرار.

ومصر لن تكون هذه أو تلك.. ولكنها ستكون دوما وسطية التدين داعية للحب والوئام متسامحة مع الجميع.. لا تعرف الاستبداد ولا توريث السلطة.. ولا الفساد فى كسب الثروة.. فالسلطة تكتسب بالكفاءة والثروة تكتسب من الحلال وتنفق فى الحلال وتجلب من مصادر مشروعة.. وتنفق فى أبواب مشروعة شرعا وقانونا.

إن الذين يحاولون جر مصر ها هنا أو هناك سيفشلون.. فمصر أكبر من هؤلاء وهؤلاء.. وأعظم منهما جميعا.. وسيفنى هؤلاء وهؤلاء.. وستبقى مصر دوما لأبنائها الشرفاء المخلصين المحبين لدينهم وأوطانهم نظيفى اليد عفيفى اللسان من كل الأديان والأعراق والتوجهات.

التعليقات