الإسلام كما أدين به
 40- عدالة التشريع أ- ضوابط لعدالة - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 40- عدالة التشريع أ- ضوابط لعدالة

نشر فى : الخميس 1 ديسمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 1 ديسمبر 2016 - 10:01 م
أرسى الإسلام مبدأ أسبقية التشريع، بما يعنى ضرورة وجود التشريع وإعلانه وسريانه قبل وقوع الحادث محل المساءلة والمحاكمة. فلا يعتمد الإسلام أى تشريع (قانون) صدر بعد وقوع الحادث محل المساءلة حيث أن القضاء الشرعى الرشيد يقوم على:

• سبق التشريع واستقراره حتى لا يتعرض المتهم لقانون مصنوع خصيص لإدانته، فالقرآن يقرر (..وَمَا كُنَا مُعَذِبِينَ حَتَى نَبْعَثَ رَسُولا..)

• إعلانه للكافة بشفافية تامة، فالشرع الإسلامى يعفى الغافل عن القانون، وذلك على العكس من القانون الوضعى.

• تحديد النطاق الزمنى والمكانى لسلطة القاضى مسبقا حماية للمتهم من الأهواء السياسية.

• التزام الإجراءات بالسهولة والمجانية وحفظ كرامة المتقاضى، فالمجانية شعار ثابت للقضاء الشرعى.

• افتراض البراءة الأصيلة فى كل متهم، حيث أن كل متهم برىء حتى تثبت إدانته ثباتا لا شك فيه، فالقاضى الشرعى مأمور بعدم الحكم إلا عن اطمئنان وقناعة، حيث أهاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأهمية اليقين فقال: «ادرأوا الحدود بالشبهات».

ــ1ــ
كذلك ترى الشرع قد حصن القضاء والقضاة بضمانات تحول بين السلطات وبين التدخل فى شئون القضاء. فالقاضى الشرعى فضلا عن تخصصه الفقهى، فهو محكوم بضوابط القرآن والبيان النبوى. كما أن القاضى يعين لنطاق جغرافى محدد ولمدة زمنية محددة، ولا يجوز للقاضى أن يتجاوز الزمان والمكان، كما لا يجوز للحاكم أو لغيره أن يعرض قضية ما على أى قاض فى غير نطاقه الزمنى والمكانى. فإذا أضفت إلى ذلك عدم جواز عزل القاضى قبل انتهاء مدة ولايته، نتبين كيف أحاط الشرع الإسلامى القضاء والقضاة بحصانات تستعصى على الاختراق.

ــ2ــ
وقد يتصور البعض أن ما ورد فى بعض كتب الفقه عن «القاضى الفرد» يمثل قصورا فى القضاء الشرعى، لكن التروى والتفكر يساعدنا على تصحيح ذلك التصور، فـ«القضاء» وظيفة فقهية، أى أنها تنشأ تطبيقا للفقه المستقر فى المجتمع، وقد كان القضاء «فرديا» فى أزمان وأحوال لا تحتاج لأكثر من قاض واحد. ومع ذلك، فإن القرآن الكريم قد أشاد بتعدد مستويات التقاضى. كما حكمت آيات سورة الأنبياء ((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما..)). وهذه قضية تستحق الوقوف أمامها والتفكر فيها واستخراج المبادئ الكفيلة بتدعيم القضاء وحمايته.. فالواضح أن «راعى الغنم» قد غفل عنها فدخلت إلى حقل زرع لرجل آخر فأتلفت الزرع ورفع الأمر للقاضى نبى الله داود عليه السلام، وكان داود عليه السلام نبيا رسولا وملكا وقاضيا، فاستشعر «المسئولية التقصيرية» الشديدة للراعى، فإن الغفلة التى سببت إتلاف الزرع قد تتكرر فتتلف ما هو أكثر من ذلك، بل إن غفلة الراعى تعتبر تقصيرا خطيرا، فقد تهلك الرعية (الغنم) بسبب غفلة ذلك الراعى الغافل. كما أن هذا الراعى الغافل إذا غفل عن الأمانة المكلف بها فماذا يتذكر إذا؟ وماذا يفعل إذا لم يحرس الغنم؟ لذلك جاء حكم النبى الملك داود حكما تأديبيا قاسيا دقا لناقوس الخطر أمام غفلة الرعاة، فقرر مصادرة جميع رءوس الأغنام لصالح صاحب الزرع. وانصاع الراعى للحكم، وأثناء انصرافه من المحكمة مر أمام النبى سليمان بن داود فسأله عن الحكم، فأخبره بما حكم به داود صلى الله عليه وسلم. فاتجه سليمان إلى القاضى داود وأوضح له أن الحكم قد أدى دوره وقد أفاق الجانى وأدرك عاقبة قصوره وما يمكن أن يسبب من فساد، ومادام الحكم قد أحدث أثره فى الجانى وتسامع به كل من فى ساحة المحكمة فيستحب الانتقال من التأديب إلى القضاء.. وقد طرح سليمان عليه السلام حكما قضائيا وليس تأديبيا إذ قرأ الواقع كما هو، فالجانى يملك رأس مال هو الغنم، ولهذا المال ريه هو (الصوف واللبن والنتاج)، كما أن المجنى عليه يملك يملك رأس مال وهو الأرض الزراعية، ولهذا المال ريع هو الزرع، وقد وقعت الجناية على الريع (الزرع). فليكن الجزاء من جنس الخطأ، فتكون العقوبة على الريع وليست على رأس المال، وعلى ذلك صدر الحكم: أن يترك الجانى جميع غنمه أمانة لدى المجنى عليه يتمتع بنتاجها (صوف/ لبن/ خلفة) حتى يتولى الجانى إعادة زراعة الأرض وإعادتها كما كانت.. وقد أثنى القرآن على الحكم التأديبى وعلى الحكم القضائى وأوضح ميزة تعدد درجات التقاضى، ولكن كتاب الفقه لازالوا فى غفلة..

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات