توجهات مرتقبة فى السياسة الغربية تجاه المنطقة - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توجهات مرتقبة فى السياسة الغربية تجاه المنطقة

نشر فى : الأحد 18 ديسمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 18 ديسمبر 2016 - 9:25 م

يمكن للمراقب لأحوال التفكير السياسى الغربى خلال الفترة الأخيرة – بعد انتخاب ترامب رئيسا ــ أن يلاحظ عددا من التوجهات التى يتوقع أن تؤدى دورا مؤثرا بطريقة أو أخرى فى تشكيل سياسات القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تجاه منطقتنا فى المرحلة القادمة، كما تتمثل فى «رءوس الأقلام» الآتية:

أولا: محاولة جعل محور الارتكاز الجيوسياسى هو ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط، لتضم الثنائى المتضاد: إيران وإسرائيل، بديلا عن «المنطقة العربية»؛ وإن أشير إلى هذه الأخيرة فتوضع فى خانة (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) لتعيد «حشر» إسرائيل فى منظومة اقليمية أوسع.

ثانيا: احتواء ايران بمعنى الحصار المحسوب Containment. ثالثا: إعادة احتضان تركيا، سواء بالأردوغانية أم بدونها ــ وهى عضو حلف الأطلنطى، و«المرشح الدائم» لعضوية الاتحاد الأوروبى – لتلعب جزءا من الدور العالمى المرسوم بوصفها «قوة إقليمية مهيمنة»، وبتعبير آخر قد يبدو متحيزا نوعا ما: «إمبريالية صغرى».

رابعا: تهميش السعودية ولو نسْبيا، لوأْد ما يعتبرونه نوعا من الطموح العربى – الإقليمى المندفع، خاصة عن طريق محاولة وضع العصى فى دواليب مجلس التعاون الخليجى، لا سيما علاقة السعودية بكل من الإمارات وقطر، لأسباب وبطرق مختلفة لكل منهما.

خامسا: تعميق المساندة لإسرائيل؛ إسرائيل التى هى محكوم عليها تاريخيا ألا تكون جزءا غير متجزئ من المنطقة (الشرق أوسطية) المحيطة بها إحاطة الطوق بالعنق، عربيا بالذات. إسرائيل ــ ككيان صهيونى ــ ليست ولن تكون جزءا من المحيط، فلابد – غربيا وأمريكيا – من جعلها قوة إقليمية (من الخارج) عبر «التهديد بالردع، وتوسيع المستوطنات، وإجهاض الحل التاريخى للقضية الفلسطينية، ومعه الحل التاريخى للمسألة اليهودية..!

•••

هكذا، وفق تصور بعض دوائر التفكير الغربى والأمريكى، تكون تركيا وإسرائيل قطبىْ الرحى فى التفاعلات الإقليمية الشرق أوسطية، بينما يسعوْن إلى تقزيم إيران عمدا، دون تقوية السعودية بالضرورة. بذلك يخلو (الملعب الإقليمى) لقوتين متباينتيْن فى المشارب الإيديولوجية والمسار التاريخى، بحكم أن تركيا العثمانية شقيق تاريخى للعرب فى منظومة الإسلام الحضارى، على الضد التام من الكيان الدخيل.

يضاف إلى ذلك: العمل على إبقاء النزاع السعودى – الإيرانى على حاله، بل وتسعيره، فى محاولة لدفع بعض من صانعى التفكير السياسى فى شبه الجزيرة العربية، ولو كانوا قلة غير مؤثرة، باتجاه محاولة التماس علاقة من نوع معين مع إسرائيل، ولو جزئيا.

سادسا: محاولة عزل مصر. وذلك هو الركن الأخير، وربما كان الركن الركين، المخبوء نسبيا مع ذلك، فى تصور بعض دوائر التفكير الغربى الراهن، متجسدا فى العمل – اليائس فى رأينا – من أجل تحويل مصر، حسب تعبيرهم، إلى «لا قوة اقليمية»..! Regional Nonــ power. وينبنى التصور المذكور تجاه مصر – وهى الند الاستراتيجى (الطبيعى) لإسرائيل، والقوة الموازنة لتركيا وإيران ــ على عدة ركائز، ولنعملْ شعبا وقيادة من أجل إبطال مفاعيلها جميعا؛ وأهم هذه الركائز:

1ــ العمل ــ بقدر الإمكان ــ على إبقاء جرح الإرهاب مفتوحا، ولو ضيقا، ليشكل مصدر نزف دائما للدولة المصرية فى سيناء شرقا، وحبذا لو فُتِح (جرح بسيط) فى الغرب عند الحدود الشرقية مع ليبيا الشقيقة.. وهيهات..!

2ــ السعى إلى جعل مصر على الدوام تلعق جراحها الاقتصادية دون شفاء.. لا قدر الله. ويدخل فى ذلك بصفة خاصة «تقنين» دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر بحيث تبقى فى أضيق الحدود، مهما قدم صانع القرار المصرى من حوافز وتسهيلات. ونوصى هنا بأن تفتش مصر عن مصادر مأمونة للاستثمار الأجنبى، باللعب على أوتار التناقضات المعقدة إقليميا ودوليا، من اليابان وكوريا والصين وروسيا وغيرها.

3ــ محاولة إبقاء مصر معتمدة على الخارج فى مجال الطاقة، برغم الأمل الواعد للاكتفاء من الغاز بعد الاكتشافات الكبيرة أخيرا فى منطقة الساحل المتوسطى. وربما تتم محاولة خلق وتوسيع شقوق مع كل من اليونان وقبرص، ولو باستخدام إسرائيل ومطامعها الغازية فى المتوسط، كلاعب بالوكالة من الباطن، لحساب الغرب وحسابها.

4ــ العمل على الحيلولة دون إتمام العمل المشترك مع إثيوبيا بشأن تداعيات بناء «سد النهضة الكبير»، حتى يظل «عدم الأمان المائى» هاجسا دائما لصانع القرار الاستراتيجى المصرى.

5ــ محاولة تثبيت الصورة الذهنية عن مصر كما رسمها الإعلام الدولى وبعض من الإعلام الإقليمى، كصورة سلبية، قوامها «عدم الأمن والأمان» و«عدم الاستقرار السياسى» و«الوهن الاقتصادى»، رسالة قاتمة موجهة للمستثمرين والسائحين.!

6ــ إبقاء «المشاريع الوطنية الكبرى» فى حيز ضيق، وخاصة «المنطقة الاقتصادية الخاصة» لقناة السويس، ومحاولة قصر نشاطها فى الأمد الطويل على الأنشطة المسماة باللوجستية: نقل وموانئ وتخزين.. إلخ، وفق «الحلم السنغافورى»؛ بدلا من تحويلها إلى منطقة صناعية Industrial Zone على غرار مناطق أخرى كانت محاور وأقطابا للنمو فى شرق آسيا (كوريا الجنوبية وتايوان خاصة).

فما العمل – شعبا وقيادة – إزاء ما سبق؟

قبل الإجابة على السؤال نبدى عدة ملاحظات:

1ــ إن القادم الجديد إلى البيت الأبيض سيأخذ وقته من أجل بلورة مجموع سياساته، مع ميل متوقع تجاه نوع من «التوجه نحو الداخل» وفق سياسة ذات طابع انتقائى تجاه العالم الخارجى وبالقدر اللازم داخليا. ويندرج فى ذلك إمكان توسيع التعاون مع مصر فى دوائر معينة لحصر الإرهاب، مع تركيز أمريكى، ربما، على ثنائى تركيا – إسرائيل؛ حسب ما تتصور دوائر معينة من صناع السياسة الخارجية و«مراكز التفكير».

2ــ روسيا سيكون لها دور كبير فى المرحلة القادمة، مع انغماسها الشرق أوسطى المشهود، ولذا يجب تعميق التعاون المصرى – الروسى على الصعيد الاستراتيجى، والذى بدأ بالفعل. وكذلك الحال مع بقية دول مجموعة «البريكس»: الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا.

3ــ لا نعلم المدى الذى ستصل إليه انتخابات الرئاسة الفرنسية القريبة، أو معركة المستشارية الألمانية، بيْد أنه من المهم استمرار سياسة «مد يد الصداقة» إلى فرنسا، وإلى ألمانيا، على ما كان يسمى بمحور بون – باريس.

4ــ محاولة تحييد بريطانيا التى ستتحول بعد خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبى ــ إنْ وقع ــ إلى (الوكيل الأكثر شراسة) للسياسات الأطلنطية والأمريكية فى العالم، بما فيه منطقتنا.

فماذا نحن إذن فاعلون حقا إزاء كل ما سبق؟

هذا هو السؤال الكبير نعيده ونزيده حتى نتمكن جميعا من صنع الإجابة المستجيبة لأصداء الماضى الحضارى التليد ولنداء المستقبل الموعود، فى آن معا.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات