الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية والعنف المسلح.. محاولة للفهم - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية والعنف المسلح.. محاولة للفهم

نشر فى : الإثنين 14 نوفمبر 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : الإثنين 14 نوفمبر 2016 - 11:10 م

تشتد حدة المصاعب الاقتصادية فى مصر الآن، والتى تتسبب فيها عوامل خارجية وداخلية متعددة، ومن بينها ممانعة قوى دولية عن تنمية مصر والعرب، بالإضافة إلى بعض أوجه القصور الجوهرية فى السياسة الاقتصادية المصرية.

بالتزامن مع هذه المصاعب الاقتصادية نشهد عودة لاحتدام عمليات العنف المسلح على امتداد المعمور المصرى بين أقصى شمال سيناء، والعاصمة وضواحيها، ومدن وقرى مختلفة.

ولعل الدافع الرئيسى لاحتدام موجة العنف الراهنة هو تفكير المخططين لها فى الاستفادة من أجواء الأزمة الاقتصادية وتضخم الأسعار وما يطلق عليه غلاء المعيشة، لتوجيه ضربات موجعة لنظام الحكم، تمهيدا لما يرونه قريبا ونراه مستبعدا.

ولعله يمكن القول إن خلفية الاحتقان السياسى الراهن فى مصر تعود فى جانب أساسى منها، إلى أن مشروعين سياسيين وإيديولوجيين كبيرين حدث لهما نوع من الانحدار النسبى الشديد فى موجتين متزامنتين تقريبا، مع اختلاف الأسباب والمسببات: أولهما مشروع عام – وغامض نسبيا مع ذلك، للإسلام السياسى، فى نسخته «الإخوانية» ذات النواة السلفية بمعنى ما، والمستهدف تأسيس دولة قائمة بصفة رئيسية على طيف عريض من تأويلات معينة للدين. وثانيهما: المشروع الثورى العام، الذى بلغ ذروته فى يناير وفبراير 2011، وبرز من بين تضاعيفه اتجاه شبابى من نوازع يسارية وأخرى (ليبرالية) على السواء، يدعو إلى تغيير سريع وشامل للمنظومة «المباركية» المتجذرة، تغييرا تاما، واستبدالها بمنظومة جديدة، بطريقة راديكالية، مع اختلاف بين حول ماهية تلك «الراديكالية» ــ أو التغيير الجذرى المنشود.

•••

بُعيْد الانحدار المشهود للمشروع الأول (الإسلاموى)، تحرك أصحابه وأنصاره الأقربون، وربما الأبعدون أحيانا، ولجأت شريحة منهم إلى نهج العنف المسلح والدموى، عشوائيا ومنظما، بينما جنحت غالبيتهم إلى ما أسموه العمل السلمى المتراوح بين المظاهرات وتحريك بعض الاحتجاجات إلى الحرب النفسية – السياسية عبر وسائط التواصل الاجتماعى عن طريق اللجان وما يسمى بالكتائب الإلكترونية، انتهاء ببث نوع معين من المشاعر قد يمكن وصفها بمشاعر الكراهية عبر الأحاديث الجارية فى المنازل والمكاتب ووسائل النقل الجمعى والشارع العام على السواء.
أما المشروع الثورى الذى تعثر، ولو اضطراريا، فقد ذهب دعاته وخاصة من الشباب، بددا متفرقين. ولجأ البعض إلى صدارة ممارسات الاحتجاج السياسى العام أو النقابى أو الفئوى وانتهاج أشكال متنوعة للتعبير عن الاعتراض كالتظاهر، الممزوج بلون من العنف غير المجسد، الرمزى واللفظى، والحركى أحيانا، وخاصة فى حال الرد على رد الجهاز الشرطى. والبعض الآخر استخدم، بصفة أساسية، سلاح الحرب النفسية ــ السياسية بمشاركة متعمدة أو غير متعمدة مع الشريحة المناظرة فى تيار الإسلام السياسى. بينما لاذت شريحة ثالثة إلى الصمت المريب المتألم، وإلى تبادل لوم الذات والغير. وبقى القابضون على الجمر، يفهمون ما حدث، غير متفهمين بالضرورة، ويرون السبيل الأمثل فى العمل على توفير مقومات العمل الثورى الصحيح فى الأجلين المتوسط والبعيد.
وأما النظام السياسى فهو حائر فى المنتصف، يواجه المشكلة السياسية للاستقطاب المستحدث بعد 25 يناير 2011 بأدوات قليلة حديثة الخبرة نسبيا. كما يحاول مواجهة المشكلة الاقتصادية المزمنة ترتبا على انتهاج «الانفتاح الاقتصادى» طريقا منذ عقود، وذلك بجهد خارق من رئيس الجمهورية وبمساندة من المؤسسة الوحيدة تقريبا المتبقية أو المتعافية من حصاد يناير 2011 – القوات المسلحة – فى مجال المشروعات الكبرى الجديدة، وبواسطة حكومة يراها كثيرون قليلة الحيلة تعمل بجهاز حكومى ضعيف محدود الكفاءة جدا، فى مجال ما نسميه الاقتصاد القديم. كما يواجه النظام السياسى، من قبل ومن بعد، مشكلة اجتماعية متمثلة فى انقسام متولد عن أسباب بعيدة متصلة بالنهج «الانفتاحى» السابق، وأسباب قريبة تعمقها جراح ناشئة عن طريقة التعامل المستجد مع المشكلة الاقتصادية المزمنة ولو عن طريق الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وخاصة بفعل الخشية من المساس بمراكز القوى الاقتصادية الخاصة.

•••

ويبدو أن المجتمع المصرى الآن – فى ظل التضخم السعرى الزاحف ومن أثر الماضى أيضا، قد يأخذ فى الانقسام، ولو بصفة انتقالية، إلى ثلاث فئات:

1ــ الفئة «الناجية» على سبيل الاحتمال وليس على سبيل الفعل الآنى على كل حال، ليس بمعنى النجاة الكاملة وتحقيق الفوز المظفر فى معركة الحياة، ولكن على غرار تسمية الناجين بأجسادهم من الحرائق وأعمال العنف الجماعى ومراكب الموت. وأولئك هم ما يسمون الفقراء المدقعون – خارج الجماعات المهمشة تهميشا كاملا فى قاع المدينة، والذين تتكفل الدولة بوضع نوع من شبكات الأمان لهم من خلال نظم الحماية النقدية، المعاشات الضمانية وبرنامج «كرامة وتكافل» وخفض نسبى لرسوم الخدمة على شرائح الاستهلاك الدنيا من الكهرباء والمياه، وإعفاء العديد من السلع والخدمات الأساسية من ضريبة القيمة المضافة، وتوفير سلع أساسية فى منافذ وزارة التموين والقوات المسلحة؛ بالإضافة إلى برنامج الإسكان الاجتماعى واستبدال محدود للمناطق العشوائية وتطوير بعضها، وزيادة رأسمال بنك ناصر الاجتماعى. وقد نضيف تخصيص 200 مليار جنيه للقروض المصرفية الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات القادمة بسعر فائدة 5%، وإن لم يتم تفعيله حتى الآن على النحو المذكور، كما يمكن أن نضيف تخصيص قطع محدودة من أراضى مشروع المليون ونصف مليون فدان للشباب بشروط معينة. وكلا الأمرين الأخيرين يتعلقان بجزء من الشريحة الدخْلية العليا من الفقراء المدقعين والشريحة الدنيا والوسطى من الفقراء المعتدلين، إذا صح استخدام مثل هذه التعابير المستمدة من رطانة الصندوق والبنك الدوليين!. ومؤدى ذلك كله، ربما، استبعاد الوهم الذى يتحدث بشأنه بعض المتحدثين، حول ما يسمونه ثورة الجياع..!

2ــ الفئة «المدللة»، تجاوزا لغويا، أو الغنية، وهذه تنقسم إلى ثلاث فئات فرعية: أــ قسم مؤثر من رجال المال والأعمال الكبار وبعض قليل من الفئة الوسطى العليا وخاصة ممن يسمون بذوى المهن الحرة. ب- المتعيشون من الكسب الحرام بمختلف أنواعه، مما يسمى تسمية عامة وغامضة بالفساد. وهؤلاء المتعيشون من الكسب الحرام خُلقا وقانونا يمكن أن نطلق عليهم مسمى (الحرامية) ولو على سبيل التجاوز اللفظى أيضا، وينشطون فى مجالات مثل تجارة المخدرات، والصفقات المشبوهة مع بعض كبار موظفى الجهاز الإدارى للدولة، والأنشطة ذات الطابع الإجرامى الجنائى. ج- «رجال الأعمال – الحرامية» ــ إذا صح التعبير- الذين يتحولون من خلال أنشطة مدرة للعائد السريع بطريقة «اضرب واهرب» إلى مثل أغنياء الحرب، من خلال التعامل فيما يطلق عليه السوق السوداء، وممارسات التخزين غير المنتج والمضاربة فى أسواق العملة الأجنبية، وبعض أعمال الاستيراد وتجارة الجملة.

3ــ الفئة الثالثة الرئيسية هى ما يمكن أن نلقبها بالضحية، وتتمثل فى فئتين فرعيتين تكونان الكتلة الرئيسية للطبقة المتوسطة: ما يسمون بالفقراء المعتدلين، وآخرون على مراتب متوسطة متنوعة من سلم الدخل، وهؤلاء جميعا سوف يتحملون أكبر نصيب نسبى من التكلفة الباهظة، القائمة والمحتملة، للإجراءات المعتمدة لمواجهة الأزمة.

وإنا لنأمل أن نحاول فى مقامات أخرى مع باحثين آخرين تقديم مقترحات لبعض الحلول الممكنة من أجل مواجهة ذلك النوع المستحدث من الاستقطاب الاجتماعى.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات