مسيحيو لبنان أقوى من أحزابهم وأحزاب الطوائف الأخرى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسيحيو لبنان أقوى من أحزابهم وأحزاب الطوائف الأخرى

نشر فى : الثلاثاء 2 يناير 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يناير 2018 - 10:15 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «حازم الأمين» جاء فيه: شهدت السوشيال ميديا اللبنانية بمناسبة الأعياد مناوشات غير حادة، لكنها تنطوى على دلالات يصح تناولها فى سياق تصدع النموذج اللبنانى، وموضوع المناوشات هو دخول شجرة الميلاد إلى بيوت المسلمين اللبنانيين، وتحولها إلى نوع من الطقس الوطنى، ليس فى البيئات المدنية اللبنانية فحسب، لكن فى الأرياف البعيدة والقصية أيضا.

وفى سياق المناوشات والطُرف المتبادلة والتى لا تخلو من دلالات ومؤشرات، طرفة تقول: «على وحسين... رجاء افسحا مجالا لشربل وإيلى لكى (يتصورا) بجانب الشجرة». وفى مقابل هذا الضيق بعلى وحسين، اشتغلت ردود مفادها بأن أعياد المسلمين أيضا فيها فرح وأضواء وأطفال ينتظرون الهدايا.

المناوشات بقيت ضمن حدود الكشف عن مشاعر سلبية ضمنية أحدثتها ظاهرة إيجابية. فإن دخول شجرة الميلاد إلى بيوت المسلمين فى لبنان، يعتبر من المؤشرات النادرة التى يمكن رصدها بصفتها ثمرة علاقات غير نزاعية بين الجماعات اللبنانية. ثمة مؤشرات كثيرة، لكنّ لشجرة الميلاد وقعا مختلفا، ذاك أن فى دخولها بيوت المسلمين قبولا ليس بنموذج عيش فقط، إنما بطقس هو جزء من ركيزة دين آخر.

الطرفة أعلاه، التى شاعت على وسائل التواصل الاجتماعى، توحى بتذمر مسيحى من استدخال المسلمين الشجرة إلى أشكال احتفالهم بنهاية العام. وهو تذمر كاشف لمدى عدم بلوغ الجماعات الأهلية اللبنانية سن الرشد، فالمسيحيون فى لبنان وإن لم يكونوا فى أحسن أيامهم سياسيا، وعلى الرغم من واقعهم الديموغرافى المتردى، فإنهم ما زالوا النموذج الاجتماعى والثقافى الأقوى. والجماعات الأهلية الأخرى، المنتصرة بالمعنى السياسى، وحتى العسكرى، لم تتمكن حتى الآن من فرض نموذجها، أو من الدفاع عنه بصفته مقترحا يتقدم به المنتصِر على المنتصَر عليه. حزب الله أكبر المنتصرين اليوم فى لبنان، إلا أنه عاجز عن تحويل انتصاره إلى نموذج عيش وخيارات شخصية ومناهج تعليم ولغات وحتى اقتصاد. رفيق الحريرى فى التسعينيات، كان النموذج الأقوى، إلا أنه لم يجد خيارا إلا أن يُحضر مسيحيين (من غير أحزابهم) إلى صلب مشروعه، فصاروا مستشاريه وشركاءه فى سوليدير وغيرها.

المسيحيون لحسوا وعى الجماعات الأهلية اللبنانية غير المسيحية. الارتقاء الاجتماعى يعنى اقترابا من نموذجهم، والانتصار العسكرى عليهم أخلى مجالا لعودتهم إلى تصدر المنتصرين. ولعل أضعف ما فى المسيحيين اليوم هو قواهم السياسية، فهذه راحت تتماهى مع شقيقاتها التى تتصدر الطوائف الأخرى، وتُنشئ معها شراكات، هى فيها الشقيق الأصغر، وذهبت بالتماهى إلى حدود لا يمكن عقلها بمنطق واستباقها بتوقع.

المسيحيون أيتام سياسيا، والديموغرافيا عامل مؤلم فى أوضاعهم وأحوالهم، إلا أنهم ملتصقون بفكرة لبنان أكثر من أى جماعة أخرى. شجرة الميلاد فتكت ببيوت المسلمين. هذه ظاهرة لا تشهدها دول مجاورة على نحو واسع كما يشهدها لبنان. أنماط عيش المسلمين فى لبنان لا تمت لأنماط عيش أقرانهم المسلمين فى الدول الأخرى بقدر ما تمت بصلة قرابة أكيدة مع مواطنيهم المسيحيين. هذا ليس تفصيلا عابرا، وهو ما سيجعل من مهمة أى قوة سياسية أو دينية أو مذهبية، فى تثبيت الفروق بين الجماعات، مهمة صعبة. مؤيد حزب الله فى الضاحية الجنوبية لبيروت لن يقوى على خيارات ابنه فى حياة مختلفة، حين تُتاح هذه الحياة فى الجوار القريب.

لكن يبقى أن ضيق الجماعات ببعضها البعض فى لحظة تبادلها أنماط عيشها، هو امتداد لحال الانفصال عن النفس الناجمة عن تصدع النموذج اللبنانى بفعل الضربات المتتالية التى ما برح يتعرض لها منذ عقود. فالتذمر سياسى، فيما دخول شجرة الميلاد البيوت اجتماعى وثقافى. وعلى هذا النحو تتولى السياسة صد الثقافة، وتتولى العصبية تخصيب وعى لا يكترث لحقيقة القوة الكامنة وغير الشاهرة سيف قوتها. ففى سياق النزاعات الأهلية لا يُنتبه إلى نقاط القوة الضمنية التى تؤلف حصيلتها نموذج عيش موازيا ومختلفا جوهريا عن هوية المنتصر. لا تصريف أصلا لهذه القوة. حزب الله وقبله رفيق الحريرى كانا منتصرين فى مشروعهما السياسى، لكنهما لم يقدما اقتراحا واحدا على اللبنانيين مرتبطا بخيارات عيشهم وأنماطها، ومسارات مستقبل أولادهم. لم يفعلا ذلك ليس لأنهما لا يملكان تصورا أو طموحا على هذا الصعيد. الحريرى كان صادرا عن خبرة فى العيش والحياة والسياسة من خارج خبرات اللبنانيين على هذا الصعيد، وحزب الله امتداد لولاية الفقيه التى تملك تصورا لأدنى تفصيل يومى يعيشه مريدها. لم يقدما اقتراحهما لأن الهزيمة التى أصابت المسيحيين فى لبنان، أصابت قواهم السياسية لكنها أصابت بدرجة أقل نموذجهم. خسر حزب الكتائب الحرب، لكن حركة أمل لم تصبح أفقا يتطلع إليه مناصروها بصفته خيار عيش خاصا ومختلفا عن امتداده اللبنانى، ومن المؤكد أن الكتائب (المهزومة سياسيا) تمت بقرابة أكبر للمزاج اللبنانى من حركة أمل المنتصرة والمتصدرة.

ليس بين القوى المسيحية اليوم من هو مدرك قوته هذه. ثمة انكفاء اجتماعى فى موازاة «انفلاش» سياسى يقطع الأنفاس. ولا أحد من هذه القوى يملك من الوعى ما يرشحه لأن يطمح إلى تمثيل «التقدمية» المسيحية، بصفتها خيار الطوائف الأخرى أيضا. فعندما نقول إننا يجب أن نحمى نموذج العيش اللبنانى، ولا يشمل ذلك عبارة «التعايش» المبتذلة والكاذبة، فيجب أن ندفع الثمن المطلوب لهذا النموذج. والثمن المطلوب سياسيا هو أن نعيد الاعتبار لأصحاب النموذج الذى «لا نقبل بغيره خيارا لأولادنا».

المشكلة التى ستواجه الراغب فى إعادة الاعتبار للموقع المسيحى فى لبنان، إذا ما وُجد من هو راغب فى ذلك، هى نفس المشكلة التى واجهت على وحسين أمام شجرة الميلاد، إذ ثمة من طلب منهما المغادرة. فمن سيضمن ظهور قوة سياسية مسيحية راشدة بما يكفى لاستقبال المبادرة، أم أن ذلك سيبقى مجرد خيال؟
التعليقات