تقنين الاستثناء! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 6:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقنين الاستثناء!

نشر فى : الإثنين 2 مارس 2015 - 1:10 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مارس 2015 - 1:10 م

من بين مرتكزات العدل كقيمة أخلاقية وواقع معاش، وسيادة القانون كإطار لإدارة ترابطات المواطن والمجتمع والدولة، والتشريع كوظيفة عامة تتجدد مضامينها باستمرار لتحقيق صالح المواطن والمجتمع والدولة والاستجابة للنواقص والاختلالات والأزمات الحاضرة والتطلع إلى مستقبل أفضل، يأتى فى موقع أساسى الحق الأصيل للمواطن فى أن يفهم بوضوح القوانين والتشريعات التى 1) تنظم حياته فى مجاليها الخاص والعام، و2) تعين مساحات وأنماط وتفاصيل الفعل المقبول ومضاده المرفوض إن لجهة العلاقات بين المواطنات والمواطنين أو لجهة تعاملاتهم إزاء سلطات المجتمع العامة ومؤسسات وأجهزة الدولة، و3) تعرف الإجراءات العقابية حال تورط المواطن فى فعل مرفوض (والذى يتحول بمقتضى القوانين والتشريعات إلى فعل مجرم) وطرق التقاضى الناجز وأدوات الدفاع الموضوعى.

بعبارة بديلة، يغيب العدل وتتراجع سيادة القانون وتنحرف الوظيفة التشريعية عن جوهرها ما أن يعجز المواطن عن فهم مواد وبنود القوانين والتشريعات المحيطة به، وما أن تنتفى قدرته على الإدراك المباشر لطبيعة الفعل المقبول/ القانونى ولمضاده المرفوض/ المجرم وللعقوبات المحتملة ولضمانات التقاضى والدفاع. والمواطن المشار إليه هنا هو المواطن العادى الذى يستطيع إعمال العقل لفهم القوانين والتشريعات، ويستطيع أيضا لأغراض الفهم والإدراك التعويل على المساعدة المتخصصة من قبل المرافق القضائية والمساعدة الاحترافية (مدفوعة الاجر أو غير مدفوعة الأجر) من قبل القائمين على مهن المحاماة.

هذا المواطن العادى يواجه اليوم فى مصر النزوع اللانهائى لمنظومة الحكم/ السلطة لتمرير قوانين وتشريعات تستند فى صياغة موادها وبنودها إلى مفاهيم فضفاضة وعبارات مطاطية وإحالات بالغة الغموض لطبيعة الفعل المقبول ولمضاده المرفوض وتستدعى سياقات بالغة الاختلاط لمساحات وأنماط وتفاصيل الفعلين، وتلغى بذلك قدرة المواطن على الفهم والإدراك الرشيد وتجرده بالتبعية من ضمانات الحقوق والحريات، وتعرضه عبر طيف واسع من الإجراءات العقابية للقيود وللقمع وللتهديد الدائم لإنزالهما به حال عدم خضوعه للحكم/ السلطة وللإرادة الرسمية.

المواطن العادى، ودون تمكينه وصون كرامته وحقوقه وحرياته لا عدل ولا سيادة قانون ولا سلم أهلى ولا تنمية مستدامة ولا بناء ديمقراطى ولا دولة وطنية قوية، يستيقظ اليوم فى مصر على مواد وبنود قانون «الكيانات الإرهابية والإرهابيين» المليئة بالمفاهيم الفضفاضة والعبارات المطاطية وقد أقرت، وأضيفت إلى قائمة ليست بالقصيرة لقوانين وتشريعات مصرية ــ أقربها للسياق الزمنى الراهن هو تعديل المادة 78 من قانون العقوبات فى خريف 2014 ــ تعصف بحقه الأصيل فى الفهم والإدراك الرشيد، وتجرده من حقوق وحريات أصيلة أخرى، وتزج به وبالمجتمع والدولة إلى غياهب مظلمة منتفية الصلة بالعدل وسيادة القانون وجوهر الوظيفة التشريعية، وينطبق عليها لذلك مقولة تقنين الاستثناء ويصح أن تنعت بالقوانين والتشريعات السلطوية.

وحين يتكالب علينا كمواطنين عاديين التداول اليومى لأنباء الانتهاكات المتكررة – كجريمة التعذيب التى أودت بحياة المحامى الشاب كريم حمدى محمد، وتحاصرنا الأخبار المتتالية للعقوبات القاسية والسالبة للحرية الموقعة على مواطنات ومواطنين إن للتظاهر السلمى أو التعبير السلمى عن الرأى، ونتابع توظيف منظومة الحكم/ السلطة والنخب المتحالفة معها لسيطرتها على وسائل الإعلام والمجال العام إما للإنكار الكامل للانتهاكات وللعصف بسيادة القانون أو للتعامل معها باستخفاف منزوع الالتزام الأخلاقى والإنسانى والمجتمعى (حالات فردية) أو لتبريرها فى سياق «الحرب على الإرهاب» ونظريات المؤامرة التى لا تتوقف، يكون أمامنا بعد الحزن والحسرة اختيار من اختيارين مشروعين؛ إما العزوف عن المجال العام والانزواء بعيدا عن قضايا المجتمع والدولة لحماية حقنا فى الحياة وسلامتنا النفسية والجسدية وأمن أسرنا، أو مواصلة المعارضة السلمية لتقنين الاستثناء والتشديد على أن مهام الحفاظ على الدولة الوطنية واستعادة السلم الأهلى والمواجهة الجادة للإرهاب وتحقيق التنمية المستدامة ترتبط عضويا بالعدل وسيادة القانون وبتشريع يحترم حقوق وحريات الناس.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات