بين العريش والقاهرة وطن فى خطر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين العريش والقاهرة وطن فى خطر

نشر فى : الخميس 2 مارس 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 2 مارس 2017 - 9:45 م

بينما كانت عصابات داعش فى سيناء تقوم بقتل وحرق مواطن مصرى مسيحى وابنه أمام أسرته وتحرق بيتهم لتواصل مسلسل تفزيع وترهيب المواطنين لإجبارهم على النزوح وتهجيرهم خارج مدينة العريش، كانت العاصمة المصرية مشغولة بمشاهد متتالية لا علاقة لها بالكارثة التى تحدث فى سيناء؛ فهذا نائب برلمانى يتقدم باقتراح لمد فترة رئاسة الجمهورية من أربع سنوات إلى ست سنوات مع إلغاء قيد المدتين وفتح الباب للتمديد مدى الحياة، فى الوقت نفسه الذى تم فيه إسقاط عضوية نائب آخر بعد اتهامه بإهانة البرلمان وإفشاء أسرار لمنظمات دولية عقب حديثه عن السيارات باهظة الثمن التى تم شراؤها حديثا لرئيس المجلس وسط مطالبات التقشف التى تنادى بها الدولة وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة. بينما غضب رئيس البرلمان من جريدة الأهرام بعد نشر تقرير بالأهرام العربى بعنوان (أخطاء لعبدالعال كل دقيقة، رئيس البرلمان يهين اللغة العربية بـ165 خطأ خلال كلمته) فاستشاط الرجل غضبا رغم قِدم التقرير ومرور عدة أسابيع على نشره، وقال فى الجلسة العامة (الإعلام بيهاجم وطلعت علينا صحيفة إحنا اللى بنصرف عليها وهى الأهرام وندفعلها من أموال الدولة ولا تحقق عائد رغم ما لديها من شركات ومطابع ولكنها للأسف أبتليت بإدارة لا تدير طبقا للمعايير الاقتصادية وشوهت الحقيقة). ثم كان المشهد الرابع بقيام البرلمان بعمل بلاغ للنيابة العامة ضد كاتب نشر عدد من العناوين الساخرة محاكاة لجائزة الأوسكار عن الوضع السياسى فى مصر مما اعتبره البرلمان إهانة وهدم لمؤسسات الدولة وجريمة جنائية يجب محاكمة وعقاب من ارتكبها.
***
اللافت للنظر فى المشاهد الأربعة أن صوت التأييد لهذه المواقف يبدو فيه حالة الإجماع على المحتوى من قبل الذين تبنوا هذه المواقف فقد تم إسقاط عضوية النائب بأغلبية 468 نائبا، بينما أبدى عدد غير قليل ترحيبه بفكرة تعديل الدستور ومدّ فترة الرئاسة وفتح عدد فترات الرئاسة دون قيد، وخرج على الجانب الآخر فئة من المطبلين الذين ينتحلون صفة الفقهاء الدستوريين ليقولوا إن الدستور يسمح بتعديل المادة وإنه لا حرج فى ذلك رغم أن المادة 226 من الدستور تحظر صراحة تعديل النص الخاص بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية. بينما يعتبر اقتراح إطالة المدة دون انتخاب احتقارا للشعب ونزع حقوقه الدستورية فى اختيار من يحكمه ومدة حكمه، إلا أن هؤلاء لا يعنيهم كل ذلك بقدر ما يعنيهم التقرب للسلطة والتزلف لها.
وسط كل هذا العبث وبينما كانت دماء الأبرياء تسيل فى سيناء وطوابير العائلات المهجرة من المواطنين الأقباط تخرج من العريش كان رئيس البرلمان يستنكر المطالبات التى تطالب بإعادة تقييم الأوضاع الأمنية فى سيناء ويقول فى تصريح منشور «لا يوجد برلمان فى العالم يطلب من جيشه وشرطته عرض خطط التأمين عليه»، رغم أنه لا يوجد أحد طالب بذلك من الأساس بينما كان الحديث خاصا حول ضرورة مراجعة الخطط الأمنية فى سيناء لإيقاف يد الإرهاب التى توحشت وأجبرت الناس على الرحيل من بيوتها خاصة بعد بدء التهجير على أساس دينى واستهداف المواطنين المسيحيين من قبل عصابات داعش.
العلاقة بين ما يحدث فى العريش والقاهرة علاقة وثيقة، فهذا الفكر الذى يسود المشهد فى القاهرة من الطبيعى إلى أن يؤدى لهذه المشاهد فى العريش. كيف نخرج من كبوتنا ونحن ندعى القداسة ونترفع عن سماع النقد ونضيق به ونحارب من ينتقدنا ومن يتبنى آراء مخالفة لآرائنا ونطلب محاكمته وعقابه رغم أن الرأى ليس جريمة.
كيف بعد أن طال الإخفاق والإحباط كل شىء نمتلك هذه القدرة العجيبة على الاستعلاء والإصرار على نفس المسار والسياسات والأساليب التى قادتنا للتردى العام الذى لا يوجد إنسان طبيعى فى مصر إلا ويشعر به ويعانى منه؟ تم إخلاء الساحة السياسية من كل المعارضين وتم تفصيلها للمؤيدين فقط، وليس حتى كل المؤيدين بل صار التأييد درجات متفاوتة لا يتم فيها الرضا إلا عن أصحاب التأييد المطلق بينما يتم العصف بالمؤيدين الذين تفلت منهم مواقف أو كلمات يُستشف منها بعض الاختلاف!
***
لماذا لا نصدق أننا نسير فى الطريق الخطأ؟ لماذا نتوهم أن ما نسير فيه سيقودنا للأمان والتقدم والنجاح رغم أنه قاد كل من سبقونا للفشل والضياع والانهيار؟ لماذا لا نتواضع ونعترف أننا أخفقنا حين اعتقدنا أن الرؤية الأحادية وتغييب الأصوات المختلفة وترهيبها وتخوينها سيقودنا للتقدم بينما الحقيقة أنه جعل منا دولة الصوت الواحد والفكر الواحد الذى لا يستطيع مراجعة المسارات ونقد الذات وإدارة الأزمات بمنظور مختلف يساعد على حلها وليس تفاقمها؟
كيف نتعامل مع عقليات تختزل الوطن فى شخوصها وترى أن كل من لا يسايرها وينافقها هو خائن وكاره للوطن ومتآمر عليه؟ جلس المعارضون فى بيوتهم واعتزلوا العمل السياسى بعد تأميمه ولم يتبق فى المشهد سوى المؤيدين الذين يصفون أنفسهم بحماة الدولة وداعميها ومحبيها، فأين ذهبت الدولة؟ هل تقدمت؟ هل حلت مشاكلها وبنت اقتصادها وكفت شعبها؟
مصر اليوم تواجه تحديات كبرى سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وهذه التحديات تحتاج لاستجابة مختلفة عن رطانة الكلمات وتوالى التبريرات وصخب التطبيلات والنفاقات، الطريق واضح لمن يريد أن يسلكه، لكن إرادة التصحيح غير مرئية مما ينذر بمزيد من التراجع، فلينجى الله بلادنا مما هو آت.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات