الخطأ الأمريكي ودواعي التغيير - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطأ الأمريكي ودواعي التغيير

نشر فى : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 8:31 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 8:31 م

 فى أعقاب نصر فى حرب غير متكافئة على أرض عربية طال انتظاره ليمحو سلسلة من الهزائم فى فيتنام وعلى السواحل اللبنانية، أعلن جورج بوش الأب فى 16 يناير 1991 مولد نظام عالمى جديد.. فتوسم الأمريكيون خيرا وتوجس باقى العالم شرا.

ثم عاد ليهنئ شعبه فى خطابه يوم 29 يناير 1992 عن حالة الاتحاد بأن الولايات المتحدة انتصرت بشكل نهائى فى حرب باردة دامت أربعة عقود، فشعر الأمريكيون بأن لهم مطلق الحرية فى اختيار مستقبلهم، بل وفى نسج مستقبل العالم حوله، بينما شعرت أطراف أخرى بأن ذلك الاختيار سيتم فى غياب توازن القوى الذى ساد منذ نهاية الحرب العالمية، والذى لم يكن خيرا بذاته لتحقيق طموحات الدول النامية وأغلبها حديث العهد بالاستقلال. ورغم أن الاختيار الأمريكى تم دون تعرض لأى ظروف دولية غير مواتية، فإن الشعب الأمريكى عبر عن رغبته فى التخلص منه ولما يمضى عليه ستة عشر عاما فلبى دعوة أوباما إلى التغيير. ويثير هذا عدة تساؤلات نتناول منها اثنين بإيجاز: الأول وجه الخطأ فى الاختيار السابق، والثانى وجهة التصحيح التى يرجوها العالم أجمع.

وقد كان أول الأحداث الكبار التى هزت الوجدان الأمريكى الأزمة الطاحنة التى جعلت ثلاثينيات القرن العشرين تحمل أول هزيمة اقتصادية لنظام انطلق فيه حلم بجعل ذلك القرن قرنا أمريكيا، يشهد تفوق الولايات المتحدة بصناعاتها الحديثة ومصانعها الضخمة التى جعلتها مقصد رءوس الأموال من أوروبا. ونبذت هذه الحداثة الأسس التى قامت عليها حداثة الأسلاف فى أوروبا، بأن اختارت منحى ماديا ابتعد عن الحوارات التى دارت بين فلاسفة اقتدوا بابن خلدون، ووضعوا أسس فكر اقتصادى فى إطار سياسى اجتماعى، يبلور معالم الدولة الوطنية وأسموه علم «الاقتصاد السياسى». فالولايات المتحدة استفادت فى نهضتها من خاصيتين افتقدهما الأوروبيون: وفرة الموارد الطبيعية التى جنبت الدولة مسئوليات وتكاليف جلبها بواسطة نهب استعمارى، واتساع السوق المحلية التى أغناها عن الانشغال بتطاحن على الأسواق استنزف قدرات دول القارة الأوروبية، وأكسبها خبرة فى التعامل فى أسواق مترامية الأطراف، امتدت إلى خارج الحدود جنوبا وشرقا.

ومن ثم تفرغ جهاز الدولة لتنظيم العلاقات بين الولايات ومع الخارج فى شقه الفيدرالى، ولتلبية الاحتياجات ذات الخصوصية المحلية فى نطاق الولايات. وأُسقط عن علم الاقتصاد صفة السياسى، لأن الوحدة الأساسية أصبحت هى الشركة الكبرى فانصرف الاهتمام إلى المستوى الفردى (الميكرو) وما يتطلبه من علوم إدارية وسلوكية، ليتفرغ علماء الاجتماع إلى معالجة قضايا تعدد الأعراق والأجناس، وقواعد ما أسماه جالبريث القوى المتعادلة. وهكذا عومل الكيان الكلى (الماكرو) كامتداد للفردى. وعمم ما صح للدولة الفيدرالية على العالم أجمع، تلعب فيه الدولة الأمريكية دور الحكومة المركزية، وتصبح باقى الدول بمثابة ولايات، أولاها إسرائيل التى طوعت الفكرة لصالح مشروعها، لكونها شريكة فى دولة المركز عن طريق اللوبى الصهيونى.

ورغم ما يقال من أن العقد الجديد الذى طرحه روزفلت فى 1933 أوجد مخرجا سانده الاقتصادى البريطانى كينز بنظريته الشهيرة، فإن عام 1937 شهد بداية تراجع جديد رفع معدل البطالة من 14.3% إلى 19% فى 1938، وبات الحلم الأمريكى مهددا من جديد. وجاءت الحرب العالمية الثانية لتنتشل الاقتصاد الأمريكى من وهدته، فدارت عجلة الإنتاج الأمريكية، ولتفتح الطريق أمام بحوث تكنولوجية أسهمت فيها عقول أوروبية نشدت الأمان فى أراضيها، ووظفت قدراتها لمساعدة حلفائها على كسب الحرب الدائرة فى نصف الكرة الشرقى. ومهدت تلك البحوث التى انهالت عليها الأموال العامة فى ظل اقتصادات الحرب ــ وليس اقتصادات السوق ــ السبيل لمجالات جديدة أمام الإنتاج، سواء لأغراض مدنية أو عسكرية، وفتحت الطريق أمام حركة تجارية ضخمة عبر البحار، وهو ما أطلق نهما غير محدود لمصادر الطاقة، طبيعية كانت أم مصطنعة فى مفاعلات ذرية، بعد أن فتحت الذرة الطريق لأبشع جريمة فى التاريخ هى الأجدر باسم الهولوكوست.

وهكذا تبلور الجزء الثانى من عقيدة التقدم الأمريكى: أنه لا ينقذ الاقتصاد الرأسمالى الذى يعانى من القصور الذاتى الحائل دون النمو القادر على التواصل self-sustained growth إلا دفعة من خارجه. ولا بد أن تأتى هذه الدفعة من الدولة دون تدخل مباشر حتى فى السلع العامة اللهم إلا حين تتعذر الأدوات الأخرى. وجاء الإلهام من تجربة الحرب العالمية، خاصة أن منفعتها كانت خالصة (باستثناء واقعة بيرل هاربور) لأنها جرت خارج الأرض الأمريكية. إذن لتكن الحرب والاستعداد لها هى الضمان لتواصل النمو والتقدم معا للاقتصاد الأمريكى. وبعد أن ثبت أن السلاح النووى محدود الفاعلية ولا يعود على الاقتصاد بموجات متعاقبة من النشاط، اتجهت الأنظار إلى مجالات أخرى فكانت الحرب الساخنة فى فيتنام التى تطورت فيها صناعات السلاح إلى ما يقارب القدرات الذرية فى التدمير، والحرب الباردة التى ربط بها غزو الفضاء لتتحول إلى حرب الكواكب، فأدت غرضين: فتح آفاق جديدة لمنتجات مدنية وعسكرية، واستنزاف موارد الاتحاد السوفييتى بعيدا عن التنمية وهو ما مهد لترحيب شعوبه بالتخلص منه.

وإذا كانت عاصفة الصحراء قد ردت بعض الاعتبار عن هزيمة فيتنام والفشل على أراضى لبنان فى 1983 فى عهد ريجان، فإنها لم تكفل نجاحا فى معركة مقديشيو فى 1993 فى بداية عهد كلينتون. واستغلت الولايات المتحدة الإسلام فى مواجهة الشيوعية، فروجت فى الخمسينيات لحلف بغداد تحت التهديد بمخاطر الإلحاد على الإسلام، ودربت من سموا بالمجاهدين لإجلاء السوفييت عن أفغانستان فى الثمانينيات فوضعت بذلك بذرة القاعدة التى عاثت فى الأرض فسادا. وإذا بصمويل هنتجتون يروج فى الفترة 93 ــ 1996 لأعداء يكتسبون صفة الدوام مهما أنهكتهم المعارك، تحت ستار دعوى صراع الحضارات، ووضع الإسلام فى مواجهة الرأسمالية الغربية. وهكذا فإنه فى الوقت الذى تضافرت فيه عوامل التقارب على مستوى كوكب الأرض، تحركت عقول مقتصرة فى علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة لتصور للولايات المتحدة ألا بقاء لها إلا على أشلاء بشر يتساقطون فى أفغانستان والعراق، واقتصادات تتهاوى تحت مطرقة المديونية.

من هنا يأتى ترحيبنا برغبة أوباما فى مخاطبة العالم الإسلامى. ونحيى عزمه على أن يكون الخطاب من أرض إسلامية، بينما كنا سنستمع له بنفس الانتباه لو وجهه من البيت الأبيض. كما نقدر له حسن اختيار المكان، ليس تفاخرا على أحد الإخوة، فقد نهانا الإسلام عن ذلك، وليس تيها بالتاريخ لأن الأمر يتعلق بالحال والاستقبال، وإنما لأن مصر تضم إلى جانب أقدم جامعة إسلامية، مقرا لجامعة الدول العربية وآخر للتضامن الآسيوى الأفريقى من موقعها فى آسيا وأفريقيا معا. ونتوقع منه ألا يطالبنا بشىء تعافه أنفسنا وأخلاقنا وقيمنا الإسلامية، من أجل إرضاء جماعات لا تعيش إلا على حساب نهب حقوق الآخرين. إن المطالبة بحقوق الإنسان يقابلها بنفس القدر تحمل واجبات من أجل إسعاد البشر. ونقول له، مد يدك إلينا لنتعاون على إعادة بناء نظام عالمى جديد يجد كل منا مكانا لائقا فيه يحل محل المنطق المعكوس الذى يضع العالم فيما يصور على أنه خير للولايات المتحدة، حتى يمكن أن ننتشلها والعالم معها من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، ونرسى قواعد إخاء وتكافؤ لصالح البشرية جمعاء، لأن ديننا جاء رسالة للعالمين، واحترم جميع الكتب السماوية والرسل. وحينذاك توظف عقيدتنا الجهادية فيما شرعت له وهو إعمار الكون كرافد لعقيدتنا الإيمانية التى ترى الجهاد عملا يعلى شأن صاحبه فى الآخرة.. وهذا جاء فى صحف إبراهيم وموسى.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات