أوباما يقدم (المسلمين) على (العرب) ... وإسرائيل تصفى فلسطين من موقع (الحليف)! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 5:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما يقدم (المسلمين) على (العرب) ... وإسرائيل تصفى فلسطين من موقع (الحليف)!

نشر فى : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 8:51 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 8:51 م

 اختار الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن يقدم النفط كسلعة إستراتيجية على المكانة السياسية، وأن يقدم الدين (الإسلام) على الهوية العربية والانتماء القومى، وهكذا عدل فى برنامج زيارته للمنطقة لكى يبدأ بالسعودية بدلا من مصر...وهذا ليس تعديلا شكلياُ أو بروتوكوليا (تقديم الملك على الرئيس!) بل له مضامينه التى لا يجوز إغفالها، من أجل قراءة صحيحة للزيارة ودلالاتها.

بمعنى آخر فقد اختار أن يوحى «للعرب» بأنه حليفهم فى مواجهتهم المفترضة مع «العدو الإيرانى» المستجد، بعدما أراحوا أنفسهم من المواجهة ــ ولو كاحتمال ــ مع العدو القومى «السابق» إسرائيل، وتركوا لها أن تقرر لهم مستقبلهم فى أرضهم، بدءا بفلسطين التى لم يتوقف تهجير شعبها برغم تعدد الحكومات وأكثرياتها وتوجهاتها «الأيدلوجية» فى إسرائيل، وهى تعلن أنها ستواصل تهجير من تبقى ليكتمل «تطهير» الدولة اليهودية من «الرجس».. الفلسطينى وبالاستطراد العربى.

ليس فى ذلك سوء تصرف أو سوء قراءة.. فإذا كان العرب قد بدلوا فى خريطة علاقاتهم، فاستبدلوا عدوهم الفعلى، محتل أرضهم وإرادتهم، بعدو افتراضى فلن يتدخل الرئيس الأمريكى فى «قرارهم الوطنى المستقل»، بل هو سيقبل منهم ما يقررونه، فيعادى من يعادونه ويصالح أو يهادن من صالحوه فهادنوه حتى صار حليفا فى معركتهم الجديدة ضد عدوهم المستحدث.

لقد عدّل كثير من الدول العربية فى خريطة العداوات والتحالفات: انتبهوا، ولو متأخرين، إلى أن إيران هى عدوهم القومى التاريخى، مستذكرين «الفرس»، ثم إنها تعتنق مذهبا غير مذاهبهم. ولا يهم أن يكونوا من أهل الدين الواحد.. ثم انتبهوا، بالمصادفة، إلى أن إسرائيل قوية جدا وأقوى منهم على أى حال، وتستطيع بالتالى أن تصد عنهم هذا الخطر (المحتمل) فتمنعه من الوصول إلى المتوسط، بما يهددهم فى وجودهم، فقرروا أن يشجعوها وأن يساندوها، مباشرة أو بالوساطة، وارتاحوا عائدين إلى تفسير خاص لمقولة قديمة مفادها أن عدو عدوك صديقك، وأن المقادير ساقت إلى خدمتهم «أقوى جيش فى المنطقة» وهكذا فلقد أعفاهم شر القتال، حتى وإن تكفلوا بنفقات هذه الحرب التى سيخوضها الإسرائيلى من أجلهم ولحسابهم مشكورا!

ومن حق باراك أوباما أن يشعر ــ لحظة قدومه إلى المنطقة ــ أنه ربما يكون قد اشتط فى تقريعه بنيامين نتنياهو بسبب موقفه الرافض التسليم بشعار الدولتين على أرض فلسطين، ( وهو فى أى حال، وحتى إشعار آخر، مجرد شعار) فظهر وكأنه أكثر تطرفا من أصحاب الشأن، على افتراض أن للشأن صاحبا واحداُ.

(2)
بالمقابل فإن من حق باراك أوباما أن يقبل الخيار الذى اعتمدته دول عربية كبرى ومهمة (بعضها بالتاريخ والقدرات البشرية مثل مصر، وبعضها الآخر بالنفط والأماكن المقدسة مثل السعودية) وخلاصته تقديم الدين على القومية.. ومثل هذا الخيار يسحب ذاته على فلسطين، فإذا كانت فلسطين قضية إسلامية فإن السعودية هى الأولى بها وليست مصر..

أما إذا كانت فلسطين قضية قومية عربية فما شأن المسلمين بها، وهنا تتساوى فى البعد مصر مع السعودية ومعهما السلطة الفلسطينية التى طورت «القرار الوطنى المستقل» أو عدلت فيه بحيث أبعدت العرب تماما عنه، مكتفية منه «بالسلطة» التى مرجعيتها إسرائيل ورعايتها للرباعية الدولية التى ابتدعت لها خريطة تقود إلى.....لا مكان، قبل أن تختم الإدارة الأمريكية السابقة عهدها بمؤتمر أنابوليس الذى استدعى إليه العرب بمذكرات جلب ليسمعوا من الرئيس الأمريكى السابق وإدارته التعهد الاستثنائى باعتبار إسرائيل دولة اليهود!

وها أن بعض ثمار هذا التعهد تتبلور فى ظل انتصار أقصى التطرف الإسرائيلى فى الانتخابات الأخيرة، بتوجيه تهمة الخيانة لكل فلسطينى لم يتم تهجيره من «أراضى فلسطين 1948»، إذا هو اعترض على يهودية الدولة فى إسرائيل!

******

لنعد إلى أساس الموضوع:
فى البداية قال الرئيس الأمريكى إنه قد اختار مصر بوابة دخول إلى العالم العربى، وإنه من عاصمتها القاهرة، سيوجه رسالته الخاصة إلى المسلمين (وليس إلى العرب)!

ويبدو أن أوباما عدل فى برنامجه فقدم الرياض على القاهرة، بعد مداخلات وشفاعات، لكى يؤكد اهتمامه بهواجس المتخوفين من «الخطر الإيرانى» فيطمئنهم مباشرة من الضفة الأخرى للخليج الذى يفصل بين هذا الخطر وبين العرب الخائفين فى أرض الذهب الأسود.

وهكذا فهو يزور الرياض أولا لكى تفهم إيران الرسالة، ثم يأتى إلى القاهرة ليخاطب منها المسلمين، مؤكدا على اعتماد ما قرره «العرب» من أن فلسطين قضية إسلامية، وإلى أن إيران ليست بين المسلمين، وبالتالى فما دخلها بفلسطين التى تبطل أن تكون فى هذه الحالة «قضية».. أقله فى انتظار أن يحسم الصراع بين «العرب» وبين «المسلمين»!.. وفى هذه الأثناء تكون إسرائيل حليفا حقيقيا للمسلمين (وضمنهم العرب) فى مواجهة إيران!

******

النفط أولا وبعده الإسلام!
وبين النفط والإسلام يضيع العراق، الذى بدأت الإدارة الأمريكية تلمح إلى أن الانسحاب منه مستحيل فى الموعد الذى سبق لها تحديده، أى نهاية العام 2011.. فالخلافات الداخلية المستحكمة بين من صاروا قيادات فى ظل الاحتلال الأمريكى تضيف إلى رصيد «الإرهاب الأصولى» الذى قد يتمكن من منع الانتخابات الموعودة نهاية السنة، وقد يخلخل الحكم القائم والانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية بما يجعل من الانسحاب الأمريكى كارثة على العرب والمسلمين!

(3)
وعلى الهامش: فإن السعودية لا تعترف حتى اليوم بحكومة المالكى ليس لأنها «صنيعة الاحتلال الأمريكى» بل أساسا لأسباب مذهبية..

ثم إن الأحوال المضطربة فى أفغانستان ومعها الآن باكستان تنذر بويلات خطيرة، إذ لم يعد تفسخ باكستان خارج دائرة الاحتمالات، وهذا يلزم الولايات المتحدة بالحفاظ على قوات احتلالها فى العراق حتى لا ينهار الدومينو الإسلامى كله.

ثم إن مثل هذا الاحتمال يزيد من الحاجة الأمريكية إلى التعاون مع إيران، التى لها نفوذ غير منكر فى هذا الدومينو.

وبالتالى فإن خطاب الرئيس الأمريكى يجب أن يحمل رسائل التطمين للخائفين من دون أن يستفز القوى الاحتياطية التى قد يفترض أنها ستساعده على وقف التدهور فى الدولة الإسلامية النووية الوحيدة (حتى هذه اللحظة) كما فى الدولة الإسلامية الأخرى أفغانستان التى كلما افترض الاحتلال الأمريكى أنه قد نجح فى إقامتها فعلا جرى فيها من الأحداث ما ينفى افتراضه هذا!..

******

هل هى مصادفة أن تجرى إسرائيل أوسع وأضخم مناورة عسكرية فى تاريخها، بمشاركة جيشها وأسطولها الجوى وأسطولها البحرى ومواطنيها جميعا فيها، وأن تمد هذه المناورات لمدة ثلاثة أيام طويلة، وعلى امتداد الأرض الفلسطينية المحتلة، مع تركيز على الشمال (لبنان) والشرق (سوريا فى اتجاه إيران)؟!

هل ثمة رابط بين هذه المناورة، وبين الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكى باراك أوباما، وهى الأولى، والتى تعلق عليها إدارته وبعض دول المنطقة أهمية فائقة، خصوصا أن البعض يرى أن هدفها طمأنة هذه الدول إلى صلابة التأييد الأمريكى.. ولكن فى وجه من؟!

.. أما فى بيروت فيضاف إلى هذا التساؤل بعض الهواجس التى لم ينفع فى تبديدها قدوم الأكبر بين المسئولين الأمريكيين، إليها، خلال شهر واحد وهما: وزيرة الخارجية السيدة هيلارى كلينتون، ونائب رئيس الولايات المتحدة جوزيف بايدن!
.. خصوصا أن السيدة كلينتون كانت قادمة من العراق تحت الاحتلال الأمريكى، وقد حطت فى بيروت لأربع ساعات فقط، وحصرت زيارتها برئيس الجمهورية ثم بوقفة احترام لذكرى الشهيد رفيق الحريرى، وغادرت من دون أن تلتقى رئيس المجلس النيابى أو رئيس الحكومة، خلافا للمألوف (لبنانيا)..

أما نائب الرئيس فقد وصل بيروت آتيا من بعض أنحاء يوغسلافيا السابقة التى يذكر اللبنانيون أن الولايات المتحدة الأمريكية قد لعبت دورا بارزا فى تمزيقها إلى دول عدة مقتتلة متخذة من حماية «الأقلية الإسلامية» ذريعة لتوظيف هذه الواقعة مع العرب (المسلمين).

(4)
ومع أن هذا المسئول الأمريكى الرفيع قد التزم البروتوكول فزار الرؤساء الثلاثة، إلا أنه وقبيل المغادرة التقى قيادات تجمع «14 آذار» الذى يملك هذه اللحظة الأكثرية البرلمانية، فى محاولة لطمأنتهم وتهدئة قلقهم من نتائج الانتخابات النيابية، مؤكدا لهم أن دولته العظمى تساند بقوة استمرار أكثريتهم فى الحكم وأنها سوف تعيد النظر فى مساعداتها للبنان إذا ما فازت المعارضة فى الانتخابات!

وغنى عن البيان أن مثل هذا الموقف سيزيد من حدة الصراع المفتعل والذى بلغ حدود شطر المسلمين إلى معسكرين متواجهين: السنة تحت الرعاية الأمريكية، والشيعة تحت الرعاية الإيرانية.. وفى مثل هذا التقسيم المفتعل إهانة للمسلمين جميعا، ثم إنه يصب فى طمس القضية الفلسطينية تماما، بتقديم خطر موهوم على خطر حقيقى دفع العرب جميعا من دمائهم ثمن محاولات صدهم، ومازال اللبنانيون منهم يمسحون آثار جراحهم نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان قبل ثلاث سنوات إلا قليلا.

والسؤال ليس: أين أمريكا من العرب والمسلمين؟! بل أين العرب والمسلمون من فلسطين، وبالتالى من الاحتلال الإسرائيلى ومن الاستعداد الإسرائيلى الذى بلغ أوجه فى الأيام الأخيرة لحرب جديدة ضد العرب والمسلمين بعنوان إيرانى؟
لننتظر فنسمع ــ ومن القاهرة وفيها ــ محاولة للإجابة عن التساؤلات الكثيرة التى تقلق العرب والمسلمين معا.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات