«الدستورية» .. وكاتبو الدستور - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الدستورية» .. وكاتبو الدستور

نشر فى : الأحد 2 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 2 يونيو 2013 - 11:34 ص

مساء الثلاثاء ٢٨ مايو وقف الدكتور محمد المقريف رأس الدولة فى ليبيا ليعلن استقالته من منصبه «احتراما للقانون». يقصد قانون العزل السياسى الذى أثار جدلا واسعا ليس فقط بين الليبيين، بل بين كل المهتمين بإشكاليات العدالة الانتقالية وقضايا التحول الديمقراطى فى دول التغيير العربية. وكنت قد كتبت فى هذا المكان (١٢ مايو ٢٠١٣) عن القانون متفهما لدوافعه ومتحفظا على بعض نصوصه.

 

ورغم تلك التحفظات، التى بدأت تفاعلاتها فى تهديد مفهوم العدالة ذاته، الا أن منصفا لا يملك إلا أن ينحنى لموقف الرجل الذى حرص على «احترام القانون» كلبنة لابد منها لبناء دولة معاصرة.. تذكرت الواقعة حين وجدت سياسيين فى مصر (وبعضهم من أهل القانون) يتنادون لإهدار قرار للمحكمة الدستورية التى شُكلت، وحُددت اختصاصاتها طبقا لدستور هم واضعوه. والأدهى أن قرارها ما كان إلا التزاما بنصوص دستور كان هؤلاء المعترضون أنفسهم هم الذين انفردوا يوما بكتابته. 

•••

 

عندما بحثت المحكمة الدستورية العليا فى مدى «مطابقة» نصوص مشروعى قانونى تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، ومجلس النواب لنصوص الدستور «الجديد»، انتهت فيما بين ما انتهت اليه إلى «كفالة حق التصويت  لضباط وأفراد الشرطة والقوات المسلحة».

 

وقبل أن تُعلن المحكمة منطوق قرارها وحيثياته، كان المنقسمون قد انقسموا فى ثنائية معهودة صاخبة وعالية الصوت؛ يحكم معظمَ الخطاب فيها، ليس الموقف من الموضوع وتداعياته على التطور الديمقراطى فى بلد يزعم كل المتحدثين فيه ديمقراطيتهم، بل يكاد أن يحكمه وفقط المربعُ الذى يقف فيه هذا أو ذاك؛ مع الجماعة الحاكمة ابتداء، أم مع معارضيها.

 

وكالعادة لم يكلف الكثيرون أنفسهم عناء النظر فى التفاصيل، والتى هى ضرورية لاستكمال الصورة، ولإنصاف نخشى أن لم يعد له مكان فى أيامنا تلك.

 

بداية أقول بوضوح أننى كنت أتمنى ألا تَضطر نصوصُ الدستور الجديد المحكمةَ إلى اتخاذ قرارها هذا. إذ إننى من الذين يرون أن لمراحل «التحول» الديمقراطى ظروفها وخصوصيتها. وأن اللحظة «الراهنة»؛ باستقطابها الذى لا يخفى على أحد قد لا تكون مناسبة لمثل هذا الإجراء مع الإقرار الكامل باتساقه مع المبادئ الأساسية للديمقراطية التى نعرف. 

 

وأيا ما كان رأيى أو رأى غيرى «الذى قد يختلف»  فى الموضوع، إلا أن هناك فى التفاصيل «حقائق» ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار:

 

١ــ أن المحكمة الدستورية العليا، بموجب أحكام الدستور ذاته (المادة ١٧٧) هى الجهة الوحيدة التى «تختص دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح» وقراراتها ملزمة للكافة «فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها» حسبما تقول المادة ذاتها.

 

٢ــ أن الرئيس محمد مرسى، بموجب المادة ٢٣٣ من الدستور هو الذى أصدر قرارا بالتشكيل الحالى للمحكمة (القرار الجمهورى رقم ٤٤٩ والصادر فى ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢). 

 

٣ــ يعرف المختصون أن المبادئ العامة الواردة فى الدستور تمثل أصولا واجبة التطبيق إلا اذا جرى تقييدها أو استثنائها «بنص» فى الدستور ذاته. وهو الأمر الذى غفل عنه من كتبوا الدستور فلم يقيدوا الأصل الوارد فى المادة ٥٥ باستثناء يحظر على افراد القوات المسلحة والشرطة «كمواطنين» مباشرة حقوقهم السياسية. عكس ما جرى مثلا مع المادة ٧٥ التى تنص على أنه «لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى» والتى جرى تقييدها بنص المادة ١٩٨ والتى استثنت «الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة» فأجازت محاكمة المتهمين فيها «من المدنيين» أمام القضاء العسكرى.

 

٤ــ غاب عن المعترضين على قرار المحكمة والمتحججين بما ورد فى ديباجة الدستور من أن «قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسى..». نقطتان ما كان ينبغى أن تغيب عن القانونيين منهم: الأولى أن هناك تمييزا قانونيا مستقرا بين الفرد كمواطن وبين «المؤسسة» ككيان، كما هو التمييز بين الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى. والثانية أن هناك فارقا بين«ممارسة الحق» وبين «التدخل»، والذى قد يعنى تجاوزا للاختصاص.

 

٥ــ معنى ذلك ومفاده باختصار أن المحكمة بقرارها هذا لم تأت بغير إقرار لما ورد فى نصوص الدستور الذى كتبه الذين يعترضون اليوم على قرارها. وأن القول بأن المحكمة «منحت العسكريين ورجال الشرطة حق التصويت» يفتقد الدقة الواجبة، لأن الذى منحهم هذا الحق فى واقع الأمر هو نص فى الدستور (المادة ٥٥) والذى لم يقيده نص آخر. فضلا عن أن «الشرطة هيئة مدنية» بنص المادة ١٩٩، وعليه، فلا أساس دستوريا لمن يريد أن يميز بين أعضائها وبين أعضاء هيئة مدنية أخرى.

 

٦ــ التخوف من أن أفراد القوات المسلحة يشكلون «كتلة تصويتية واحدة» يحتاج إلى إعادة نظر. ففضلا عن أن القوام الرئيس «عددا» لأفراد القوات المسلحة هو من «المجندين» الذين هم فى الأصل مدنيون، فلا يوجد أى دليل على أن التصويت، الذى هو بالضرورة «سرى» يمكن أن يخضع لقواعد «الانضباط» العسكرى. وليس من المنطقى تصور ذلك.

•••

 

وبعد..

 

فلعلى أكرر ما ذكرته فى بداية المقال من أننى كنت أتمنى ألا تأتى هذه الخطوة «الديمقراطية» إلا فى موعدها. بعد أن نكون قد برئنا من داء الاستقطاب الذى جرنا اليه جموح البعض أو ظنهم «أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا».

 

أما وقد كان ما كان، وذهبت نصوصُ الدستور بالمحكمة إلى أن تقرر ما أصبح تطبيقه هو من باب احترام القانون والدستور، فلا أظن الحكمة هى فيما نسمع أو نقرأ من بيانات «رسمية للأسف» تهاجم المحكمة وقرارها، بل أن نلتفت «لوجيستيا» إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتلافى الآثار السلبية لخطوة ربما جاءت مبكرة عن ميعادها.

 

وذلك أولا بتجنب تخصيص جداول انتخابية معينة لأفراد القوات المسلحة أو الشرطة، بل تدرج أسماؤهم كمواطنين فى الجداول العادية. وثانيا تجنب تخصيص لجان للتصويت داخل الثكنات والمعسكرات. تأكيدا على التمييز بين الأفراد «كمواطنين» وبين المؤسسة التى ينبغى أن تظل بعيدا، كما لا ينبغى أن تقرأ نتائج تصويت أفرادها ككتلة تصويتية واحدة.

 

بعيدا عن «ثنائيتنا» ومعاركنا الصغيرة عالية الصوت، أرجو أن نجد وقتا لنتذكر «جميعا» أن ثورة يوليو نجحت يوما فى أن يكون لمصر «جيش وطنى» بعد أن خلصته من بوادر تمزق كانت قد تسللت إليه أحزاب وجماعات سياسية أو دينية. وأن هذا الجيش، رغم كل تحفظ على إدارة مجلسه الأعلى «بتشكيله السابق» لبدايات المرحلة الانتقالية، هو الوحيد الباقى على الساحة العربية الآن بعد أن جرى ما جرى فى العراق ثم فى سورية. وأن الحرص على تماسك هذا الجيش ووطنيته ومكانته «ومكانه» له أولويته فى مرحلة دقيقة تُرسَم فيها خرائط ويُكتَب فيها تاريخ.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات