«صفقة القرن» أم خيبة القرن؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«صفقة القرن» أم خيبة القرن؟

نشر فى : الإثنين 2 يوليه 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 2 يوليه 2018 - 10:10 م

ما يبدو من بوادر حول «صفقة القرن» أو الخطة الأمريكية لإقفال الملف الفلسطينى، كما رفع عنوانها الرئيس ترامب والتى يعمل على بلورتها وهندستها وتسويقها صهره ومستشاره الخاص جاريد كوشنر، عبر الدبلوماسية المكوكية التى يقوم بها مع الأطراف المعنية، يدل على أن عملية التسوية الجديدة، وقد ظهرت منطلقاتها وفلسفتها وأهدافها، ستصل أيضا إلى حائط مسدود مثل سابقاتها، ولو عبر سياقات مختلفة. فالمتغيرات العربية والإقليمية والدولية، وكذلك جدول القضايا الضاغطة فى المنطقة، لا تكفى لإنهاء المسألة الفلسطينية، كمسألة تحرر وطنى وجعلها أداة طيعة فى ظل رؤية أمريكية تستند إلى أولويات مختلفة لا علاقة لها بهذه القضية، وإلى توازنات اللحظة القائمة فى المنطقة.

***

جملة من الملاحظات يمكن إدراجها عشية انطلاق «صفقة القرن»:

أولا: إن التطورات التى خلقتها إسرائيل على الأرض منذ «نكسة ١٩٦٧» ــ أكثر من نصف قرن ــ صارت بمثابة حقائق قائمة حسب هذه الصفقة رغم جميع المبادئ والقواعد والمواقف الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التى تعتبر هذه التغيرات مسألة غير شرعية. إذا، تنطلق الصفقة من شرعنة الاحتلال، وهو ما يتجاوب كليا مع الرؤية الدينية لقطاع واسع فى المجتمع الإسرائيلى، وكذلك مع المصالح الاستراتيجية للمؤسسة السياسية والأمنية فى إسرائيل. فالقدس صارت إسرائيلية، وأعطى الفلسطينيون والعرب والمسلمون والمسيحيون «قدسهم» فى أبوديس، ضاحية «زهرة المدائن»، وكذلك أكبر الكتل الاستيطانية وجزء غير صغير من الأراضى المحتلة ضمت إلى إسرائيل وصارت خارج إطار التفاوض.

ثانيا: المفاوضات ستكون على قاعدة علاقات توازن القوى والمصالح والوعود المستقبلية دون أى مرجعيات دولية وقانونية قائمة وحاكمة لهذه المفاوضات. إنها مواجهة بين من يملك القوة للحفاظ على الوضع القائم وبين من يملك الوعود بحياة أفضل دون تغيير أساسى فى الوضع الاحتلالى القائم.

ثالثا: المدخل لصفقة القرن يكمن فى الجزرة الاقتصادية والوعد بحياة أفضل خاصة عبر بوابة غزة بسبب أوضاع البؤس الكارثية التى يعيشها القطاع منذ عقود من الزمن. وفى هذا الصدد يقول جاريد كوشنر إن الفلسطينيين سيستفيدون اقتصاديا كونهم جيرانا لـ«وادى السيليكون» فى الشرق الأوسط، أى إسرائيل (إشارة إلى المنطقة فى الولايات المتحدة التى تضم كبريات الصناعات التكنولوجية المتقدمة).

رابعا: تم إسقاط مفهوم الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والتى عاصمتها القدس الشرقية، التى صارت عنوانا للتسوية الشاملة والدائمة والعادلة منذ ثلاثة عقود تقريبا واستبدلت بما هو أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة طبيعية: دولة محدودة السيادة، منزوعة السلاح، مشوهة فى جغرافيتها واجتماعها، متقطعة الأوصال ومرتبطة أمنيا بإسرائيل.

خامسا: محاولة «إغواء» حماس ولو بشكل تدريجى وغير مباشر بهذه الفكرة، وإغواء أبناء غزة بشكل عام، وهم الذين يعيشون فى ظل الصراعات والانقسامات الفلسطينية الحادة والمتروكين لذاتهم.

سادسا: الرهان على موافقة عربية واسعة فعلية، ولو صامتة، بسبب الأولويات الضاغطة فى المنطقة على القوى العربية وحاجتها إلى توثيق علاقاتها مع واشنطن، ولو ترافقت هذه الموافقة مع خطاب سياسى رسمى يصف المقاربة الأمريكية بالخطة الانتقالية نحو هدف الدولة الفلسطينية، حسب ما هو متفق عليه عربيا ودوليا.

سابعا: الرهان على قبول روسى واقعى فى مرحلة الانطلاق عبر المشاركة فى هذه الخطة، وقد تكون القمة الفلسطينية الإسرائيلية بين الرئيس عباس وبنيامين نتنياهو التى دعت إليها موسكو فى منتصف تموز والتى سماها البعض دبلوماسية كأس العالم، كونها تأتى مع المباراة النهائية لكأس العالم، إحدى نقاط هذا الدور إلى جانب الاتصالات الروسية الحمساوية القائمة. والبعض يتحدث عن «مقايضة» بين تسهيل الدور الروسى فى سوريا مقابل تسهيل الدور الأمريكى فى الشأن الفلسطينى، دون أن يعنى ذلك بالطبع أن هنالك تحولا فعليا ونهائيا فى الموقف الروسى نحو القبول بكل مندرجات «صفقة القرن».

ثامنا: من شبه المؤكد أن المتغيرات المتسارعة فى المسرح السورى، وخاصة فى جنوب غرب سوريا ستحفظ لهذا المسرح الأولوية المطلقة فى التفاعلات الشرق أوسطية والتى قد تحاول أطراف عديدة توظيفها باتجاه أو آخر فى الملف الفلسطينى.

تاسعا: قد نشهد هذا الصيف انطلاق عملية «أوسلو جديدة» نحو السلام الموعود والمنشود، حسب التعريف الأمريكى الإسرائيلى لهذا السلام، والذى هو على قطيعة مع جميع مبادئ وأهداف السلام التى استقرت أمميا ودوليا وعربيا منذ مؤتمر مدريد عام ١٩٩١.

عاشرا: إن حالة التفكك والضياع وفقدان البوصلة على جميع الأصعدة، المؤسساتية والتنظيمية الفلسطينية، والغياب العربى الساطع قد يشجع على المضى فى خطة من هذا النوع. خطة تقودنا من جديد إلى منتصف النهر وإلى العودة إلى المربع الأول فى القضية الفلسطينية لتصبح خزانا خصبا لمن يريد أن يستفيد منها لحساباته وأهدافه فى الصراعات القائمة والمنتشرة والمتزايدة فى المنطقة.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات