ثلاث نهايات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاث نهايات

نشر فى : السبت 2 أغسطس 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 2 أغسطس 2014 - 8:30 ص

بدلا من التعرض لمصير عبدالحكيم عامر، قدم المسلسل جنازة جمال عبدالناصر، مدججة بشذرات وثائقية.. ثم قفز عدة سنوات، ليعيد شيئا من مشاهد العبور، مأخوذة من أفلام روائية وتسجيلية، وبهذا، هرب العمل، المرتجف، من الخوف فيما توقعه البعض: هل انتحر المشير أم نحر؟ السؤال، فى ظنى، ليس مهما، فالأهم موضوعيا وإنسانيا هو كيف جاء وقع الهزيمة على الصديقين..

تاريخيا، من الممكن تلمس أحاسيس عبدالناصر، بوضوح، فى الثوانى التى سبقت خطاب التنحى، حين طالعنا بوجه يمور بغضب مقموع، ونظرة يمتزج فيها الأسى بالضيق، ثم يأتى صوته، كما لم يتعوده الناس، ذلك أنه، فى هذه المرة، متهدج ومنهك، قادم من أعماق الحزن، معترفا بالنكسة، معلنا تحمله مسئوليتها، وقبل أن ينهى خطابه، تدفقت الجماهير فى الشوارع، رافضة تنحيه، واعدة بالثأر من الهزيمة.

هذه اللحظات الغائبة عن المسلسل ، محورية فى تاريخ الوطن، جوهرية فى حياة الرجلين، وبالضرورة، كان يجب رصدها، خاصة بالنسبة لعبدالحكيم عامر، الذى لايزال ـ حينها ـ وزيرا للحربية، وقائدا عاما للقوات المسلحة، ورئيسا لأركان الجيش المصرى، قبل إحالته للتقاعد.. السيناريو، لم يقترب من هذه المناطق، فالمشير بعد الهزيمة هو نفسه أيام الاستعراضات، وإن بدا أكثر عصبية... إنه لا يعلق عما وقع، ولم يبد أى مشاعر نحو من استشهد، فقد قدم عزاء باهتا لملازم فقد كل زملائه.. لا هو، ولا عبدالناصر، ولا المسلسل، ذكر معركة «رأس العش» المؤزرة، التى اندلعت بعد ثلاثة أسابيع من الهزيمة، مبشرة بالصمود والنصر.. صديق العمر، بعد النكسة، لا يعانى من جروح الوطن، بقدر ما يتألم من لواعج الغرام، وها هو، فى الحلقة الأخيرة، على مكتبه، يسطر خطابا رقيقا، مليئا بالأشواق، لزروجته «برلنتى» فى مشهد مغلف بالموسيقى الروماسية المعهودة، المترعة بالشجن.. هل هذا كل ما كان فى جعبة بطل الترجيديا.. المسلسل الرعديد، يجيب بنعم، ثم يولى الأدباء نحو جنازة عبدالناصر ثم نصر أكتوبر.

ثمة نهايات أخرى، فى الأعمال الرمضانية، تستحق القراءة، خاصة بالنسبة للمسلسلات الأكثر شعبية: «ابن حلال» و«سجن النسا».

بعيدا عن اللغط الذى ربط بين حكاية «حبيشة» و«العيساوى»، المشنوق، المتهم بقتل ابنة ليلى غفران، يمكن القول، بضميرنقدى صادق، ان «ابن حلال» هو الابن الشرعى للسينما المصرية، ينتمى، إجمالا، لواقعية صلاح أبوسيف، ويسير على هدى «جعلونى مجرما» لعاطف سالم 1954، المتمتعب نزعة اجتماعية واضحة، ولا يمكن إغفال «سلطان» لنيازى مصطفى 1958، أستاذ سينما المطاردات والمواجهات.. وإذا كانت تقاليد الأفلام المصرية تقضى بضرورة دفع الظالم فاتورة ظلمه، أيا كان نفوذه، فإن «ابن حلال» يلتزم بالمبدأ ـ وإن خالف الواقع ـ فنشهد، فى الحلقة الأخيرة، مقتل الشاب العابث، اللاهى، الذى فتك بشابتين، وقام والده، صاحب السلطة، بإلصاق التهمة ببرئ. الأب أيضا، يلقى مصرعه، برصاصات البرئ الذى تحول إلى ما يشبه «المجرم النبيل».. وتستكمل الحلقة فروض الولاء التى تحتم انتصار الشرطة على كل خارج عن القانون. وها هو «حبيشة»، يليلا، فى مشهد قوى، يتهاوى فى أرض الحارة، مملكته، بفعل الأعيرة النارية التى أطلقها عليه رجال الشرطة.. نهاية معروفة سلفا، تلتزم بمقولات الآباء والجدود.

سامح الله مخرجتنا المجيدة، كاملة أبوذكرى، هى وطاقم عملها من الموهوبات، اللاتي سطعن على الشاشة الصغيرة، وخطفن الأنظار.. حلقتها الأخيرة، تكثف ما يعرف بالدم والدموع، والتعبير لأستاذنا على الراعى، وهو عنوان كتابه الذى يدافع فيه عن «الميلودراما».. هنا، شاءت أبوذكرى أن تمزق نياط قلوبنا، تبدأ حفل تعذيبنا، بالمشهد الختامى، الطويل، فى الحلقة قبل الأخيرة، حيث نرى «زينات» الرقيقة ـ بأداء خلال من نسرين أمين ـ المريضة، ذات الابتسامة الساحرة، وقد فارقت الحياة، بصمت، على سرير السجن.. وسريعا، فى مشهدمروع، ملئ بتفاصيل مراوغة، سواء من الحركة الغامضة داخل الكادرات، أو عين الكاميرا الأقرب للعين البشرية، تحاول رصد ما يحدث للنزيلة «رضا»، روبى، التى انتابتها نوبة مزمنة من الهزيان، فى طريقها نحو حبل المشنقة.. بمهارة، تستكمل كاملة حفلتها المروعة، فى الحلقة الأخيرة، فتطالعنا «غالية» ـ نيللى كريم ـ بوجه جامد الملامح، فهى بيتت أمرا، لا فكاك من تنفيذه.. ومع أنفاس متهدجة، تصل إلى زوجها الوغد، جلادها، ومعه صديقتها الخائنة، الغادرة، لا لتقتلهما وحسب، بل تمزقهم، بالسكين، إربا إربا.. ولا يفوت كاملة أبوذكرى، بأسلوبها الخاص، أن ترصد وجه «غالية»، داخل عربة الشرطة المتجهة للسجن، وقد بدت ملامحها هادئة، قريرة البال، باستامة تذكرنا بالابتسامة الغامضة للموناليزا.. هكذا شاءت صاحبة «سجن النسا»: تمتعنا وهى تعذبنا، فكان لها ما أرادت.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات