إسطبل داوود - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسطبل داوود

نشر فى : الأربعاء 2 سبتمبر 2009 - 9:24 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 سبتمبر 2009 - 9:24 ص

 باعتقادى أن الترجمة المغربية للمنتجع الشهير باسم «كامب ديفيد» تقرب للأذهان من يقيمون فيه وما دار مرارا فيه مما يتعلق بالشأن العربى، وبخاصة التمهيد لمعاهدة نقل التواجد الإسرائيلى من سيناء إلى القاهرة مع احتفاظ إسرائيل بباقى الأراضى المحتلة، تتعهدها بالتوسع، وتذيق من ينجو من أهلها من الاستشهاد مرارة العيش مع سلالة العصابات التى شردتهم وآباءهم لينتهى بهم الأمر إلى محرقة أشد هولا من الهولوكوست، الذى جعلوا منه سيفا مسلطا على من يتجرأ بالجهر بمعاداته السامية.

والغريب أن تنسب مسرحية كامب ديفيد إلى انتصار أكتوبر. فما أن وضعت الحرب أوزارها حتى اندفع السادات إلى تسليم الورقة التى بيده إلى أمريكا مدعيا أنها تملك 99% من الأوراق، بدلا من أن يسحب منها ورقة فيضاعف أوراقه. وأعلن أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب دون أن يطالب إسرائيل المثل، وأصدر فى أبريل 1974 «ورقة أكتوبر» ليرسم فيها معالم ما سماه «استراتيجية حضارية شاملة» كمرحلة جديدة بعد أكتوبر المجيد. وختم الورقة بعشرة أهداف حتى عام 2000، لمرحلة مجيدة، مرحلة البناء والتقدم، مرحلة العمل والرخاء.. وحينما يتحدث رئيس دولة طحنتها حروب فرضها عليها أعداء تكمن عداوتهم فى أنفسهم، عن استراتيجية قومية لربع قرن فإن أحد أركانها الأساسية يكون بالضرورة رعاية السلام، الذى يوفر للشعب ما ذكره فى ختام أهدافها، وهو «المجتمع الآمن الذى يطمئن فيه المواطن على يومه وغده». وجاءت صفحات الورقة البالغ عددها 63، خالية من أى حديث عن الأمن القومى، ولو من باب تأمين المكاسب التى حققتها حرب تحريك لا تحرير.

الغريب أن إسرائيل التى يتوقف استمرار وجودها على العدوان تطلق على مؤسستها العسكرية «جيش الدفاع»، وتصف مقاومته بأنها إرهاب. لقد كان واضحا أن ورقة أكتوبر استهدفت أمرين: تأكيد إنهاء حالة الحرب عمليا من طرف واحد، ووضع أسس الانفتاح الاقتصادى بعد أن استطاعت مصر حل كل عقدها النفسية، بما فيها ما سمته الورقة «عقدة الخوف من الاستثمار الأجنبى». وسرعان ما استنفدت الورقة أغراضها فطواها النسيان، لأنها كانت تتحدث عن الدور المهم للقطاع العام وعن منجزات ثورة يوليو والميثاق، الذى رسم معالم الاشتراكية، وكان القصد منها تغطية الردة، التى أطلق عليها حركة التصحيح فى مايو 1971.

وحينما شكل ممدوح سالم وزارته الثانية فى مارس 1976 انتقل الوزراء بالهليكوبتر إلى القنطرة شرق القناة، ليحلفوا اليمين على أرض سيناء فى مسرحية توحى بعودة سيناء إلى الوطن. غير أن الطريف فى لقاء الوزراء معه عندئذ أنه التفت إلى الجمسى قائلا: «اليهود بيشتكوا منك يا عبدالغنى»، وكانت الرسالة واضحة، ولكن قناة هذا الرجل لم تلن. وطالت المحادثات مع دول الخليج الذين حققوا فوائض فجائية نتيجة تصحيح أسعار البترول، الذى تم فى ظل نصر أكتوبر، من أجل تزويد مصر بتمويل يساعدها على إعادة بناء اقتصادها، وكان د. عبدالرزاق عبدالمجيد قد قام فى 1975 بتكليف من د. إبراهيم حلمى عبدالرحمن وزير التخطيط بتقدير الاحتياجات بحوالى 12 مليار دولار تضاف إلى ما يمكن تدبيره من الموارد المتاحة والبالغ 8 مليارات.

وانتهز أحد الوزراء الخليجيين الفرصة للمطالبة بقطعة أرض على النيل لابنه، ومع ذلك شارك فى متاهات المحادثات التى وضحت فيها المماطلة. وأعلن السادات فى خطابه فى ذكرى الثورة فى يوليو 1976 أن مصر ستعتمد على نفسها. وانتهزت الفرصة فعرضت إطار خطة وفق هذا التوجه، ولكن لجنة الإنتاج رفضته، لأن بعض أعضائها دبر قروضا أجنبية لتمويل المكون الأجنبى لمشروعات بعينها، بينما لم يكن لدى الحكومة موارد تكفى لتغطية الجزء المحلى. فلم تكن المشكلة أن يقدم العرب تمويلا لمشروعات يختارها جهاز ينشئوه وتمنحه مصر حصانة دبلوماسية على غرار ما يمنح لأجهزة دولية تقام على أرضها بل أن يوفروا تمويلا لتغطية العجز الجارى، الذى تفاقم بسبب التضخم العالمى وما ترتب عليه من استفحال دعم الاستهلاك الضرورى، وهو ما أدى المساس به إلى أحداث 18 و19 يناير 1977.

واستعدادا لمسرحية زيارة القدس ومنها إلى الإسطبل، قرر السادات تفكيك الاتحاد الاشتراكى إلى ثلاثة منابر تحولت إلى أحزاب. وقرر اعتبار الوسط هو الحاكم، وهيأ للمعارضة جناحا فى اليمين وآخر لليسار. وأفضت انتخابات 1976 إلى تعلق الغالبية بأوتوبيس الحكومة، وضمن السادات بذلك تأييدا يفسر فى ضوئه أن هناك مكانا لمن يعارض فى جناحى المعارضة، فلا يؤثر على ما يريد اتخاذه من إجراءات. وفى مارس 1977 ذكر إسماعيل فهمى وزير الخارجية فى اجتماع لمجلس الوزراء أن كارتر أكد للسادات أثناء زيارته له أن القضية يمكن حلها قبل نهاية العام. وأردت أن أدرك أبعاد هذا التأكيد فسألته عن تقديره للصيغة، التى تصدر بها الخطة: هل نعرضها على نحو يظهر أننا ننوى التوصل إلى حل، وبالتالى نخفض البنود التى ترتبط بالمتطلبات العسكرية اللازمة للدفاع، أو أننا لا نستبق الأمور فنظهر أننا لن نتخلى عن الاستعداد لأسوأ الاحتمالات إلى أن نصل للحل الذى نريده؟ فأسلوب العرض هو رسالة نبلغها لمن يهمه الأمر، أما الخطة الفعلية غير المعلنة فيجب أن تدعم هذا الموقف الأخير. ويبدو أنه اعتقد أننى ألمح لانتقادات كانت توجه لسياسة مصر الخارجية، فمضى يتحدث عن أمور لا علاقة لها بسؤالى.

وحتى لا نفاجأ على غير استعداد، طلبت من الزميل إسماعيل صبرى ــ رحمه الله ــ وكان وقتها مديرا لمعهد التخطيط القومى أن يشكل مجموعة فى المعهد تجمع بيانات وتعد تقديرات عما سببته إسرائيل لمصر من خسائر مباشرة وغير مباشرة منذ نشأتها، حتى يمكن للمفاوض المصرى أن يستخدمها كورقة للتفاوض. وقام الزميلان إبراهيم العيسوى وعلى نصار بإعداد الدراسة، ولكن لم يطل بقائى فى موقعى. ومعلوم أن الخسائر اختزلت أثناء المفاوضات فيما نهبته إسرائيل من ثروات سيناء وبخاصة البترول، ثم أسدل عليها ستار النسيان كما أسدل على أمور أخرى عديدة، فى مقدمتها الكرامة المصرية. واتضح أن مقولة أن مصر ستعتمد على نفسها كانت فى حقيقتها ستعتمد على أمريكا. ألم نتخلص من كل عقد الخوف؟

لن أدخل هنا فى الحوار الدائر حول بقاء المعاهدة المشئومة أو إزالتها. لقد حدد عبدالناصر مهمة المرحلة التى أعد لها القوات التى دخل بها السادات حرب أكتوبر، بإزالة آثار العدوان. وكان معنى هذا استرداد الأراضى التى احتلت فى 1967، أما القضية الأساسية وهى الوجود الإسرائيلى والحق الفلسطينى فهذا يأتى فى مرحلة تالية. غير أن العرب منحوا إسرائيل حدودا عند ما كان قائما فى 4 يونيو 1967. وكان هناك وقت كاف لينظموا صفوفهم وفرض سلام فى اتفاق واحد يقرر حدود إسرائيل طالما أدركوا استحالة استرجاع فلسطين كاملة لأهلها. والذين يدعون أن حكمة السادات تجلت بعجز العرب عن قبول ما كان يكنهم تحقيقه لو أنهم رافقوه فى طريقه واضطرارهم لطرح مبادرة سلام متأخرة 30 عاما، يتجاهلون أنه لولا خروج مصر من المعادلة لما استطاعت إسرائيل أن تتحمل بقاء جميع جبهاتها مفتوحة. وحينئذ تتجاوز جملة مكاسب مصر أضعاف ما ينسبونه إلى معاهدته، يضاف إليها مكاسب باقى العرب.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات