ماذا يقول العلم عن تربية أطفال ناجحين؟ - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يقول العلم عن تربية أطفال ناجحين؟

نشر فى : الإثنين 2 أكتوبر 2017 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 2 أكتوبر 2017 - 10:50 م
عشرات الأبحاث العالمية قامت بها أكبر جامعات العالم حللت فيها السمات المشتركة فى التربية لدى الأسر التى أفرزت مواطنين ناجحين. وقامت مجلة Business insider بجمعها فى مقال مهم نشر فى آخر مارس ٢٠١٧، كتبتها المحررة راتشيل جيليت Rachel Gillett. 

المقال بعنوان ١٧ سمة مشتركة بين أسر الأطفال الناجحين فى المجتمع، واعتبروا أن مقاييس النجاح قدرة الاطفال على النجاح فى الدراسة، الالتزام بالقواعد والقوانين المنظمة للمجتمع (البعد عن الجريمة) وتحقيق الذات فى مستقبلهم. وسأقوم بتلخيصها هنا.

أظهرت دراسة فى جامعة ستانفورد الأمريكية أن هذه الأسر يُعطى فيها الطفل مهام منزلية، أى يسند إلى الطفل مهام محددة مثل غسل الأطباق أو الملابس، ترتيب حجراتهم الخ، وأن هذه المهام تخلق إحساسا بالملكية والمشاركة واحتراما لقيمة العمل، وأنهم فيما بعد يجيدون العمل فى فريق، وهم أكثر التزاما فى وظائفهم فى المستقبل لأنهم يقدرون أن كل عناصر العمل مهمة حتى لو بدا مملا أو سخيفا.

بحث آخر تابع ٧٠٠ طفل على مدى عشرين عاما فى جامعة بنسيلفينيا وجامعة ديوك، وجد أن الأسر التى اهتمت بتعليم أبنائها المهارات الاجتماعية، وتشجيع أبنائها على حل مشاكلهم مع أقرانهم بأنفسهم والتعبير عن مشاعرهم بشكل بسيط وواضح كانوا أكثر قدرة على إنهاء دراستهم الجامعية والحفاظ على والترقى فى وظائفهم فيما بعد.

***
فى جامعة كاليفورنيا فى لوس أنجلوس أظهرت دراسة على ٦٦٠٠ طفلة وطفل أن الأسر التى رفعت سقف توقعاتها من الأبناء حقق أبناؤها نجاحا أكبر من الأسر التى رضخت لظروف اقتصادية أو اجتماعية وأوجدت الأعذار لأبنائها للتراخى فى أداء أى مهمة مطلوبة منهم، وهو ما يعرف بتحقيق التوقعات الشخصية «self fullfilling prophecies».

دراسة فى جامعة إلينوى على الأسر التى تعانى من خلاف بين الوالدين سواء أثناء الزواج أو بعد الطلاق أثرت بالسلب على مستقبل أبنائها العملى، وأن الحفاظ على علاقة احترام وقدرة على التواصل بين الوالدين كان عاملا مهما فى استقرار الأبناء فيما بعد فى دراستهم وعملهم. وبحسب دراسة فى جامعة نوتردام فإن حضور الأبناء خلافا بين الوالدين فيه قدرة على تناول الخلاف بشكل إيجابى والوصول إلى حلول وسط ثم التصالح بشكل فيه دفء كان تأثيره جيدا على الأطفال، وأن تواجد الطفل فى بيئة فيها خلاف خفى، ومشاعر سلبية غير معلنة كان أسوأ من حضورهم للخلاف ورؤيتهم لمراحل حل هذا الخلاف بشكل محترم.

تعليم الأبوين كان له دور مهم فى نجاحهم فيما بعد بحسب دراسة فى جامعة ميتشيجان، وأن الأسر التى بها الأم والأب حاصلان على شهادات جامعية كان أبناؤهما أكثر نجاحا فيما بعد.

مادة الحساب تبين أنها من أهم المواد التى عندما تم التركيز عليها فى الصغر سواء فى المنزل أو الحضانة أو المدرسة كانت من أهم مقومات نجاح الطفل فيما بعد وقد ظهر هذا فى دراسة ضخمة جمعت ٣٥.٠٠٠ طفل من كندا والولايات الأمريكية وانجلترا فى ٢٠٠٧.

***

فى دراسة على الأطفال الأكثر فقرا فى مينسوتا، ظهر أن الاطفال الذين حظوا باهتمام وحنان وتواصل جسدى ونفسى قوى من أحد أو كلا الوالدين فى أول ثلاثة أعوام من حياتهم استطاعوا أن يكسروا حاجز الفقر فيما بعد ويحققوا نجاحات عملية. وأن عدد ساعات تواجد الطفل مع الأم ليس هو عامل الطمأنينة وإنما جودة هذه الساعات، وأن الأمهات والآباء الواقعين تحت ضغوط ويلهثون لتحقيق ما يظنون أنه مهم لتربية أبنائهم من متابعة دروسهم وتدريباتهم يلقون بظلال توترهم وقلقهم على أبنائهم ويؤثرون عليهم بالسلب. فالطفل يستمد إحساس الطمأنينة والأمان من والديه.

دراسة مهمة من جامعة ستانفورد أظهرت نظريتين تربويتين للآباء نحو النجاح، الأولى ثابتة حيث يعتقد الأبوان وبالتالى الأبناء أن ذكاءهم وقدراتهم ثابتة ومقاييس النجاح ثابتة، والأخرى ترى أن القدرات والنجاح أمر ينمو بالعمل والبناء وأن إعادة المحاولة تثمر النجاح. هذا الاختلاف فى مفهوم التربية هو الفارق بين من يكافئ ابنه على النجاح ومن يكافئه على المحاولة والعمل الجاد أيا كانت النتائج. وهى أزمة فى مجتمعنا المصرى حيث يكافأ الطفل الذكى أكاديميا على درجاته فى حين أن قرينه الأقل قدرة على التحصيل لكنه مجتهد ويحقق تقدما على مستواه الشخصى لا يكافأ بنفس القدر.

***
عمل الأم خارج المنزل كان له تأثير إيجابى على نجاح البنات والبنين فى دراسة قامت بها جامعة هارفرد بيزنس سكول، فهذه الأسر شهدت معدلا أعلى من التعليم العالى والنجاح والسعادة الأسرية.

الظروف الاقتصادية للأسرة تلعب دورا مهما فى نجاح الأبناء كما هو متوقع، فالأسر من الشريحة الأعلى اقتصاديا أبناؤها حصلوا على درجات أعلى بنسبة ٣٠٪ فى امتحانات الثانوى على أقرانهم من الشريحة الأقل اقتصاديا بحسب دراسة لجامعة ستانفورد، وهو أمر يبين مدى الخسارة فى القدرات البشرية التى يعانيها المجتمع كلما زادت شريحة الفقر.

هناك ثلاث نظريات للتربية يمارسها الأبوان؛ أسرة متساهلة تتقبل الطفل كما هو ولا تحاول تقويمه، أسرة استبدادية تحاول تشكيل الطفل بحسب رؤية الأبوين لما يجب أن يكون عليه، وأسر داعمة للطفل فهى تقبله لكنها توجهه بشكل غير مباشر. ووجد فريق بحثى فى جامعة كاليفورنيا أن النظرية الثالثة للتربية هى التى تدفع الأطفال نحو حياة أكثر نجاح وسعادة. وهو ما يبين أهمية الإيمان بأن الطفلة لها شخصية ورؤيا خاصة بها يجب دعمها فى وجود إطار من القواعد الضابطة غير الخانقة.

المثابرة وهى القدرة على الاستدامة والعمل نحو أهداف بعيدة المدى، هذه القيمة التى وجدتها باحثة فى جامعة بنسيلفينيا فى ٢٠١٣ لدى أسر الأطفال الأكثر نجاحا فيما بعد تبين أنها من أهم مقومات نجاح الاطفال فيما بعد.
جامعة UCL الإنجليزية نشرت بحثا يبين نوعين من السيطرة التى تمارسها الأسر على أبنائها، السيطرة النفسية والمبنية على التحكم فى آراء ومعتقدات ومشاعر الطفل عن طريق اللعب على الضمير والتقييم الدائم للطفل والتى تبين أن لها تأثيرا سلبيا على الصحة النفسية للطفل وثقته بنفسه وأمثلة لها هو اختراق خصوصية الطفل واعتماده على الوالدين فى أى قرار منعا للعقاب، والسيطرة السلوكية والقائمة على وضع قواعد سلوكية داخل المنزل مثل مواعيد للعودة فى المساء والتزام بعمل الواجبات المنزلية، والتى نتج عنها أطفال أكثر قدرة على اتخاذ قرارات وحل مشكلاتهم.

وجدت دراسة أخيرة أن الاسر التى اهتمت بالتغذية الصحية للأطفال من اختيار نوعية الأكل إلى تثبيت مواعيد ومكان الوجبات وإرساء آداب مائدة سليمة استطاعت أن تفرز أطفالا يحترمون أجسادهم ويحافظون عليها، ويتقبلون أنفسهم بشكل أفضل. فعلاقة الإنسان بالطعام تترسخ منذ أول لقاء به وتعلم مهارة الاستماع إلى احتياجات الجسد التى تحمى الإنسان فيما بعد من السمنة وسوء التغذية والأمراض النفسية المتعلقة برؤيته لجسده.

إذا كان مقياس نجاحنا فى التربية هو سعادة أبنائنا وقدرتهم على تحقيق ذواتهم والحفاظ على سلامتهم، فنحن فى مجتمعنا فى أشد الحاجة إلى مراجعة مفاهيمنا التربوية.
هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات