فقه العلاقات الدولية قرار الحرب منشئ أم كاشف؟(4) - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية قرار الحرب منشئ أم كاشف؟(4)

نشر فى : الجمعة 2 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

يمر قرار الحرب بمرحلتين أساسيتين هما: مرحلة صنع القرار وتنتهى بصياغته واعتماده، ثم مرحلة إعلان القرار، فصنع القرارات العامة والمصيرية فى الشريعة والفقه ليست من البساطة لدرجة أن يسمح لكائن من كان بمجرد مبايعته أو انتخابه أن يستقل باتخاذ القرارات العامة والمصيرية ــ ولا يبرر الاستقلال بالقرار أو يهون من مساوئه أن يعمد المسئول الأول إلى معارفه أو حزبه أو أقرانه أو أتباع مذهبه، أو من يتقارب معهم فيصطنع من بين هؤلاء مجلسا يشاوره، فيكون بذلك قد حقق «جماعية الشورى»، فمن يفعل ذلك فهو كهؤلاء الذين (اعتدوا فى السبت..) حرم الله عليهم الصيد يوم السبت فنصبوا شباكهم يوم الجمعة ليقع السمك فيها يوم السبت متوهمين أنهم التزموا بالامتناع عن الصيد، وللأسف الشديد فإن كثيرًا من تاريخ الأمة يشهد استبداد «المتولى» سواء بنفسه أو من خلال استتاره ببطانة لا تعبر عن مجموع الأمة ومختلف عقولها وقدراتها.

 

(2)

 

لهذا لا أجدنى متعاطفًا مع تلك الصورة المهينة لمجالس الشورى المنتشرة فى بلاد المسلمين، ولا أرتاح لذلك الرأى الذى يجعل إعلان الحرب «حقًا للمسئول الأول»، ولا للشورى التى يصطنعها ذلك المسئول، وسبب عدم تعاطفى أن أصحاب هذا الفقه ــ رضى الله عنهم ــ قد قاسوا إعلان الحرب فى أزمانهم على زمن الرسول (ص) متناسين الفارق الفاصل بين النبوة وبين قيادة الأمة، «فتصرفات النبوة» ليست محلا ليقاس عليها تصرفات القادة والزعماء، فلا بد من إعادة النظر وترديده جيدا فى قول الفقهاء (أخذنا الجهاد من فعله (ص) فلم يغزُ المسلمون إلا معه أو مع غيره) فالرسول (ص) له من خصوصية التشريع ما ليس لغيره، وهذا الانضباط المنهجى يعيد الحوار الفقهى إلى إطاره الصحيح من ضرورة قيام هيئة متخصصة علميا وعمليا، متمتعة برضا أهل الاختصاص وثقتهم، وهؤلاء دون غيرهم فى كل تخصص من تخصصات الشأن العام هم مؤسسة «إعداد القرار وصنعه وعرض بدائله..الخ» على هيئات التشريع وهيئات اتخاذ القرار

 

(3)

 

وهذا ما يدفعنى إلى تكرار الدعوة إلى تغيير قانون مجلس الشورى الحالى وإعداد قانون جديد يبدأ نفاذه بعد هذه الدورة ــ يجعل تشكيل مجلس الشورى من خلال انتخابات متخصصة وليست عامة، أى أن يتشكل المجلس من جميع تخصصات المجتمع، ويتم شغل مقاعد عضوية الشورى من خلال قيام النقابات والأندية الوظيفية بانتخاب ممثليها ــ فيكون أعضاء كل تخصص ممثلين حقيقيين للمواطنين أهل هذا التخصص، وبذلك يتكون مجلس الشورى من (خيار من خيار) عبر قانون جاد للنقابات المهنية والغرف والأندية فضلا عن انتخابات نزيهة مما يشيع روح الثقة والاطمئنان وإرساء قواعد علمية لدولة المواطنة والمؤسسات.

 

(4)

 

فتكوين مجلس الشورى يحتاج إلى مشاركة جميع تخصصات المجتمع (العلمية نظريا وعمليا وأيضا التطبيقية والوظيفية) فكل هذه التخصصات تثرى الشورى وتضع أمامها كل المعلومات بما يجعل أهل الشورى قادرين على تبين الأصول والفروع والدوافع والموانع وتمييز الأولويات.وعلى ذلك فالصحيح منهجيا أن يتكون مجلس الشورى من خلال انتخابات خاصة تجرى على مستوى النقابات المهنية، والأندية الوظيفية، والغرف المتخصصة على أن يكون لكل نقابة عدد محدد من كراسى المجلس، حتى يضم المجلس جميع تخصصات العمل الوطنى.

 

وحينما تمتلك الأمة أو الدولة مجلس شورى جاء من هذا الطريق تكون حينئذ «لجنة الدفاع» فى هذا المجلس بالإضافة إلى «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» هما دون غيرهما أعضاء «مجلس الدفاع الوطنى» وهو المجلس الذى يعتبر (أولى الأمر) فى شئون الحرب ويناط به دون غيره أحقية صنع قرار الحرب وإعداده.

 

(5)

 

وإذا كنا نقول بضرورة اختصاص «مجلس الدفاع الوطنى» بصنع قرار الحرب فلا بد أن يجىء هذا المجلس عبر الرافدين المشار إليهما سابقًا دون غيرهما وفى هذه الحالة فالعقل والمنطق يعطيان لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حضور جلسات مجلس الشورى أو جلسات مجلس الدفاع الوطنى، لكن صنع القرار وتحديده هو عمل مؤسسى يسمى «أولى الأمر» وليس أبدا «ولى الأمر» ويصبح قرار مجلس الدفاع الوطنى قرارا «منشئا» أى «قرار تشريع»

 

-6-

 

وهكذا يبقى إعلان القرار، وقيادة القوات المسلحة، والإشراف على مراحل الحرب، كل ذلك متروك لرئيس الدولة باعتبارها قرارات «كاشفة» تنفيذية وليست تشريعا مصيريا.

 

يتبــع..

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات