عيون أولادنا فى خطر - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيون أولادنا فى خطر

نشر فى : الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:15 م

أحد الأصدقاء الصحفيين حكى لى الحكاية التالية:
«قبل أيام قليلة ذهبت أنا وزوجتى وأولادى الأربعة إلى طبيبة العيون لنعرف إلى أين وصلت حالة عيوننا المرهقة!».
زوجتى تلبس النظارة الطبية منذ كانت فى الصف السادس الابتدائى، أما أنا فلم ألبسها إلا منذ عامين تقريبا، يعنى ظللت ٥٢ عاما لا أعرف ثقافة النظارات، لكن دوام الحال من المحال، خصوصا مع كثرة القراءة، وبالأخص مطالعة الأخبار عبر الشاشات سواء كانت «تليفون أو كمبيوتر أو تليفزيون».
قبل عام اكتشفت ابنتى الكبرى «١٦ عاما» أن نظرها بدأ يضعف، فلبست النظارة. أما المفاجأة غير السارة فهى أن ابنتى الأصغر «٧ سنوات»، بدأ نظرها يتأثر أيضا، واضطررنا إلى تفصيل نظارة طبية لها حتى تستطيع التعامل جيدا مع سبورة فصل ثانية ابتدائى. فى حين أن الابن الاكبر «١٨ عاما» الأكبر والابنة الاوسط «١٠ سنوات»، ما يزالان يحافظان على نظرهما والحمد لله.
الكلام السابق ليس شخصيا، أو للتسلية، ولا أريد أن أشغل القراء بمشكلة هذا الصديق، الهدف ببساطة أن أطرح الأمر حتى يمكن لكل أسرة أن تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عيون أبنائها الصغار، قبل أن يداهمهم هذا المرض الذى صار كالوباء.
للموضوعية أقر وأعترف أن هذه المشكلة ليست خاصة بمصر فقط، لكنها صارت مشكلة عالمية، مرتبطة بإدمان أجهزة الاتصال الحديثة ليل نهار. لكن هناك دولا تحاول علاج ذلك والتصدى له، ودول أخرى لا تفعل.
فى ظنى الشخصى أن اضطرار طفلة يقل عمرها عن ثمانية أعوام إلى ارتداء النظارة الطبية، وأن يصبح ذلك جزءا من روتينها اليومى، أمر مزعج ومربك، ومحزن، ويدعو إلى التفكير الجاد، فى كيفية منع تقافم هذه المشكلة.
هل المشكلة شخصية؟! مرة أخرى لا. وأرجوكم أن تدققوا النظر بشدة فى حال أولادنا الصغار، جربوا أن تنظروا إلى فصل دراسى أو مجموعة تلاميذ فى رحلة أو حفلة أو فى أى مكان تشاءون. سوف تكتشفون بكل سهولة أن عدد الذين صاروا يلبسون نظارات طبية يزداد بوتيرة منتظمة.
صار أمرا مألوفا أن يكون معظمنا أسرى لأجهزة الهاتف أو التابلت أو الكمبيوتر. كنا فى الماضى نشكو من إدمان التليفزيون والجلوس بالساعات أمام شاشته. لم نكن ندرك أن الأسوأ لم يأت بعد، إلى أن جربناه. الآن حاول أن تنظر إلى أى مجموعة من البشر فى أى مكان، فى البيت أو الشارع أو ربما الجامعات سوف تكتشف أن الجميع منهمكون فى عوالمهم الخاصة.
لا أناقش اليوم الآثار الاجتماعية والنفسية والسياسية لهذه المشكلة، وهى خطيرة جدا بالمناسبة. فقط أركز على زاوية وحيدة وهى التأثير على نظر وبصر الجميع، خصوصا أولادنا الصغار.
شخصيا جربت مع أولادى الإقناع ثم الصراخ والعقاب أحيانا «غير البدنى طبعا» لإقناعهم بالتخفيف من الانفراد بالشاشات القريبة من العيون، وبعد تجربة طويلة، توصلت إلى أنه ينبغى أن نوفر لهم بدائل، حتى يقللوا من هذا الإدمان.
كنا ونحن أطفال فى الريف محظوظين جدا. كان الفضاء رحبا، والبيئة غير ملوثة. ولم يكن لدينا من وسائل التسلية البصرية إلا القناتان الأولى والثانية بالتليفزيون الرسمى. ويغلقان قبل منتصف الليل. كنا نلعب كثيرا ونقرأ أكثر الآن غالبية الناس يسكنون فى شقق ضيقة. لا توجد لديهم أماكن كافية وقريبة ورخيصة لممارسة الرياضة. وبالتالى، فالبدائل شبه معدومة.
هناك بلدان مثل الصين، المنتجة الأكبر للألعاب الإلكترونية، بدأت فى اتخاذ إجراءات للحد من إدمان الأطفال على الهواتف والشاشات، بعد أن اكتشفت أن عيون الصغار صارت فى خطر.
الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من الحكومة والمجتمع المدنى وأجهزة الإعلام والمدارس ودور العبادة، حتى نقنع الناس بالتقليل من النظر إلى الشاشات، لا يعلم كثيرون الثمن الاقتصادى الباهظ الذى تتحمله الدولة والمجتمع والناس نظير ضعف البصر. والأخطر أنه سيكون لدينا جيل مريض، ليس فقط فى نظره، بل ربما فى مجمل صحته.
نتمنى أن يتحرك الجميع للبحث عن حلول عملية توقف هذا النزيف الذى يهدد مستقبل أولادنا، ومستقبل هذا البلد.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي