سنة 3 ثورة أمة أم شعب؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنة 3 ثورة أمة أم شعب؟

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2014 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2014 - 9:15 ص

ليس ذلك من الفلسفة، ولا مضيعة للوقت، ولا تقعر فى الكلام، ولا تمسك بثقافة فات زمانها. كلا إنما هو بحث جاد: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نعيش لنحقق ما نريد؟

(1)

لغتنا العربية الجميلة تساعدنا على فهم ألفاظنا ومصطلحاتنا، فكلمة شعب: لفظ صريح يعبر عن التشعب (تجمع الناس فى أكثر من شعبة)، أى أن الشعب كله قد تحول إلى تجمعات خاصة مثل (الشعب الهوائية) و(الشعب المرجانية). فالناس فى الوطن عبارة عن فرق وجماعات (حالة التشعيب والتفريق والتمزق)، وتلك حالة يغرى ظاهرها بأن الناس أحرار يختارون ما يريدون، وكل فرد أو جماعة أو فرقة أو شعبة تعيش كما تريد فى حرية.

وهذا ظن يخالف الواقع ويخالف الحق. فحالة «التشعب» حالة مخيفة مفزعة، فلو أن كل فريق أو جماعة من المواطنين تحولوا إلى «شعبة» حسب إرادتهم يفعلون ما يشاءون وبدعوى الحرية لوقع الجميع فى خطر بل فى أخطار، فلو تحولت الغالبية إلى «تجار» كما نرى هؤلاء الشباب يملأون الأرصفة والشوارع كل منهم يضع أمامه عددا من قطع الملابس أو غيرها ليبيعها، فإذا الجميع يبيع وليس فيهم من يصنع. فإذا لم يجد حوله من يصنع، ولى وجهه شطر الصين يستورد منها أو من أى دولة أخرى ليبيع... لأنه لم يتدرب على صنع أى شىء، وظن أن مجرد الشراء وإعادة البيع يعتبر نشاطا أو حرفة، فإذا أضفت إلى هذه الحالات البائسة ذلك التراث المغلوط الذى يفهمه الناس خطأ أن تسعة أعشار الرزق فى التجارة!!! فما المانع أن يكون الجميع تجارا. هكذا يؤدى التشعب إلى تأخر البلاد، ودوام احتياجها لبلاد غيرها تبحث وتنتج وتصنع.

فإذا تأملت ملايين الشباب من المصريين رأيت عجبا ــ أعدادا وفيرة تخرجت سواء فى المدارس أو الجامعات والمعاهد وغالبيتهم لا يجد ما يعمله أو ينتجه.

وكذلك أعدادا وفيرة تزحم الشوارع وتمنع سيولة السير بحجة أنهم يبحثون عن «أكل العيش» وكل منهم قد اشترى بعضا من البضائع أو من الطعام الجاهز أو الشراب بحثا عن عمل لا يحتاج إلى تدريب، ورغبة فى الكسب السريع. حتى يقع الجميع فى هاوية الضعف والحاجة بسبب «التشعب» أو «التفتت» ليعيش الفرد على هواه.

لذلك يحرص «الحكام المفسدون» فى كثير من البلاد على إيهام الناس بأنهم أحرار يفعلون ما يشاءون، لكى يضمنوا تخلف الناس وتشعبهم وتفرقهم وعدم اجتماعهم على هدف، فترى الحكام يخاطبون الناس (أيها الشعب العظيم) ليشعروا الناس أنهم جميعا ليسوا «أمة واحدة» بل هم مجموعات من (الشعب) تتعدد أحجامها وأغراضها ولا يجمعهم جامع إلا أنهم أتباع لهذا الحاكم المستبد.

(2)

لكن مصطلح «أمة» يحمل مفهوما آخر غير مفهوم «التشعب» و«التفرق»، فلفظ الأمة يعبر عن عدة عناصر هى:

• شعور الجميع أنهم أسرة واحدة لهم أم واحدة هى «مصر».

• اتجاه الجميع وجهة واحدة، فيقصدون «أما» (غاية) واحدة.

• كما أنهم يختارون «حكومة» واحدة تجمعهم جميعا لتحقيق مصالحهم.

• ارتباط الجميع ارتباطا عضويا (مكانى/ زمانى/ نفسى...إلخ).

فاصطلاح (أمة) اصطلاح ثرى يقوى مشاعر الأخوة بين الناس، فضلا عما يفرضه هذا المصطلح من ضرورة التوافق على الغاية، والتراضى على الوسيلة، وعموم المشاركة، وتحمل كل فرد بمسئولية الحرص على الآخرين، حتى إذا وجد بينهم بعض الفروق. فالعضوية فى الأمة لا تستلزم الغاء الخصوصيات ولكنها تفرض الالتزام بالشأن العام الجامع الأمن/ الأمان/ الانتاج/ الإعمار/ الآمال والغايات

و«الأمة» تعبير عن «مجموع الناس» كما أنها تعبير عن «المواطن الفرد» الذى خلع نفسه من فرديته والتحم بشئون الأمة يزيدها ويقويها ويعطيها ويأخذ منها.

فإذا قلنا «المصريون أمة» فإنما نعنى أن المصريين:

• قد استيقظوا واستعلوا فوق الـ«أنا» وانخلع كل واحد منهم من تقوقعه وانعزاله.

• وأنهم قد حددوا غاية واحدة قرروا أن يبلغوها.

• وأنهم قد اتخذوا وجهة واحدة تجمعهم ولا تفرقهم.

• وأنهم قد اجتمعوا على وسائل متعاونة غير متعارضة.

• وأن كل واحد منهم قد عقد العزم على تحمل مسئولية الآخرين فلا يقاطعهم، ولا يناهضهم، بل يبقى دائما معهم محاورا ومستشارا ومشيرا ومتعلما ومعلما حتى يصل القطار إلى نهاية الرحلة، فإذا الجميع قد حقق آماله وهو آمن على نفسه، سعيد فى وطنه، تتجدد آماله وأحلامه دون يأس.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات