العودة السريعة لضجيجنا الفاسد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العودة السريعة لضجيجنا الفاسد

نشر فى : السبت 3 يناير 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 3 يناير 2015 - 8:10 ص

وكأن الكرة الأرضية هدأت لساعات قليلة لكى تودع 2014 وتستقبل العام الجديد، ثم ما لبثنا جميعا أن عدنا إلى تنحية القيم الإنسانية جانبا وإلى إنتاج ذات الضجيج الفاسد هناك وهنا. وكأننا لا نريد أن نعتبر من المآسى والكوارث والإخفاقات التى حلت ببلدان مختلفة إلا لوهلة قصيرة، وكأننا نبحث عن استخلاص الدروس المستفادة من الأزمات التى تهدد البشرية من انتشار الإيبولا إلى تراجع الديمقراطية واستمرار انتهاكات الحريات وتنامى الإرهاب والعنف المتخطيين لحدود الدول الوطنية لإرضاء ضمائرنا قبل الاحتفالات الصاخبة بالعام الجديد.

هناك

1 يناير 2015 ــ أطالع الصحف الألمانية التى تنقل لقرائها «كلمة العام الجديد» للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبها حذرت مواطنيها من الانسياق وراء خطاب كراهية الإسلام والمسلمين الذى يتجدد الترويج له فى ألمانيا وفى أوروبا على يد الحركة اليمينية المتطرفة «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة البلاد المسيحية» (تعرف اختصارا باسم حركة «بجيدا»، والاسم المختصر مستمد من الحروف الأولى لمسمى الحركة باللغة الألمانية Patriotische Europaeer gegen die Islamisierung des Abendlandes) والتى نظمت خلال الأشهر الماضية بعض التظاهرات المعادية للإسلام. تحتفى الصحف الألمانية بتحذير المستشارة، وتصنفه كممارسة سياسية مسئولة ومواجهة شجاعة للحركات العنصرية واليمينية المتطرفة.

2 يناير 2015 ــ أطالع تقارير الصحافة الألمانية عن تظاهرة تعتزم حركة «بجيدا» تنظيمها فى مدينة كولن غرب ألمانيا وشعاراتها خليط عنصرى من العداء للإسلام والعرب والمسلمين ومطالبة للحكومات الأوروبية برفض منح اللجوء «لغزاة أوروبا الجدد» القادمين من بلاد الشرق «المتخلفة» أجد ذات الصحف التى احتفت بتحذير المستشارة ميركل وبمواجهتها «الشجاعة» للعنصرية وللتطرف تتوارد، أيضا على ألسنة سياسيين يمتلكون فيما يبدو الجاهزية لقول الشىء ونقيضه دون غضاضة ضميرية ودون أن يترك مجال زمنى لانقضاء بعض الأيام ولو قليلة، تصريحات مغايرة تتحدث عن كون حركة «بجيدا» تجد مؤيديها بين صفوف الأسر الألمانية «الفقيرة» التى تدفعها المعاناة المعيشية إلى أن ترى فى طالبى اللجوء والمقيمين الأجانب فى ألمانيا منافسين لها على فرص العمل وعن أن ألمانيا ومعها بقية بلدان الاتحاد الأوروبى لا تستطيع أن تواصل سياسة «منح حق اللجوء» دون الإنصات إلى مطالب قطاعات شعبية عديدة تعارض لأسباب اقتصادية وثقافية تنامى وجود العرب والمسلمين فى أوروبا.

هنا

1 يناير 2015 ــ أتابع مواقع الصحف المصرية والمنتديات الإخبارية لمعرفة تطورات الأحداث وقراءة بعض مقالات الرأى. أجد لغة هادئة لا معارك لفظية أو كلامية بها وأفكار متسامحة وبحث عن تجاوز آلام وأحزان 2014 واستخلاص العبر من الأزمات الداخلية والإقليمية، أجد أيضا اجتهادات لكتاب فى مقالات رأى متنوعة لطرح حلول بشأن تجاوز أزمات غياب التنمية المستديمة والتغلب على الفقر والبطالة والفساد وإعادة مصر إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى يحفظ حقوق وحريات الناس ويأتى بالسلم الأهلى ويضمن تماسك ومنعة مؤسسات وأجهزة الدولة.

2 يناير 2015 ــ تتصدر المعارك اللفظية والكلامية وضجيجها الفاسد الواجهة مجددا، فقط بعد انقضاء 24 ساعة. يضيع التسامح، وتعود بعض البرامج التليفزيونية لتخوين وتشويه معارضى الحكم / السلطة، ويتورط بعض المعارضين فى الإعلان عن الملاحقة القضائية لبعض مقدمى البرامج التى تبث برامجهم دون اعتبار لحتمية الترفع عن الانزلاق إلى المعارك اللفظية والكلامية ومن ثم إلى إعطائها المزيد من الزاد لكى تستمر ودون تقدير لخطورة التمادى فى جر المؤسسة القضائية إلى ساحات الصراع السياسى.

هكذا، وفى غضون ساعات معدودة أيضا، تنقلب الصحف والمنتديات الإخبارية المصرية على فضائل لحظة وداع 2014 واستقبال العام الجديد وتشرع سريعا فى إنتاج الضجيج الفاسد الذى ليس له إلا أن يعمق من أزماتنا. أرجوكم حاولوا الاعتبار لمدة أطول.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات