حماية الأسكندرية من الغرق - هيثم ممدوح عوض - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حماية الأسكندرية من الغرق

نشر فى : الثلاثاء 3 يناير 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 يناير 2017 - 9:10 م
تقاس شدة الأمطار بالملليمتر وهو يمثل ارتفاع عمود الماء الذى يهطل على مساحة أرض معينة ومن هاتين القيمتين يمكن تقدير حجم المياه المتساقطة. ويبلغ متوسط سقوط الأمطار خلال العام بالإسكندرية من واقع البيانات المتاحة فى حدود 180 مم كحد أقصى تحدث بداية من شهر سبتمبر حتى شهر إبريل من كل عام.

ما حدث العام الماضى فى 2015 يصنف هندسيا بالأحداث غير طبيعية (Extreme Events)، وتمثل ذلك فى عاصفتين مطريتين أولهما حدثت يوم 25 أكتوبر بهطول 53 مم أمطار خلال ثمانى ساعات فقط والثانية يوم 4 نوفمبر بقيمة تساقط أمطار وصلت إلى 227 مم خلال 30 ساعة من سقوط متواصل للأمطار دون توقف. وأدت هاتين العاصفتين إلى خسائر مادية فادحة بالمدينة بالإضافة إلى شلل تام فى الحركة بالمدينة.

وقد أدت العاصفة الأولى إلى تقدم محافظ الإسكندرية السيد الدكتور هانى المسيرى باستقالته قبل أيام من حدوث العاصفة الثانية التى قرر على أثرها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى تخصيص مقررات مالية ضخمة من صندوق تحيا مصر لرفع كفاءة منظومة صرف الأمطار بمحافظتى الإسكندرية والبحيرة.

***

يجب على المواطن السكندرى أن يتخيل هطول كمية أمطار العام الكامل خلال عدة ساعات علما بأن تصميم شبكة الصرف المركبة للمدينة (صرف صحى وصرف أمطار) غير مصممة على استيعاب هذه الأرقام والكميات غير الطبيعية والنادرة الحدوث حيث لا تتحمل الشبكة عاصفة مطرية أكثر من 30 مم مع تطبيق العديد من الضوابط من صيانة وتقليل ضغوط التغذية بالمياه العذبة فى شبكة مياه الشرب وتطبيق خطط طوارئ للتشغيل وعند زيادة الأمطار عن هذه القيمة فمن المؤكد تعرض المدينة لتراكم مياه الأمطار حتى يتم التخلص من هذه الكميات وتصريفها سواء من خلال شبكة الصرف أو التبخر أو التخلل. وتصل القدرة الاستيعابية لشبكة الصرف المركبة بالمدينة إلى نحو 2 مليون متر مكعب فى اليوم الواحد تعمل بأقصى طاقتها خلال أشهر الصيف وخلال أشهر الشتاء يمثل الصرف الصحى فى حدود نصف القدرة الاستيعابية للشبكة تقريبا بينما النصف الآخر يكون مخصصا لصرف مياه الأمطار.

هنا قد يتبادر لذهن المواطن عدة أسئلة مهمة، أولها لماذا لا يتم تصميم وتنفيذ شبكة صرف أمطار جديدة لاستيعاب أى عاصفة مطرية بأى قيمة كانت. وهنا تكون الإجابة بمنتهى البساطة أنه يمكن بالفعل تصميم وتنفيذ شبكة صرف مياه أمطار جديدة لاستيعاب عاصفة مطرية مثل التى حدثت يوم 4 نوفمبر 2015 بقيمة 227 مم وهذا سيتطلب تخصيص عدة مليارات من الجنيهات لإنشاء هذه الشبكة الجديدة لمواجهة حدث نادر الحدوث ذى احتمال ضعيف وغير متكرر إلا كل عدة سنوات مما يجعل هذا القرار ذو مردود اقتصادى ضعيف ويكون على حساب خدمات أخرى كالتعليم والصحة والبنية الأساسية. كما أن هذا القرار لا تتخذه دول العالم الغنية حيث يتم فى الأغلب تصميم شبكات صرف الأمطار على أشد العواصف المحتمل حدوثها خلال 10 أو 20 عاما، وليس خلال 50 أو 100 عام.

ثانيا: ما الحل لمواجهة مثل هذه العواصف المطرية الشديدة والممكن حدوثها فى المستقبل وهنا يلزم أن يكون متوافر لدينا نظام توقع وتنبؤ لشدة سقوط الأمطار بوقت ودقة كافية وأقصد بالوقت 24 ساعة كحد أدنى والدقة بألا تتخطى نسبة الخطأ 25% كحد أقصى وهذا غير متوافر بهذه الصورة حاليا ولكن متاح فى عدة دول بالعالم. وجود نظام حديث للتنبؤ بالعواصف المطرية سوف يساعد متخذ القرار على تطبيق خطة طوارئ متميزة على عدة مستويات على حسب شدة العواصف المطرية تبدأ باستدعاء معدات الكسح (25 مم مثلا) يليها تعطيل الدراسة بالمدارس (30 مم) والجامعات (35 مم) ثم تعطيل العمل بالجهات الحكومية اغير الخدمية (40 مم) والخدمية (45 مم) فتعطيل وسائل المواصلات العامة (50 مم) ، طلب الدعم من المحافظات القريبة (55 مم)، إعلان حالة الطوارئ (60 مم). تفعيل خطة الطوارئ يجب ألا يتعارض مع منظومة الصيانة الدورية للشبكة وخطط الإحلال بها وخطط رفع كفاءة وتحسين عمل النقاط الحرجة بالشبكة.

***

ثالثا: لماذا لم يحدث تراكم أمطار فى العواصف الشديدة المشابهة التى حدثت سابقا على مدينة الإسكندرية فى يناير 1991 يليها ونوفمبر 1994 إضافة ليناير 1974، وهنا يلزم التأكيد إلى أن عاصفة نوفمبر 2015 لم تحدث عاصفة مطرية مساوية لنصف قيمتها فى السابق، ولكن عاصفة 1991 أدت إلى انهيار جسر زاوية عبدالقادر وقد صنفت هذه العاصفة بالكارثة، وقد حدث بالفعل مشاكل تراكم مياه أمطار خلال هذه العواصف الثلاث ولكن من المتغيرات الهامة التى حدثت بالمدينة هى نقص المساحة التى يمكن أن تتخلل مياه الأمطار التربة بها نتيجة للتوسع العمرانى وإنشاء الآلاف من العمارات السكنية فى المدينة على أراضٍ فضاء كانت تساعد إلى حد كبير فى تخلل مياه الأمطار وسرعة تصريفها.

رابعا: لماذا لا يتم استخدام مياه الأمطار لرى الأراضى والتوسع الزراعى بدلا من إهدارها فى شبكات الصرف ومنها إلى محطات المعالجة؛ فإنه يصعب تطبيق هذه الاستراتيجية لعدم الاستدامة وعدم معرفة موعد سقوط وشدة مياه الأمطار بوقت كاف وهذه مشكلة تهدر كميات ضخمة من المياه العذبة ليست الناتجة من الأمطار فقط ولكن ناتجة أيضا من مياه الرى التقليدية والمنصرفة خلف السد العالى؛ حيث تأخذ رحلة المياه 12 يوما حتى تصل إلى ترعتى المحمودية والنوبارية المغذيتين لمدينة الإسكندرية، وفى حالة هطول الأمطار بكميات كافية يمتنع المزارعون بالمناطق الزراعية بجنوب وشرق المدينة عن استخدام مياه الترع للرى مما يجبر وزارة الموارد المائية والرى على التخلص من كميات المياه العذبة بالمصارف الزراعية.

أخيرا هل من المحتمل حدوث سيول وأمطار هذا العام مشابهة لسيول العام السابق؟ على حسب نظريات الاحتمال فإن تكرار عاصفة العام الماضى بنفس الشدة مرة أخرى خلال هذا العام احتمالها ضعيف، ولكنه موجود بنسبة هذا الاحتمال الضعيف ولا شك أن تأثيرات التغيرات المناخية موثقة وقد لمسنا كمصريين ذلك بصفة عامة فى عاصفتى العام الماضى بالإسكندرية وهذا العام فى سيول رأس غارب والبحر الأحمر. ومع وجود هذا الاحتمال الضعيف فيجب زيادة وعى المواطن على كيفية التعامل مع حالات تساقط الأمطار الشديدة ورفع كفاءة نظام التنبؤ بالأمطار القائم حاليا وتفعيل خطط طوارئ متميزة. المشكلة ليست حدوث عواصف مطرية شديدة من عدمه بل تتلخص فى كيفية تعاملنا مع العواصف المطرية الشديدة إن حدثت ومن المؤكد أنها ستحدث إن لم يكن خلال هذا العام فسيكون خلال الأعوام القليلة المقبلة.
هيثم ممدوح عوض استشارى دراسات تقييم التأثير البيئى وأستاذ الهيدروليكا بجامعة الإسكندرية
التعليقات