عن الحب وسنينه - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحب وسنينه

نشر فى : السبت 3 فبراير 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 3 فبراير 2018 - 9:30 م

يلتقي محبان ويقرران الارتباط. يضرب الاثنان بقيود المجتمع وعاداته عرض الحائط ويقرران المشاركة في أعباء الارتباط بما يقدران عليه، ليتمكنا من بدء رحلة الحب والحياة. تعلن الفتاة سعادتها بقرارها "الثوري" وتنشر قصتها على الملأ.

تمر شهور. ينضب الحب. تعود الفتاة وتعلن ندمها. وتنصح كل فتاة بأن تتجنب ما سقطت فيه من خطأ كي لا تكون "عبيطة" مثلها. ثم تختم قصتها بالعبارة الخالدة: "كنت غلطانة اني قبلت أرخص نفسي".

تتداول كثيرات القصة وتصدرها كل منهم بما يدعم خلاصة الحكمة فيها: كوني حويطة وتجنبي أن يحتال عليك أحدهم باسم الحب. لا تتنازلي عن حقك الذي ضمنه لك المجتمع بالعرف والتجربة.

تتكرر القصة وأتجنب التعليق عليها عندما يطرحها أصدقاء، خوفا من أن يظن بعضهم أنني متضامن مع الظالم على حساب المظلوم. وحقيقة الأمر أنني لا أجد فيها ظالما، كما لا أجد فيها مظلوما.. سوى الحب.

يخطيء من يعتقد أن استمرار الحب سنة كونية وأن "الحب الحقيقي ينبغي أن يدوم". وأكاد أجزم أن التغيير من سنة الحياة وأن الحب ككل شيء أحيانا يستمر أكثر مما يستمر بعضنا في هذه الحياة فنظن أنه كان حبا خالدا، وفي أغلب الأوقات، يدوم حينا أو بعض حين.

الإشكالية الكبرى في أغلب هذه التجارب أن أصحابها لم يتعلموا بعض البديهيات. لم يدركوا مثلا أن دخول أي علاقة مشروط برضى الطرفين، بعكس الخروج الذي لا يلزمه إلا قرار من طرف واحد. تنتهي العلاقة عندما يقرر أحد جانبيها وليس كلاهما، أنه لم يعد راغبا فيها أو راضيا عنها. من الممكن أن يحاول الطرف الآخر الحفاظ عليها اعتقادا منه أن الزهد وقتي أو عارض وقد ينجح. أما أن لم تكلل جهوده بالنجاح فسيكون من غير المجدي أن يبحث المحبان أو من كانا كذلك عمن تغير فيهما ليتلقى اللوم. التغيير سنة وحق. وقد يتوقف المرء عن الحب لأنه تغير أو لأن من يحبه تغير.

المرأة ليست سلعة ولا ينبغي أن يوضع ثمن لدخولها في علاقة مع من تحب. هي أيضا ليست أداة لمتعة من تقبل الارتباط به. المرأة والرجل شريكان يتقاسمان الحب والمتعة والحياة. لا يوجد ولا يصح أن نضع ثمنا لمتعة يفترض أن الرجل حصل عليها من العلاقة. أتحدث هنا عن "مقابل استمتاع" مفترض، وليس عن تقاسم واجب ومفروض لما حصله الاثنان من دخل أو مقتنيات أثناء مؤسسة الزواج، بعمل كل منهما خارج المنزل أو داخله. كما أنني لا أتحدث هنا عن حق أكيد لثمرة العلاقة من أطفال، في الحصول على رعاية الطرفين والاحتماء بمسؤوليتهما.

أرفض هنا تسليع المرأة كما أرفض تسعير متعة العلاقة باعتبارها نصيبا لطرف واحد، وافتراض أن ما يضعه المجتمع من حواجز مادية ضمان لاستمرار للحب باعتبار هذه الحواجز غرامة النكوص ورادعا عنه. خاصة وأن معظم القصص التي أتحدث عنها لم تدم أكثر من شهور. لم ينتج عنها أطفال، ولم يطل أمدها بما يعطي طرف من أطرافها الحق في نصيب من ثروة أو مدخرات ساهم في صنعها من الطرف الآخر.

من هنا تبرز اهمية استقلال كل فرد المادية بما يعطيه أو يعطيها القدرة على الاختيار الحر للدخول في علاقة أو إنهائها دون اضطرار للاستمرار فيها تحت ضغط المادة، او احتياج للتعويض عنها بعد إنهائها بدعوى تقديم "خدمة" هي العلاقة نفسها.

مشكلة ألا نعرف أن الحب يدوم بقدر ما يمكن أن يدوم إن لم نفسده بالنبش في الماضي أو بالذعر من المستقبل. ألا ندرك أنه لحظة ممتدة في آنيتها. لا قبل لها ولا بعد. ننهل منها وفيها بقدر ما نستطيع. ولو توقف لسبب لا نملك له ردا سيكون من الأجدى أن نحتفظ في قلوبنا بالامتنان لكل لحظة دام فيها، وبالعرفان لمن كان شريكنا في متعته.

وكما يقول المثل الذي اخترعته توا: وقر محبوبك مرة، ووقر من كان محبوبك عشر مرات.

التعليقات