غسان مطر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غسان مطر

نشر فى : الثلاثاء 3 مارس 2015 - 12:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 مارس 2015 - 12:15 م

كأن وجهه منحوت من صخر، تضاريسه شديدة الوضوح، توحى بالصلابة والقوة، أنفه ضخم، عيونه غائرة، فمه مزموم الشفتين، جبهته عريضة. إنه، فى معظم أعماله، صاحب عزيمة لا يستهان بها. طرف دائم فى صراع، يخوض معاركه بكل جوارحه. إلى جانب جسمه الرياضى، المفتول العضلات، ثمة صوته الخشن، الأجش، يستطيع تلوينه بالانفعال الذى يريده. يوحى، بمظهره ومخبره، أنه خاض، ومهيأ، للدخول فى نزاع مفتوح، بلا نهاية، سواء بذراعيه أو بعقله.

غسان مطر، فى الأصل عرفات داوود حسن المطرى «١٩٣٨ ــ ٢٠١٥»، فلسطينى بامتياز، تاريخه الشخصى هو تاريخ وطنه.. فى العاشرة من عمره، غادر «يافا»، مع من خرجوا من المدينة العريقة، إثر استيلاء الأعداء عليها، متجها ناحية مخيم «البداوى»، الواقع فى منطقة قاسية، تسرح فيها الزواحف والحيوانات المفترسة.. الصبى، عرفات داوود، أو غسان مطر، تفتح وعيه السياسى، والإنسانى، فى الحقبة الناصرية التى ارتبط بها، طوال حياته. عمل فى الصحافة، والإذاعة، وانضم إلى المقاومة، قبل وبعد حرب ١٩٦٧، لينطلق، فى عالم الأطياف، محققا بطولة فيلمين، فى «١٩٦٩»: «كلنا فدائيون» لغازى غريديان، عن سيناريو لأنطون غندور، و«الفلسطينى الثائر» لرضا ميسر، عن سيناريو كتبه غسان مطر، مع المخرج.

الفيلمان، برغم نزعتهما الخطابية، والميل لتضخيم القوة الذاتية، والتقليل من قدرات الأعداء، فإن ميزتهما الجوهرية، تتمثل فى تغيير الصورة النمطية البائسة للفلسطينيين اللاجئين، الضعيف، المهلهل الثايب، المظلوم.. وتحويلها إلى الصورة المعبرة عن الواقع الجديد: الفلسطينى المقاوم، المحارب، الذى يرتدى البزة العسكرية، يمسك بالسلاح، يتدرب، يدخل فى معارك حياة أو موت، ويحقق النصر فى الكثير منها، فها هو، غسان مطر، فى «الفلسطينى الثائر»، يطالعنا كشاب عابث، بلا انتماءات، لا قضية له، يعيش حياة لاهية، ماجنة، لكن الغضب يجتاحه حين يعرف مصرع أعز أحبابه على يد القوات الإسرائيلية. يغدو مقاتلا لا يشق له غبار، يفتك بأعدائه على طريقة «رامبو» فيما بعد، وبرغم حصاره فى نهاية الفيلم، يتمكن من الإفلات، والعودة إلى قاعدته كى يستعد لعملية أخرى.

تعرض غسان، من الناحية الشخصية، لأكثر من كارثة، ولكنه، بما جبلت عليه الطباع الفلسطينية من قدرة على الصمود والثبات، وقف على قدميه، ليواصل حياته، بعزيمة من حديد، فأثناء تنفيذ «كلنا فدائيون»، وقع انفجار ضخم فى ملهى ليلى، بسبب تواضع خبرات الطاقم الفنى، مما أدى إلى مصرع «٢٢» شخصا من العاملين، بينهم المخرج، غازى غريديان.. لكن، غسان مطر، أصر على استكمال تنفيذ الفيلم، بإخراج كارى كاربتيان.
تعرض غسان لفاجعة، ربما أشد وطأة، فى بداية حرب المخيمات، مع بداية الثمانينيات، حين أغتيل ابنه، جيفارا، وزوجته، ووالدته ــ هكذا، دفعة واحدة ــ وبتماسك، يحكى، مع المذيعة المحترمة، المرموقة، سمر سلمان، تفاصيل الدوافع السياسية للجريمة، فى برنامجها «مصر اليوم» الذى تعده الناقدة الدءوبة، ناهد صلاح.. اللافت أن غسان، فى حواره، يبدو متفهما، وليس مبررا، لما جرى. ولا يفوته أن يشير، باقتناع، وبلا ندم، إلى أن «الاغتيال»، فى جوهره، بمثابة ضريبة دفعها، بسبب موقفه إلى جانب ياسر عرفات، وفتح، والقضية الفلسطينية.

فى السينما المصرية، أصبح لغسان دور فيها، ذلك أن ما يوحى به من قوة بدنية، وروحية، لم يكن من الممكن ألا يتنبه لها، مخرجو أفلام الحركة، مثل حسام الدين مصطفى، الذى أسند له أدوارا فى «الشياطين فى إجازة» ١٩٧٣، «الأبطال» ١٩٧٤، «شياطين البحر» ١٩٧٧.. وبينما توالت أفلام المطاردات، والمواجهات، كان لفناننا حضوره الأثير، الخاص والمميز، فى أفلام ومسلسلات الكوميديا، المعتمدة على المواقف، والتى يؤديها على نحو لا ينتمى إلا له.. فهو، مع محمد سعد، فى «عوكل» لمحمد النجار ٢٠٠٤ ــ على سبيل المثال ــ يبدو كقوة باطشة، مندفعة، ضد كائن ضعيف، يعيش على سجيته.. إنها المفارقة التى يترتب عليها مواقف ساخرة.

غسان مطر، عاش حياته كما يريد، مذيعا، محررا، مناضلا، فنانا، سياسيا.. وقبل وبعد كل شىء، فلسطينيا، قويا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات