حاجة تقارير المباحث إلى خبرات جامعية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاجة تقارير المباحث إلى خبرات جامعية

نشر فى : الثلاثاء 3 مارس 2015 - 1:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 مارس 2015 - 1:25 م

تنظم صحيفة «مكة» حملة صحفية متكاملة، تكشفت فيها فصول مثيرة ومحزنة فى الوقت ذاته، عن رحلة سعيد السريحى المؤلمة مع الدكتوراه.

التقارير التى نشرتها الصحيفة تشى بأن بعض أساتذة جامعة أم القرى، وقتها، كانوا أقرب إلى المباحث فى تقاريرهم التى استهدفت تشويه الباحث والطعن فى هويته كليا، وأنه خطر على الثقافة وكأنه جاسوس متلبس قبعة الباحث. ولا أعلم كيف يرتضى أستاذ جامعى أن يوثق على نفسه خيانته لأمانته الأكاديمية وانحيازه المطلق إلى آيديولوجيته وإعلائها على كل ما سواها. لا يمكن القول إن الأمر اقتصر على السريحى، فربما تعرض طلاب آخرون لقمع الحرمان والفصل بسبب أفكارهم النقدية والفنية فقط، فلا يمكن أن يكون السريحى حالة وحيدة، لأن مثل هذه الموجة تكتسح كل من يقف فى طريقها إن أمسكت زمام السلطة وسطوة القرار. هذه النوعية من التقارير لا تنتمى إلى الفضاءات البحثية، بل تنكرها تماما وتؤكد طبيعة الموجة السائدة فى مواجهة الحداثة وضرورة محاربتها حتى على مستوى الجامعات.

القضية ليست إعادة الدكتوراه إلى السريحى، بل هى فى الخلل الذى دفع بالجامعة، حينها، إلى الاستسلام لتلك الضغوط وكسر كل التقاليد العلمية لأجل حرمان كل من تلبسته تهمة الحداثة من نيل نافذة تسمح له بالتأثير فى الطلاب الذين يراد لهم سلوك طريق مقنن ومحدد لا يجوز الخروج عنه.

هل اقتصر الأمر على عدد من الأساتذة ــ مع الاعتذار لهذه الدرجة العلمية الرفيعة ــ أم أنه كان شائعا فى الجامعة كلها؟ هل هناك طلاب نالوا الدرجة لمجرد أنهم حشدوا رسائلهم بالأفكار والأطروحات الآيديولوجية المتناغمة مع رغبات النافذين والمشرفين والمناقشين، مع أن خطرهم أشد وضررهم أكبر لأنهم سيرسخون الجهل والانغلاق وليس المعرفة والبحث؟ هل هناك جامعات أخرى تورطت فى ملفات مماثلة؟ هل تعرض طلاب فى تخصصات غير مباشرة لقمع مشابه بسبب أفكارهم وموالاتهم الحداثة أو إعجابهم ببعض شعرائها وقصّاصيها؟

الحداثة لم تكن منهجا ولا تنظيما، إنما حال ثقافية عامة ونظريات متضادة فى تحليل وتفسير النصوص الأدبية وطريقة تعبير جمالية لها نجاحاتها وخيباتها، فكيف أصبح مجرد الاستشهاد بشاعر مثل بدر شاكر السياب أو غيره خيانة ودلالة على طابور خامس؟

ليس فى التقارير التى نشرتها صحيفة «مكة» ما يتصل بالبحث العلمى، إنما تحريض واستعداء وتشويه يتجاوز حدود رفض الرسالة إلى استقراء النوايا وإلباس الباحث رداء إدانة لا يغادره بقية حياته.

المهمة الآن ليست إعادة الدكتوراه إلى السريحى، مع ما فى ذلك من اعتذار يعلى قيمة الجامعة، بل التأكد من أن الجامعات اليوم ليست مراكز تلاعب وأدوات فى التجاذبات والصراعات، والتأكد من أن تلك الحقبة لم تتجذر وتصبح منهجا وقاعدة فى التدريس ومناقشة الرسائل، وأن لا لغة تفوق ضوابط البحث ومعاييره العلمية.

إنقاذ الجامعات وحصانتها هى المهمة الأساس كى لا يكون التعليم عبثا ولا تكون الدرجات العلمية سطوة لأية أيديولوجيا أو جماعات تستغل منصات التدريس للتأثير وفرض منطقها، إذ لا يعقل أن يتحول كل هذا الاهتمام بالمعرفة والعلم إلى سلاح من الداخل وخدمة لكل من يريد الاستئثار بالمنابر كافة.

هذه النوعية من التقارير تسىء إلى قيمة كل باحث حقيقى وتجرح القيمة الأكاديمية للجامعات حتى إن كانت نقية منها، لأن الداء يتفشى والبقعة السوداء تشوّه بياض الثوب.

نريد الاطمئنان إلى جامعاتنا وسلامتها كى نطمئن إلى مستوى خريجيها وصدقيتهم فى خدمة البلد والمعرفة والتنوير، بدءا من مدرّسى التاريخ حتى الأطباء.

الشرق الأوسط ــ لندن
جاسر الجاسر

التعليقات