وطنية الأحذية وعبثية السياسة فى مصر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطنية الأحذية وعبثية السياسة فى مصر

نشر فى : الخميس 3 مارس 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2016 - 11:10 م
تحت قبة البرلمان ينتظر النائب المخضرم زميله النائب الإعلامى ــ المثير للجدل بنظرياته وتحليلاته الخزعبلية المبنية على نظرية المؤامرة والعداء لثورة يناير، النائب الإعلامى الذى لم يترك معارضا سياسيا ولا وجها ثوريا إلا واتهمه بالعمالة لأمريكا والصهيونية العالمية. بعد أن فاجأ الأخير الجميع بدعوته للسفير الإسرائيلى لتناول العشاء؛ كان على موعد مع حذاء زميله النائب المخضرم الذى ضربه به تحت القبة تعبيرا عن رفضه للقائه السفير الإسرائيلى، اعتبر الرجل أن ضربه لزميله بالحذاء هو تعبير عن رغبة الشعب المصرى فى عقاب النائب المتورط بالتطبيع مع اسرائيل وكأن الرجل قد قرر أن وسيلة الشعب المصرى للتعبير عن رأيه هى استخدام الأحذية!

لم يتوقف المشهد العبثى عند هذا الحد فإذا بالنائب صاحب الحذاء يصرح لوسائل الإعلام أن شخصا اتصل به عارضا أن يبيع حذاءه فى مزاد؛ وكان رده عليه أنه موافق بشرط أن يتم التبرع بثمن الحذاء مقاسمة لصالح صندوق تحيا مصر والقضية الفلسطينية! لم يتوقف المشهد السريالى عند هذا الحد بل قام بعض النواب بجمع توقيعات داخل البرلمان تطالب بوضع الحذاء فى متحف البرلمان! أما أحد الصحف فقد قامت بتدشين لعبة إلكترونية يقوم فيها المواطنين بضرب مجسم للنائب اياه بالحذاء وفى مانشيتات صاخبة ارتفعت شعارات أشرف حذاء فى مصر! أعظم حذاء فى مصر! الحذاء الذى أثلج قلوب المصريين!

***

وطنية الأحذية التى يصكها هؤلاء مثيرة للغثيان بسبب حالة الانفصام فى المواقف التى لا تجعلنا نتعامل مع هبتهم المزعومة هذه إلا بكثير من الريب والاستغراب والاشمئزاز بسبب المزايدات المبتذلة وسوق النخاسة السياسى الذى امتلأ بتصريحات نارية ترتدى ثوب البطولة المجانية على حساب النائب إياه، وكأن الدولة المصرية الرسمية تتبادل يوميا طلقات المدافع وقذائف الدبابات والطائرات مع دولة اسرائيل التى وقعت معها مصر معاهدة سلام دشنت علاقات دبلوماسية كاملة منذ نهاية السبعينات!

هذا الإعلام المتناقض هو الذى صدع أسماعنا على مدى ثلاثة سنوات أن إسرائيل ليست العدو وأن الفلسطينيين وفصائل المقاومة هم أساس كل الشرور وأنهم صناع الفوضى فى مصر، هذا الإعلام الموتور لم يتوقف عن التحريض ضد الفلسطينيين والدعوة لقصف غزة بالطائرات بل والشماتة العلنية فى المذابح التى قام بها كيان الاحتلال ضد أهل غزة، هذا الإعلام المدعى الوطنية يتجاهل كل التقارير التى تشير لحالة من الدفء غير مسبوقة فى العلاقات المصرية الاسرائيلية خلال الفترة الحالية. حين أفردت وسائل الإعلام العالمية مساحات كبيرة لتصريحات وزير الطاقة الإسرائيلى المثيرة للجدل حول تلبية مصر لطلبات اسرائيل لتشديد الحصار على غزة تعامل هذا الاعلام مع التصريحات الخطيرة وكأنها تخص دولة فى كوكب آخر.

أما هؤلاء السياسيين الذين أمطرونا بوابل من وصلات تقديس الحذاء الوطنى فلم نسمع لهم صوتا ضد ما يحدث فى فلسطين المحتلة من ممارسات إسرائيلية اجرامية، ولم نر لهم موقفا يذكر حين قال مسئول رياضى مصرى ــ موالى للسلطة ــ أن قطر أخطر على مصر من اسرائيل ويمكننا اللعب فى إسرائيل فى أى منافسات رياضية لأننا على علاقة دبلوماسية بها وهى دولة صديقة.

***

البطولة العبثية التى لا تعارض فيها مواقف السلطة بطولة سهلة فهى لا تحتاج إلا لخطابات حنجورية وتشنج مصطنع وربما فردة حذاء! أما اتساق المواقف وعقلانيتها فهى آخر ما يمكن لهؤلاء التحلى به. هذا المقال ليس دفاعا عن النائب اياه الذى يمثل ظاهرة لا يمكن التعامل معها باستخفاف ولا يمكن إغفال الجهات التى مكنت له الظهور الإعلامى بقوة لضرب ثورة يناير والتشكيك فيها؛ لكن هذا المقال هو دفاع عن العقلانية ورفض للابتذال السياسى والعبثية التى تسيطر على المشهد العام فى مصر.

من المؤسف أن تكون هذه النوعية من السياسيين هم نواب الشعب ومن المؤسف أن يرتضى بعضهم دور الكومبارس لإلهاء الرأى العام عن المشكلات الكبرى والكوارث الاقتصادية والأمنية التى تعصف بالدولة المصرية. أما الأكثر أسفا فهو الإعلام الذى يشارك فى التغييب وفى مباركة الابتذال وفى إشغال المصريين وتركيز انتباههم فى معارك عبثية لا علاقة لها بإنقاذ الوطن من مآسيه.

نحن أمام مشهد سياسى مصنوع بعناية تتحرك فيه بعض الدُمى طبقا لأدوار مرسومة لتصنع الصخب والإثارة المطلوبة لتشتيت الانتباه، لكن مخرج العرض المبهر يصر على تجاهل شدة مرارة الواقع المؤلم الذى لن تداويه الفرقعات ولا المزايدات، ماذا نحن فاعلون أمام انهيار قيمة الجنيه المصرى وارتفاع سعر الدولار؟ ماذا نحن فاعلون مع تناقص عوائد قناة السويس وتفضيل السفن لطريق رأس الرجاء الصالح بعد انخفاض سعر النفط طبقا للتقارير العالمية؟ ماذا نحن فاعلون أمام انهيار قطاع السياحة وإغلاق عشرات الفنادق أبوابها لعدم تمكنها من تدبير نفقات التشغيل؟ ماذا نحن فاعلون أمام ارتفاع الأسعار الجنونى وبكاء الناس فى مصر من شدة الفقر والعجز عن التكيف مع غلاء المعيشة؟ ماذا نحن فاعلون أمام مشهد ذبح رجل وإعدام ابنه رميا بالرصاص وسط النهار فى ميدان عام فى محافظة العريش فى ظل غياب سيطرة الدولة؟ ماذا نحن فاعلون مع هروب المستثمرين ومع ما يكتبه الإعلام العالمى عن مصر عقب قضية قتل الطالب الإيطالى؟ الحل معروف بالطبع لدى هؤلاء: ارمِ أحدهم بالحذاء أو ارمِ ميكروفون قناة إعلامية لا تحبها، لا عزاء للمصريين إذا كنا سنستمر فى هذا العبث.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات