تبشير بفكر ابن تيمية في اليابان - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تبشير بفكر ابن تيمية في اليابان

نشر فى : الخميس 3 مارس 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2016 - 11:20 م
إلى اليابان سافرت الشهر الماضى مشاركا فى أعمال مؤتمر عقد فى جامعة دوشيشا بمدينة كيوتو. تناول المؤتمر ندوات مفتوحة ومغلقة تحت عنوان واسع «الإنسانية فى أزمة.. الحروب الأهلية، اللاجئون والإرهاب». وكانت المشاركة رفيعة المستوى ما بين أكاديميين وسياسيين ودبلوماسيين وصحفيين، إلا أن وجود شخص واحد، مميز فى كل شىء، جعل النقاشات والحوارات مختلفة فى طبيعتها ومنطلقاتها ونتائجها. إنه البروفيسور حسن كو ناكاتا Hassan Ko Nakata الذى لم أعرفه من قبل، ولم أسمع عنه، وقد يكون هذا تقصيرا من جانبى، إلا أن البعد عن الاهتمام بالشأن الآسيوى قد يبرر عدم المعرفة السابقة به على الرغم من أنه حاصل على الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة القاهرة، وهى نفس الجامعة التى تخرجت منها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

ولد ناكاتا فى ولاية أوكاياما عام 1960، ودرس فى عدة جامعات يابانية ومنها جامعة طوكيو الشهيرة، واهتم منذ أيام شبابه الأولى بدراسات الأديان المقارنة. وخلال دراسته الجامعية تعمق فى دراسة المسيحية التى أحبها ومال إليها، ودرس اليهودية وكتابها المقدس التوراة، وكان نشطا فى مجموعات قراءة الإنجيل والتوراة. وبعد وقوع ونجاح الثورة الإسلامية فى إيران، قرر ناكاتا التوسع فى دراسة الدين الإسلامى ليكمل عقد الديانات الإبراهيمية الثلاث، ثم أعلن إسلامه عام 1983، وأتقن اللغة العربية واتخذ من «حسن» اسما له. ويقول فى هذا الشأن: «عندما درست الإسلام وعرفت أنه آخر الديانات السماوية وأتمها من جميع النواحى، ورأيت أنه هو الدين الحق أعلنت إسلامى. لقد جاء إسلامى عن طريق قراءة الكتب أكثر من التأثر الشخصى بآخرين، وتكونت لدى حلقة غير مكتملة فى البداية ولكنها اكتملت بعد اطلاعى على الإسلام». حصل على درجة الماجستير من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طوكيو 1986، ثم قدم لجامعة القاهرة وحصل على الدكتوراه من قسم الفلسفة بكلية الآداب 1992، وكان موضوع رسالة الدكتوراه «الفلسفة السياسية عند المفكر الإسلامى ابن تيمية». ثم عمل ناكاتا لسنتين كدبلوماسى فى السفارة اليابانية فى المملكة العربية السعودية، بعد ذلك تفرغ للعمل الأكاديمى، وهو الآن أستاذ زائر غير متفرغ بكلية دراسة الأديان فى جامعة دوشيشا اليابانية. وشغل كذلك من قبل منصب رئيس جمعية مسلمى اليابان، وقام؛ بمساعدة زوجته البروفيسورة اليابانية (أسلمت وتعلمت العربية وتوفيت منذ عدة سنوات)، بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية.

***

ويذكر البروفيسور ناكاتا أن هدف دراسته يتمثل فى تعريف اليابانيين بالتوحيد بسهولة وبدون تعقيدات وجذبهم للإسلام. وللبروفيسور ناكاتا مساهمات علمية متنوعة منها ترجمته كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية، وكتاب السيرة النبوية لمصطفى السباعى، ثم أشرف على ترجمة تفسير الجلالين وتقديمها، وترجم زاد المستقنع فى اختصار المقنع وتعليقه. واعتمدت رسالته للماجستير والتى كانت حول «فلسفة العمل عند ابن تيمية»، على كتابى ابن تيمية «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية» و«المحبة فى الإسلام»، ويرى ناكاتا أن هذين الكتابين يتفوقان على أى كتاب إسلامى آخر تناول نفس الموضوعات. وعندما سُئل عما يراه البعض من تطرف ابن تيمية، رد ناكاتا قائلا: «ابن تيمية مفكر عميق وموسوعى وله تأثير كبير سواء فى العلماء أو الشباب العادى، لكن حتى العلماء المعاصرون له لم يستوعبوا كلامه جيدا، ومنهم من غار منه لمكانته العلمية الفذة، فالرجل كان عميقا جدا لدرجة أن تلاميذه لم يستطيعوا أن يفهموه حق الفهم، ولذلك فلا يفهم كلام ابن تيمية حق الفهم إلا العلماء، أما غير المتخصصين فإنهم يسيئون فهم الرجل الذى هو برىء من هذا الكلام، ومن يصنف فكر ابن تيمية بالتطرف فإنه لم يفهم شيئا منه وليست له علاقة بالفقه الإسلامى والثقافة الإسلامية العميقة، فابن تيمية رائد وأستاذ ومجتهد ومجدد... فكيف أتهمه بالتطرف؟ وهم فى الجامعات الغربية يدرسون فكر ابن تيمية لأنهم يعتبرونه مفكرا عبقريا وموسوعيا.

ذاع صيت ناكاتا أثناء وعقب حجز تنظيم الدولة داعش رهينتين يابانيتين وإعدامهما فى بدايات العام الماضى، بعد محاولته التوسط بين الحكومة اليابانية والتنظيم لتأمين الإفراج عن الرهينتين، وساعده فى ذلك معرفته بأعضاء من تنظيم الدولة. وكان قد سبق للبروفيسور ناكاتا زيارة الأراضى التى يسيطر عليها تنظيم داعش ثلاث مرات لأغراض بحثية بحتة حسب روايته. إلا أن ذلك كان مدعاة للشرطة اليابانية للاشتباه بأنه يجند مقاتلين يابانيين لصالح الدولة الإسلامية، إلا أنه لم يقبض عليه ولا ليوم واحد. وينكر البروفيسور ناكاتا كونه داعشيا، وأعلن مرارا أنه ضد أفكار كل من داعش والقاعدة بل وأيضا ضد أفكار جماعة الإخوان المسلمين. وينشط البروفيسور ناكاتا فكريا فى جهود تعود لأكثر من عشرين عاما مناديا «بوجوب إعادة الخلافة الإسلامية وإسقاط الدولة القومية المعاصرة»، ويرى أن الحدود بين الدول هى ظاهرة غير إسلامية، إلا أنه يطالب بعدم استخدام العنف لإزالة الحدود أو لإقامة دولة الخلافة. ولناكاتا محاضرة مشهورة فى جامعة دوشيشا ألقاها فى مارس 2011 وفند فيها ظاهرة العولمة، ونادى بظهور «الخلافة الجديدة» بأدوات سلمية. ويرى ناكاتا أن الخلافة فكرة صائبة على الرغم من اقتناعه بصعوبة تحقيقها، وهو يرى أن العمل فى سبيلها يعد التزاما دينيا واجبا على كل المسلمين. ويعتقد كذلك أن نظام الخلافة الإسلامية هو النظام المثالى لحكم كل المجتمعات البشرية، ويراها نظاما يوفر العدل للجميع ويراها تسمو فوق العولمة التى يدعو إليها ويناصرها أمريكا والغرب. ويعتقد البروفيسور ناكاتا أن نظام الخلافة تم تشويهه من الغرب بوصفه نظاما سلطويا استبداديا على غرار النظام السوفيتى المركزى. وعلى العكس من تلك الادعاءات يعتقد ناكاتا أن نظام الخلافة التى يحكمها الشريعة يقترب بشدة فى فلسفتها من النظام القضائى البريطانى. ويؤمن كذلك أن نظام حكم الشريعة هو نظام علمانى خالص حيث لا تتدخل دولة الخلافة فى علاقة المواطنين بربهم!

***

ولا يؤمن البروفيسور ناكاتا بنظريات المؤامرة، ويعتقد أن التشوية الداخلى للإسلام من داخل بلاد العرب والمسلمين أكبر من الاعتداءات الغربية والخارجية عليه.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات