دستور.. لأى دولة؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دستور.. لأى دولة؟

نشر فى : الأربعاء 4 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 أبريل 2012 - 8:00 ص

لا أعنى بالتساؤل عن ماهية الدولة مشاركة القطيع الذى حصره التيار الإسلامى فى المقابلة بين ما هو إسلامى وما هو غير ذلك.. فتلك كانت الكارثة التى صرفت المجتمع الثائر بعيدا عن استثمار ثورة أطلقها جهاد شبابه وروتها دماء شهدائه فى إجراء حوار بنّاء حول التحولات الواجب إحداثها فى مقومات المجتمع حتى لا يقع مرة أخرى فى قبضة حفنة شريرة تغتصب ثرواته وتستعبد أبناءه وتحط من شأنه على الصعيدين الإقليمى والدولى. وإذا كان ذلك التيار يُسأل عن سوء القصد وهو القفز إلى كراسى الحكم، فإن المساءلة أوجب لأولئك الذين اختاروا تيارات مغايرة، لانشغالهم بالدفاع عن وجاهة توجهاتهم وبالدخول فى مهاترات رقمية بدلا من إعادة الحوار الوطنى إلى الجوهر الكيفى الذى يكفل قطيعة مع ماضٍ سقيم وبناء مستقبل عظيم.

 

●●●

 

ارتبطت ماهية الدولة عبر التاريخ بالصيغ التى ارتضتها المجتمعات الإنسانية لتشكيل تجمعات يتوافق أفراد كل منها حول المنظومة الثقافية التى تشكل القواعد التى ينظمون شئونهم الحياتية على أساسها فى ظل البيئة الطبيعية التى يعيشون فيها والروابط الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التى توثقت فيما بينهم عبر الزمن. وحينما كانت العوامل الطبيعية هى المتحكمة فى الحياة الإنسانية تشكلت الشعوب والقبائل فى مواقع توافرت فيها المياه التى جعل الله منها كل شىء حى، والتربة الخصبة والغنية بمعادنها. وازدهرت الحضارة فى الوديان التى ينتظم فيها جريان المياه، فكانت حضارة وادى النيل والرافدين والنهر الأصفر. وأدى اختلاف المناخ وكنوز الأرض إلى تباين المنتجات، فكانت التجارة هى الرابطة الأساسية بين الشعوب والقبائل فتعارف أقوامها وتبادلوا المعرفة، وأتيح لهم اختيار المكونات الأفضل من الثقافات المتمايزة. وهكذا انتشر الإسلام ليس بالدعوة المباشرة، وإنما بممارسة منهج يحقق الأمن والسلام ومكارم الأخلاق. أما التجمعات التى لم تقنع بما تملك، فقد شنت الغارات والحروب على الجيران. وهكذا كانت المهمة الأساسية لما يمكن تسميته مجازا بالدولة هى حفظ الأمن ونشر العدل فى الداخل وصد العدوان من الخارج، أو ارتكابه سعيا إلى تكوين إمبراطوريات تستولى على المزيد من الموارد الطبيعية ليغتنى أبناؤها على حساب الشعوب الأخرى. بالمقابل فإن ما يسمى بالدولة الإسلامية، تحولت من مهام نشر الدين الحنيف انطلاقا من موقع نزوله إلى توسيع ممتلكات التجمع الحاكم المتستر فى رداء الخلافة، فإذا به ينتقل بين المشرق والمغرب العربيين ليستقر فى يد العثمانيين الذين استعانوا بالسلاح تحت دعوى محاربة الكفار. ومع ذلك بقيت الولايات التابعة محافظة على كياناتها المتباينة، مقابل تزويدها المركز بالإتاوات مقابل حمايتهم لها.

 

وعندما دخلت البشرية الموجة الكبرى الثانية من موجات التطور بظهور البخار ليحل محل جهد الكائنات الحية، بشرا كانت أم حيوانات مستأنسة، فى أداء مهام الحياة المدنية والعسكرية، ويفتح الباب أمام أعمال تقوم بها آلات فتتجاوز بخصائصها قدرات البشر سواء من حيث القوة أو السرعة أو درجات الحرارة، أصبح فى الإمكان تجميع البشر فى مدن لا تتقيد بمواقع الموارد الطبيعية التى أصبح من السهل استخراج المزيد منها ونقله وتجهيزه وتحويله إلى منتجات قادرة على تلبية حاجات لم تكن معروفة من قبل، حدثت تغيرات ضخمة فى شبكة العلاقات الإنسانية، ومن ثم فى توارى الشعوب والقبائل وظهور الدولة الأمة، سواء كبديل لدول قائمة، أو باندماج عدد منها لتزيد قدرتها على المشاركة فى التعدد الهائل الذى أصاب العمليات الإنتاجية، وفى المراحل التى تمر بها السلع حتى تصل إلى الصورة الصالحة لاستهلاك البشر لها، والتى تتيح لها إنتاج آلات جديدة لتزيد من طاقات الإنتاج وتضيف إلى نوعياته. وكان من الضرورى أن تتطور مهام النظام الحاكم فى الدولة سواء من أجل ضمان تماسك مكوناتها البشرية التى تراجعت روابطها القبلية، وتزايدت نقاط التعامل بين أفرادها. فزادت فرص الاحتكاك ومصادر التوتر وحالات الإيذاء، بما أكسب حفظ الأمن أهمية قصوى، وإشاعة العدل بما يعنيه من مقاصة بين الواجبات والحقوق، وما يقتضيه ذلك من توجيه موارد مالية للدولة للإنفاق على واجباتها. كما أضيفت لها مهام تتعلق بسلامة الأنشطة الاقتصادية سواء بالنسبة لتدبير احتياجاتها من المواد الأولية من الخارج (وهو ما أطلق الغزوات الاستعمارية التى راح ضحيتها نصف الكرة الأرضية الجنوبى) أو تنظيم توزيع القوى بين وحدات الإنتاج وما يعنيه ذلك من انتظام الأسواق وتفادى الاحتكار، وحماية الدولة من أطماع الآخرين وتنظيم العلاقات الخارجية لتعزيز إمكانيات التبادل وفتح الأسواق وسلامة حركة الأموال.

 

وتتجاوز مشكلة ذلك المجتمع كثافة التشابكات بين وحداته، لتفرض رعاية مقومات نموه المتواصل، بالنهوض بالعلم والتعليم والتدريب وتأمين حرية الفكر والتعبير وروح المبادرة وعدالة التوزيع، وما يتطلبه ذلك من سلامة البدن والعقل. وقد أدى التطور العالمى إلى تنامى وحدات الإنتاج وقدرتها على عبور القوميات، وتجاوز النقود مهمتها كأداة للمبادلة بالسلع والخدمات لتصبح سلعة بذاتها، وخروجها عن سلطان الدولة التى كانت تحتكر سكها. غير أن الأخطر اقتران هذا بدخول العالم موجة ثالثة، تنقل مصدر القوة من امتلاك الموارد الطبيعية ورأس المال إلى امتلاك المعرفة، ليس فقط المعلوم منها، بل ما يضيفه الإنسان إلى علمه (فالله سبحانه وتعالى علّم الإنسان ما لم يعلم). وساهم فى ذلك تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتجاوزها حدود الأوطان، فأتاحت للفرد توسيع تواصله عن نطاق أسرته وموطنه ووطنه. إلى جانب التغيرات الجذرية فى علاقات الأجيال بتقدم الجيل الأصغر مع تزايد شيخوخة الأكبر، وفى أشكال وحدات الإنتاج ومغزى الأسواق لمنتجات معرفية لم تتحدد معالمها بعد. لم تعد الدولة وطنية بل أصبحت مسئولة عن حقوق وواجبات الأفراد والمؤسسات الوطنية على المستوى العالمى، وعن الإسهام فى الحضارة المقبلة..

 

●●●

 

هل تستطيع المائة «التدسيسية» وضع دستور لها؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات