نحو علاقات غير استراتيجية مع أمريكا - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو علاقات غير استراتيجية مع أمريكا

نشر فى : الجمعة 3 أبريل 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 أبريل 2015 - 9:15 ص

جاء إبلاغ الرئيس الأمريكى باراك أوباما لنظيره المصرى عبدالفتاح السيسى برفع قرار تجميد تسليم مصر مساعدات عسكرية، كان قد تم حجزها عقب فض اعتصامات ميدانى رابعة العدوية والنهضة فى أغسطس 2013، ليدشن لمرحلة جديدة تختلف جذريا عما شهدته العلاقات بين الدولتين منذ التأسيس الحديث لها عقب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. ويظهر أن نبوءة الرئيس أوباما والتى قالها خلال حواره مع شبكة سى إن إن يوم 23 أغسطس 2013 من «أن العلاقات لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث» تتحقق بالفعل.

•••

كانت الإدارة الأمريكية قد سلمت مصر فى ديسمبر الماضى عشر طائرات مروحية من طراز أباتشى، وأعلن يوم الثلاثاء الماضى عن إنهاء تجميد شحن 12 طائرة مقاتلة إفــ16 و20 من صواريخ هاربوون وقطع غيار 125 دبابة من طراز M1A1، وفق ما أعلن عنه البيت الابيض.

إلا أن أوباما أيضا ذكر للسيسى عزمه وقف السماح لمصر بشراء الأسلحة بالائتمان اعتبارا من العام المالى 2018. وذكر أوباما أنه قرر «تحديث العلاقات العسكرية» بأن يوقف اعتبارا من السنة المالية 2018 استخدام آلية للتمويل النقدى للمعدات العسكرية تسمح لمصر بشراء المعدات بالائتمان، اعتمادا على التدفق المتوقع للمساعدات.

وتنال فكرة إعادة هيكلة العلاقات العسكرية مع القاهرة استحسانا من كبار قادة الكونجرس من الحزبين الجمهورى والديمقراطى. وعلى العكس مما يعتقده بعض المسئولين المصريين من أنه يمكن بعد انتهاء حكم أوباما تغيير هذه السياسة حال وصول رئيس جمهورى للبيت الأبيض، تنال فكرة إنهاء آلية التمويل النقدى للمساعدات العسكرية دعما كبيرا من الحزب الجمهورى المعارض لسياسيات أوباما، ولطالما طالبو بها فى السابق. ويبدو أن تصور الرئيس أوباما لمستقبل العلاقات العسكرية، غير الواضح تماما لتوقف آلية التمويل بدء من العام المالى 2018، يبشر بانتهاء الأساس المهم الذى قامت عليه استراتيجية العلاقات.

•••

قامت العلاقات الاستراتيجية مرتكزة على معادلة «مساعدات مقابل تعاون» حيث تلعب القاهرة دورا محددا فى محيطها الإقليمى مقابل تلقى مساعدات عسكرية واقتصادية زادت على 75 مليار دولار حتى اليوم. وتمنح العلاقات العسكرية واشنطن مزايا لوجستية مهمة، منها استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس. ومن هنا تؤمن القاهرة أن واشنطن لا تملك ترف خسارة مصر فى ظل أجواء الشرق الأوسط الملتهبة. إلا أن تجربة الأشهر الأخيرة أكدت وجود مساحة كبيرة من الاختلافات فى عدد غير قليل من الملفات الهامة. ومع الرفض الأمريكى الرسمى لسجل النظام المصرى فيما يتعلق بقضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان، ترى واشنطن جماعة الإخوان المسلمين كلاعب سياسى مصرى شرعى وليس جماعة إرهابية. وتعتقد كذلك أن ممارسة الجماعة لدورها السياسى هى جزء من الحل للأزمة السياسية فى مصر وإعادة الاستقرار إليها وليس العكس. كما تمثل الاختلافات الواسعة فى كيفية التعامل مع الأزمة الليبية أو الصراع فى سوريا عناصر توتر مستمر بين الدولتين.

•••

فى الوقت نفسه تعتقد واشنطن أن حصول الجيوش على أسلحة أمريكية يضمن لها قدرا مناسبا من التأثير المباشر وغير المباشر فى شؤون تلك الدول. ولعقود طويلة، ظل هدف تسليح جيش مصر أحد أهم الأهداف التكتيكية الأمريكية، ولم يمانع مطلقا كل حكام مصر. ورغم أن البرقيات الدبلوماسية التى نشرها موقع ويكيليكس أظهرت خلافات فى وجهات النظر بين واشنطن والقاهرة بشأن تطوير مهمة الجيش المصرى مع إصرار القيادة المصرية على إعداده فى المقام الأول لمواجهة عسكرية تقليدية تحسبا لنزاع محتمل مع إسرائيل فى المستقبل، رغبت واشنطن فى تطوير الجيش المصرى لتوسيع نطاق مهمته وزيادة تركيزه على التهديدات الجديدة مثل القرصنة وأمن الحدود ومكافحة الارهاب.

ويرى الخبير الأمريكى أنتونى كوردسمان، من مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية، فى تعليق له «أن الطائرات الأمريكية لن يتم استخدامها لا ضد الولايات المتحدة، ولا ضد حلفائها، كما أن هذه الطائرات شديدة التعقيد ولا يمكن أن يتم استخدامها دون الصيانة الأمريكية». ويضيف «لا يمكن لأى دولة أن توفر ذخيرة وقطع غيار هذه الطائرات، إضافة لأجهزتها الالكترونية، إلا بوجود علاقات شراكة مع المصنع الأمريكى». وهكذا فالأسلحة الأمريكية لمصر لا يمكن استعمالها إلا فى المواجهات العسكرية التى تدعمها أمريكا.

•••

خلال العقود السبعة الماضية لم يعرف الجيش المصرى سوى إسرائيل عدوا، ولم ينفصل إيمان الجيش حول العدو عن إيمان جموع الشعب المصرى. واقتنع الجيش بضرورة الاستعداد المستمر لوقوع حرب مستقبلية تقليدية تستخدم فيها الطائرات والصواريخ والدبابات وقطع المدفعية. إلا أنه اليوم ومع التغيرات الدراماتيكية فى خريطة الشرق الأوسط، لا يتحدث الكثيرون عن «إسرائيل العدو»، وهو ما يشير لنجاح ما فشلت فيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة من سعى لتغيير عقيدة الجيش المصرى. فالتغيير يحدث فعليا الآن ولأسباب تتعلق بالتطورات الداخلية المصرية والاقليمية وبعيدا عن الضغوط الأمريكية. ولهذا السبب تريد واشنطن أن تقتصر أهداف «التسليح الأمريكى» لجيش مصر على دعم قدرته فى أربعة مجالات أساسية، هى مكافحة الارهاب وحماية الحدود والأمن البحرى وأمن سيناء، كما ذكر البيت الأبيض.

كل ما سبق يتطلب طرح تساؤلات حول ضرورة البحث عن طريقة جديدة غير تقليدية لإدارة القاهرة لعلاقات جديدة «غير استراتيجية» ومتشابكة مع واشنطن. كما تطرح تساؤلات حول د فعل الجيش المصرى على القرار الأمريكى بتغيير نمط التسليح وطريقة تمويل المشتريات العسكرية. وقبل ذلك يجب أن نبدأ بإعادة تعريف مصطلح «الأمن القومى المصرى» بعدما دخلنا فى مواجهات إقليمية بعيدا عن الحدود المصرية، كما هو الحال فى الحالة اليمنية ومن قبلها الحالة الليبية. وأخيرا كيف يمكن تبنى علاقات عادية مع واشنطن بعد فشل الطرفين فى التئام الجراح التى شهدتها «العلاقات الاستراتيجية» منذ الثالث من يوليو 2013.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات