•• عندما حذر ميشيل بلاتينى من تنامى العنف والتطرف فى ملاعب كرة القدم كان يتحدث عن أوروبا، التى تعانى ملاعبها بالفعل من عنصرية بغيضة، وعداءات سياسية.. إلا أن العنف الذى اندلع فى ملعب سطيف بالجزائر خلال وبعد مباراة وفاق سطيف والرجاء البيضاوى يؤكد أن الظاهرة باتت عالمية وليست أوروبية فقط، وأجزم بأنها كانت عربية أصلا قبل أن تكون عالمية. فنحن نعرف عن لقاءات الأشقاء أنها تبدأ بتبادل الورود والقبلات وتنتهى بالاشتباكات بالأيدى وبتبادل الصفعات.. وهذا ما حدث بين فريقى وفاق سطيف وجماهير الناديين بعد تأهل سطيف على حساب الرجاء بركلات الجزاء الترجيحية ( 4/1 ) لتعادل الفريقين ذهابا وعودة 2/2..
•• هل هذا تجسيد لواقع جديد يغادرنا فيه قطار الاعتدال فى كل شىء، فقديما كان عنف الأشقاء ينتهى بسرعة ويعمل الجميع على إخماده لاسيما القيادات، لكن المفاجأة فى معركة سطيف أن العنف امتد إلى رئيسى الناديين، فرئيس وفاق سطيف حسان حمّار قام بركل محمد بودريقة رئيس الرجاء واعتدى عليه بالضرب والبصق فى تطور مؤسف ومخجل لمشادة بينهما وصلت إلى حد التشابك بالأيدى والاعتداء بالضرب حسب ما ذكرت مصادر مغربية.. وأتساءل عن موقف الاتحاد الإفريقى من تلك المهزلة الأخلاقية؟ هل يمكن أن يعاقب رئيس ناد لأنه ضرب رئيس ناد آخر؟ هل ستكون هناك عقوبات على الملعب أو على الجماهير التى بدأت العنف؟ ولماذا بدأ العنف أصلا وما أسبابه الحقيقية؟
•• نحن أمام عالم يخلط بين الانتماء وبين التعصب. وهو خلط مريض، فالانتماء بناء. والتعصب كراهية وبغضاء. .وكأن دورة الزمن تعود.. إن ما يجرى فى ملاعب كرة القدم من ظواهر عنف ورفض يذكرنا بموجات ظهرت فى الستينيات عبر فيها شباب الزمن عن رفضه فى صور موسيقى صاخبة وملابس زاعقة، ومهرجانات فنية جمعت بين الإبداع والانحلال، وبين التطرف والخيال، وخلال تلك الحقبة ولدت فيها ونمت ظاهرة الأولتراس، وهى الظاهرة التى يعانى منها شرق أوروبا، وملاعب الكرة الإيطالية فى الأسابيع الأخيرة، وأول من يعانون هو بيرلسكونى رئيس ميلان بسبب احتجاجات رابطة الأولتراس وبياناتها، وفى أحد تلك البيانات يتساءلون: «كم من المرات ضحينا من أجل الفريق؟ كم مرة حرمت نفسك من المال لشراء قميص جديد.. لتذهب للملعب أو لتُجدد اشتراكك السنوى؟»
•• قطار الاعتدال الذى يغادرنا أصاب كل شىء فعلا. ومن أهم الأشياء الرياضة، فالعنف زاد، والمال زاد، والجنون طال قيم الرياضة بسبب العنف والمال.. فكيف يحصل ملاكم على 150 مليون دولار نظير مباراة واحدة؟ كيف يصل دخل مباراة ملاكمة إلى 400 مليون دولار، وهى بين الملاكمين فلويد مايويذر جونيور ومانى باكياو فى وزن المتوسط حسب تصنيفى الجمعية العالمية والمجلس العالمى..؟ والاثنان لا يرتقيان فى الفن النبيل إلى مستوى محمد على كلاى الذى حببنا فى الملاكمة!
•• أيها الاعتدال لماذا تغادرنا؟!