عن جمهورية الخوف والاستقواء على المواطن - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن جمهورية الخوف والاستقواء على المواطن

نشر فى : الثلاثاء 3 مايو 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 مايو 2016 - 9:50 م
حين تطلق جمهوريات الخوف اليد القمعية للأجهزة الأمنية وتمكنها من انتهاك حقوق الناس والعصف بالضمانات الدستورية والقانونية لحرياتهم، فإنها لا تفعل ذلك فقط طلبا لبقاء الحكام المستبدين على مقاعد السلطة دون منازعة أو لإسكات المعارضين والمحتجين وعزلهم عن القواعد الشعبية التى قد تتعاطف معهم وتدعم مطالبهم.

تطلق جمهوريات الخوف اليد القمعية للأجهزة الأمنية لكى تقضى على ثقة المواطن الفرد فى قدرته على الجهر برفض الاستبداد والبحث عن بدائل للحكام المستبدين، ولكى تجبره من خلال «نماذج واقعية» لمواطنات تتعرضن للتهديد والتعقب والاضطهاد ولمواطنين تنتهك حقوقهم وتسلب حرياتهم على العزوف التام عن الاهتمام المستقل بشئون المجتمع والدولة.

وعندها، تحقق جمهوريات الخوف هدفا رئيسيا من أهدافها، تهجير المواطن من الفضاء العام وتأميم الأخير لمصلحة أذرعها الإعلامية التى تزيف وعى الناس ولمصلحة «جموع المؤيدين» التى تستدعى كلما اقتضت الظروف إنتاج بعض مشاهد «حب الجماهير» للحكام ووقوف «المواطنين الشرفاء» صفا واحدا من وراء «قياداتهم الحكيمة والمخلصة» وكراهية «الخونة والعملاء» الذين يعوقون «المسيرة» ويخربون البلاد.

فى الجوهر، إذا، تطلق جمهوريات الخوف اليد القمعية للأجهزة الأمنية لإخضاع عقل المواطن، وإلغاء فعله المستقل، واستبدال فرديته التى تغضب المستبدين «بغوغائية الجموع» التى يزيف وعيها ويسهل دوما توجيهها وحشدها وحملها على استباحة إنسانية المختلفين معها.

وليس ما يتراكم اليوم فى بر مصر من مظالم وانتهاكات سوى تنويعات على الحقيقة الكبرى التى تمثلها جمهورية خوف ما بعد ٣ يوليه ٢٠١٣، وتعبر عنها بقسوة وعبثية ممارسات الأجهزة الأمنية التى لم تعد لسطوة يدها القمعية ما يكبحها أو يحول بينها وبين الاستقواء على المواطن وإخضاعه، بل وإذلاله وامتهان كرامته إذا لزم الأمر.

وليس ما يتكرر أخيرا من سلب حرية مصريات ومصريين «جريمتهم» محاولة التظاهر السلمى، ومن تهديد وتعقب واضطهاد بعض الطلاب والشباب لأسباب تتعلق برفضهم للطبيعة السلطوية للحكم أو للسياسات الرسمية، ومن التضييق المستمر على منظمات المجتمع المدنى المستقلة وعلى القليل من وسائل الإعلام غير المستتبعة حكوميا، ومن اقتحام أمنى فج لنقابة الصحفيين سوى اليوميات الواقعية لجمهورية الخوف التى انزلقنا إلى هاويتها وزجت بنا إلى ظلماتها قمع الأجهزة الأمنية.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات