دليل الرئيس الجديد إلى الاقتصاد التنموى - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دليل الرئيس الجديد إلى الاقتصاد التنموى

نشر فى : الثلاثاء 3 يونيو 2014 - 10:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 يونيو 2014 - 10:45 ص

إذْ تتهيأ مصر لاستقبال مرحلة تاريخية فاصلة، مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وبدء ولاية الرئيس الجديد فى مناخ مفعم بالأمل مشوبا بقدر غير يسير من القلق العام ومن الحذر الواجب، فإن بلادنا تواجه معضلات جمة فى مقدمتها ما يتصل بالملف الاقتصادى. وفى المقال الحالى نحاول مقاربة هذا الملف باقتراح نوع من «الدليل» لمواجهة قضية التنمية، آملين فتح أبواب النقاش العلمى على مصاريعها، لتقديم رؤى أكثر شمولا وعمقا.

وأول ما نود طرحه فى هذا المجال يتعلق بالهدف. فما هو الهدف المقترح للمرحلة القادمة من تطور الاقتصاد المصرى؟

يتمثل الهدف الأساسى خلال المرحلة القادمة، ولتكن عشر سنوات، فى تحقيق نقلة تنموية بالمعايير العالمية، من خلال رفع النصيب النسبى للصناعة التحويلية والخدمات العلمية – التكنولوجية فى الناتج المحلى الاجمالى إلى مستويات قابلة للمقارنة مع البلدان المصنعة حديثاً فى شرق آسيا وأمريكا اللاتينية إبّان انطلاقتها التنموية (نحو 25% للصناعة التحويلية ومثلها تقريبا للخدمات المتطورة)، وكذا تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومتسارعة على غرار معدلات النمو التاريخية المحققة فى البلدان الآسيوية الناهضة (%7-10%)، بما يكفل مضاعفة الدخل القومى خلال فترة زمنية معقولة وتوزيع ثمارها بعدالة لرفع مستويات المعيشة للغالبية الاجتماعية المنتجة.

أما عن آلية العمل اللازمة لتحقيق الهدف فإنها تكمن فى نقطة مفتاحية رئيسية هى الدور القيادى – التوجيهى للدولة، من خلال وضع استراتيجية بعيدة المدى (على مدى 25 سنة مثلاً) يتلوها وضع خطة تنموية وطنية شاملة للآجال الطويلة والمتوسطة القصيرة، يتم من خلالها توزيع الأدوار بين القطاعين الخاص والعام.

•••

فيما يتعلق بالقطاع الخاص فإنه يلزم اتباع سياسة مزدوجة: الشق الأول منها، بناء منظومة كاملة من الحوافز الإيجابية والسلبية، عن طريق وضع وتنفيذ حزمة من الإجراءات المتناسقة موجهة لحمل القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير على المشاركة الفعالة فى تحقيق الأهداف المقررة من خلال التوافق الوطنى بين رئيس الجمهورية والجهاز التنفيذى وممثلى الشعب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية الفاعلة. أما الشق الثانى فينصرف إلى تطبيق المنهجية المعروفة بـ «التخطيط التأشيرى»، مع مكافأة المنشآت الخاصة التى تلتزم بتوجهات الخطة، مقابل حرمان المنشآت غير الملتزمة بتوجهات الخطة من المكافأة بل وإنفاذ الجزاء.

ونشير هنا إلى أن منظومة الحوافز الإيجابية والسلبية، وعنصر المكافأة والجزاء، تشمل الائتمان الممنوح بالعملة المحلية والعملات الأجنبية، ومستويات أسعار الفائدة المصرفية للودائع والإقراض، وسعر الصرف المطبق لدى تقديم الائتمان بالعملات الأجنبية أو مخصصات الاستيراد عند فتح الاعتمادات المستندية، بالإضافة إلى معدلات الضريبة، وتفاوتها حسب نوعية النشاط، أو الإعفاء منها، وكذا تفاوت معدلات الدعم لمستلزمات الإنتاج السلعية والخدمية والطاقة.

•••

ويجب تطبيق حزمة السياسات النقدية والمالية السابقة بطريقة تفاضلية وفق أولويات الخطة. ومقتضى ذلك مثلا أن شركات القطاع الخاص التى تتقدم للمشاركة فى تنفيذ مشروعات الخطة، وتلتزم بما تعاقدت عليه، يمكن أن تحصل على جميع المزايا المعروضة: من ائتمان كافٍ بالعملات الصعبة، وأسعار فائدة منخفضة وأسعار صرف تفضيلية وضرائب أقل (وإعفاءات ضريبة)، ودعم نسبى لأسعار مستلزمات الإنتاج والطاقة... إلخ. والعكس تماماً يمكن أن يحدث فى حالة الشركات الخاصة التى لا تتقدم للمشاركة فى تنفيذ الخطة التنموية، أو لا تلتزم بما تعهدت به.

•••

وأما عن القطاع العام فيجب أن يسند إليه تنفيذ المشروعات ذات الطابع الاستراتيجى والتى لا يرغب القطاع الخاص، أو لا يقوى، على تنفيذها، سواء لأسباب اقتصادية (وخاصة ارتفاع مستويات النفقة الكلية، وانخفاض معدلات الربحية المالية والتجارية المقارنة المتوقعة)، أو لأسباب اجتماعية متعلقة بالتوسع المنتظم فى التشغيل وتشغيل الفئات الشابة، أو بدعم المنتجات النهائية الموجهة للاستخدام الإنتاجى والاستهلاكى.

التغلب على عقبة التمويل

يواجه الاقتصاد المصرى عقبة التمويل على مستويين: المستوى الأول قصير الأجل، ويتعلق بنقص السيولة، وخاصة لسد فجوة العجز فى الموازنة العامة للدولة، والعجز فى الميزان التجارى.

وفيما يتعلق بسدّ العجز فى الميزان التجارى فإنه يمكن تحقيقه تدريجيا من خلال زيادة الصادرات السلعية والخدمية، خاصة صادرات السلع المصنعة. وإن يكن رفع مستوى الصادرات بالمستويات المرغوبة فى المدى المتوسط أمراً تحفّهُ الصعاب، فإنه يلزم إعطاء أولوية لخفض الواردات من السلع والخدمات ذات البديل المحلى، فيما يسمى بسياسة «إحلال الواردات»، كما هو الحال مثلا فى الكيماويات والأدوية وصناعة السيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، جنبا إلى جنب «التعميق الصناعى»، من خلال مشروع وطنى لتصنيع الآلات والمعدات الإنتاجية، لتوفير المكونات المحلية، والتخلى تدريجيا عن «أنشطة التجميع» الخالصة.

أما عن المستوى الثانى المتعلق باحتياجات التمويل طويل الأجل، فإنه يمكن اتباع خط تمويلى متعدد المسارات، بحيث يشمل كلا من: أ - التمويل الأجنبى طويل الأجل بشروط ميسرة. ب- توجيه مدخرات القطاع الخاص والجهاز المصرفى للعملية التنموية المخططة. ج- دعم التحول من «القطاع غير الرسمى» إلى «القطاع الرسمى»، من أجل إدماجه بصورة أفضل فى الاقتصاد القومى.

العلاقات الاقتصادية الخارجية

تواجهنا فى هذا الصدد عدة اعتبارات مهمة، نسوقها على النحو الآتى:

1- برغم الضيق النسبى لقاعدة العلاقات التجارية المصرية ــ الأمريكية داخل الهيكل الجغرافى للتجارة الخارجية المصرية، فإنه لا غنىً – على الإطلاق – عن التعاون الاقتصادى مع الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة القادمة. ولسوف يظل الدور الأمريكى يعيش معنا لفترة زمنية قادمة، وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا الغربية، فى إطار مختلف.

2- يبدو أن خياراتنا جدّ محدودة فى التوجه إلى آسيا وإفريقيا فى الفترة القادمة لأسباب عديدة ومتشابكة. فليس لدينا الكثير فى الوقت الراهن مما يمكن تقديمه إلى آسيا، على غرار ما تقدمه دول الخليج العربى وإيران وروسيا مثلاً من البترول والغاز الطبيعى إلى الصين والهند واليابان وغيرها، وعلى غرار ما تقدمه دول نامية كبيرة فى علاقاتها المتبادلة على صعيد تجارة السلع المصنعة والتكنولوجية. كما أن الدول الآسيوية الرائدة – الصين واليابان تحديداً – ليست على استعداد لتقديم مساعدات علمية وتكنولوجية مكثفة إلى مصر، كما برهنت تجربة العقود الأخيرة. فاليابان عازفة عن توسيع العلاقات الاقتصادية مع مصر، نظراً لتركيزها على الأسواق الغنية ذات الطلب على سلع «النوعية» وليس على السلع ذات «الأسعار المنخفضة». أما كوريا الجنوبية فقد استمرأت، فيما يبدو، تقديم الإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات إلى مصر مقابل السلع التقليدية كالقطن. وليس لتايوان علاقات اقتصادية رسمية مع مصر، بالنظر إلى موقف «الصين الأم» من مثل هذه العلاقة. وليست ماليزيا أو إندونيسيا شريكاً تجارياً قوياً لمصر، أما روسيا فليس لديها الكثير مما تقدمه لمصر، ربما باستثناء السياحة والأسلحة العسكرية وبعض المقاولات الصناعية. أما عن الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى فإنها –مع روابط التاريخ والمصير - لا تعد شريكاً تجارياً قوياً لمصر فى الوقت الراهن وفى الأفق الزمنى القريب، رغم أهمية السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا – كوميسا.

3- برغم ما سبق، وفى ضوئه، يمكن أن نجد مخارج محتملة من الوضع الراهن الذى تجد مصر نفسها (محشورة) فيه، من خلال علاقة (شبه إجبارية) مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وعدد قليل من الدول الآسيوية الكبيرة. وأهم هذه المخارج على مدى السنوات العشر القادمة مخرجان:

• بناء شراكة استراتيجية: مالية– نفطية– تشغيلية، مع البلدان العربية، ضمن حركة التكامل والوحدة العربية، فى ضوء الخبرات العالمية المتراكمة لبناء الجماعات التكاملية ضمن الأقاليم المتقاربة حضاريا، من خلال المزج بين قاعدة المصالح والمكاسب المحققة على الصعيد الاقتصادى وبين المواريث الثقافية والسوسيولوجية المشتركة.

• محاولة الاقتراب من تجمع «البريكس» – كجماعة أكثر منه فرادى - والذى يضمّ بعضا من أهم دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية: روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، بحيث تكون العلاقة مع هذا التجمع منْفَذا محتملا لفتح القنوات المغلقة التى تحاصر الاقتصاد المصرى الآن.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات