أزمتنا الاقتصادية وسياستنا الخارجية «1-2» - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمتنا الاقتصادية وسياستنا الخارجية «1-2»

نشر فى : الإثنين 3 يوليه 2017 - 10:35 م | آخر تحديث : الإثنين 3 يوليه 2017 - 10:35 م
لا يختلف اثنان فى أننا نعيش أزمة اقتصادية، وقد يختلفا حول سبل الخروج من هذه الأزمة، أو كيفية تحديد الأولويات والاختيار فيما بينها. ولكن ما يغيب فى معظم هذه المناقشات هو علاقتنا بالعالم الخارجى، حيث إننا نتكلم ونفكر وكأننا نعيش فى عالم خاص بنا منفصل عما يدور حولنا. وعندما نتحدث عن أزمتنا الاقتصادية، نذكر بين الحين والآخر أهمية العمل على تنمية الصادرات وتقليل الواردات، أو تنشيط السياحة وتشجيع الاستثمارات، ولكن دون مناقشة معمقة أو إدراك حقيقى لحجم التحديات والتطورات الاقتصادية والتكنولوجية التى علينا اللحاق بها. وحين يدور الحديث عن التحديات والأخطار الخارجية، فيكون من باب التحذير من مصير سوريا والعراق وحروب الجيل الرابع، بينما يسير العالم بخطى ثابتة نحو الثورة الصناعية الرابعة وما زالت صناعة النسيج لدينا تنتمى إلى الثورة الصناعية الأولى أو الثانية. لذلك فإن ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية تفرض علينا الخروج من نمط الحديث التقليدى عن دور مصر الإقليمى وارتباط أمنها القومى بالأمن القومى العربى، ونحاول أن نتذكر بديهيات تجاهلناها لفترة من الزمن.

فلنتذكر أولا أن وجود مصر أصلا يعتمد على نهر النيل الذى يوفر أكثر من ٩٥٪ على الأقل من احتياجاتنا المائية، وأن هذه الاحتياجات تأتى من خارج حدودنا الجغرافية. أى أن عصب حياة الدولة المصرية يقع فيما يسمى دول حوض وادى النيل وفى القلب منها إثيوبيا. وهو الأمر الذى يجب أخذه فى الاعتبار عند اتخاذ أى قرار يتعلق بزيادة الأرض الزراعية، أو تحديد المحاصيل التى يتم زراعتها وإن كانت محاصيل مستهلكة للمياه مثل الأرز والقصب مثلا أو زراعات أقل استهلاكا للمياه مثل البنجر وبعض أنواع الخضر والفاكهة.

ولنتذكر ثانيا ما نستورده من احتياجاتنا الغذائية. وهنا لا نتحدث عن سلع ترفيهية أو حتى سلع وسيطة ومستلزمات الإنتاج، بل عن مواد غذائية استراتيجية كالقمح والفول والزيت. يذهب البعض إلى أننا نستورد ما بين ٦٠ إلى ٧٠٪ من احتياجاتنا هذه. وليس سرا أن مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، وهو ما يعنى أن رغيف العيش يأتى فى معظمه من الخارج. فإذا انتقلنا إلى احتياجاتنا الأخرى، ولا أتحدث هنا عن تكنولوجيا متطورة مثل المفاعل النووى أو بعض الأسلحة المتطورة، ولكن عن تكنولوجيا أقل مستوى كمحطات توليد الكهرباء أو خطوط إنتاج بعض المصانع، فإننا ما زلنا بحاجة أكثر إلى الخارج. وطالما استمر مستوى الإنتاج والنمو على ما نحن عليه حاليا، فإننا سنظل نعتمد على الخارج أكثر وأكثر. 

ولنتذكر ثالثا حجم مساهمة قطاع السياحة (١٢ مليار دولار فى المتوسط)، ودخل قناة السويس (٥،٥ مليار دولار فى المتوسط)، وتحويلات ملايين المصريين العاملين فى الخارج (١٤ مليار دولار فى المتوسط)، فى تمويل جزء من العجز التجارى (٥٠ مليار دولار سنويًا) الذى تعانى منه مصر نتيجة زيادة الواردات عن الصادرات. ولنتذكر رابعا مدى احتياجنا للاستثمارات الأجنبية والعربية المباشرة وغير المباشرة لتنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل وزيادة الصادرات.

ولا يتوقف الأمر على ما سبق، فالاتفاق مع صندوق النقد الدولى يمثل ارتباطا مع الخارج لا فكاك منه، خاصة وأن الحصول على كامل القرض مرهون بعدد من الخطوات والإصلاحات المطلوب تطبيقها وتمس حياة المواطن بشكل مباشر وقد لمسنا تداعياتها الأسبوع الماضى حين تم رفع أسعار الوقود. فى ذات الوقت الذى وصلت فيه الديون «الخارجية» طبقا للأرقام المعلنة إلى ٧١ مليار دولار مع ما يصاحبها من خدمة هذه الديون وفوائد يجب سدادها. وإذا أضفنا مليارات الدولارات من ودائع من دول عربية وصديقة والتى تدخل فى حساب الاحتياطى النقدى، وما يتم طرحه فى أسواق المال العالمية من سندات، يتضح لنا أن هذا الاحتياطى ليس نتيجة تراكم الفائض من الميزان التجارى مثل دول أخرى، ولكن يعتمد فى معظمه على قرارات من الخارج لا تخضع للسيادة المصرية ولكن تعتمد على حسن العلاقات مع هذه الدول والأطراف الخارجية.

يتضح مما سبق، مدى هشاشة وضعنا الاقتصادى، ومدى خضوع اقتصادنا بشكل شبه كامل لعوامل خارجية، الأمر الذى يفرض علينا ضرورة إعادة النظر فى أولوياتنا الداخلية والخارجية. ويتطلب كذلك أن تعكس سياساتنا الخارجية أهدافا اقتصادية واضحة تسعى لتحقيقها جميع مؤسسات الدولة تحت مظلة استراتيجية موحدة، بدلا من سياسة الجزر المنعزلة التى نعانى منها الآن. لأنه بدون ذلك. فلا رفع الدعم عن أسعار الوقود أو أى إجراءات أخرى بدعوى الإصلاح الاقتصادى ستنجح فى الخروج بنا من هذه الأزمة الخانقة. وهو حديث المقال المقبل بإذن الله.

 

التعليقات