كيف نتدين؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نتدين؟

نشر فى : الجمعة 3 سبتمبر 2010 - 9:52 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 سبتمبر 2010 - 9:52 ص

 هل يكفى المؤمن إقامة الشعائر الخمس؟ وهل يكفى المؤمن أن يعتقد بقلبه وحدانية الله عالم الغيب والشهادة؟ أو بمعنى أوضح هل يمكن أن يعيش الإنسان مؤمنا بقلبه ولسانه، أما فعله وحركته فى الحياة فكما يحب ويهوى ولا علاقة لها بالإيمان؟ هل يمكن للمؤمن أن يتعلم، ويتقن، ويعمل، ويتخلق كما يشاء، أم أن الإيمان له دخل فى كل ذلك؟

فالإسلام يستهدف إخراج البشرية كلها من الظلمات إلى النور.... وهى ظلمات كثيرة يمكن إجمالها فى أربع ظلمات:

ظلمة الاعتقاد (الكفر، ونورها الإيمان)

ظلمة العمل والإعمار (الحرام، ونورها الحلال)

ظلمة المنهج والتفكير (الخطأ، ونورها الصواب)

ظلمة الأخلاق (القبح، ونورها الحسن)

فالمؤمن لا يكفيه ما فى قلبه أو عقله، بل لابد من تفعيل الإيمان فى أعماله وأقواله وعاداته وسلوكه، وإلا أصبح الدين زينة لا قيمة لها.

فالعقيدة هى الإيمان بوحدانية الله وتفرده بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وإن الله اتخذ دينا واحدا هو الإسلام الذى جاء به الأنبياء من آدم ومرورا بنوح وحتى موسى وعيسى ثم بمحمد وأنزل عليهم كتبا آخرها القرآن وجعل لحساب الناس يوما فى آخر الزمان يجزى فيه كل واحد بعمله. هذه هى العقيدة التى يحكم فيها دون غيرها بالإيمان أو الكفر.

وفى عالم الإعمار والأعمال.. يحرص المؤمن على تعلم ما ينفع ولا يضر، والتخصص فيما يمتاز فيه، والاشتغال بما يحتاجه المجتمع والأمة، وتجويد العمل وإتقانه، كما يحذر الانشغال بتوافه المعلومات وسفاسف الأمور، كذلك يتحمل نصيبه فى ترقية أمته وقوتها وعدم احتياجها لغيرها من الأمم، فضلا عما يتحراه من عدم الوقوع فيما حرمه الشرع من أكل أموال الناس بالباطل أو ممارسة الرذيلة أو الكسب من الأعمال غير المشروعة، هذه هى ضوابط العمل فى الحياة ونشاطها والشريعة التى يحكم فيها فقط بالحلال والحرام.

فى منهج الأخلاق: يقيم المؤمن علاقاته طبقا لأحكام الأخلاق الواردة بالتفصيل فى القرآن الكريم أو فى صحيح السنة، فقاعدة التعامل مع المسخرات هى الإعمار والتنمية والإحسان، وتعامل المؤمن مع البشر عامة قاعدته أن البشرية كلها أسرة واحدة وأن هذه الأسرة قد انقسمت قسمين،

هما «أمة الإجابة» (وهم المؤمنون) والفريق الثانى «أمة الدعوة» (وهم غير المؤمنين) ولهؤلاء حق الحياة كاملا، وعلينا ــ نحن أمة الإجابة ــ مداومة الدعوة وتكرارها وتجديد عرضها بشرط عدم العدوان من الطرفين..

وفى أمة الإجابة تترقى قواعد العلاقات فتبدأ بالخير والمعروف للجميع، ثم البر للوالدين ثم الرعاية للأبناء ثم المودة بين الأزواج ثم المحبة والتكامل بين الجيران فمن خالف هذه المعاملات فقد جرح إيمانه وارتكب خطأ لابد من إصلاحه، هذه هى الحدود الأولى التى لا يصلح الإيمان بتغيرها.

وفى المنهج والتفكير: يضبط المؤمن تفكيره دائما على قواعد الصواب والخطأ. فلا يسعى نحو فساد أو إفساد بل يسعى للصلاح والإصلاح والمصالحة والمصلحة، والمقصود بالمصلحة العمل دون فساد أو تخلف ولو بصفة جانبية.. كذلك يكون المؤمن دائم الحرص على تنمية الحياة وتجديدها دون استهلاك أوتدمير، وثالث ضوابط منهجية المؤمن هو السعى الدائم نحو العمل الجماعى والتعاونى وعدم الانفراد والشذوذ.

فالاعتراف بالإيمان ليس مجرد عقيدة تسكن القلب ولا قول تكرره الألسنة، إنما الإيمان قول وعمل، شعائر وشرائع، إعمار وتنمية، خير وجمال، عدل وإحسان قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (النحل: 90).

فالاعتراف بالإيمان هو تفعيل الإيمان وتنفيذ تعاليمه تحقيقا لكرامة الإنسانية وإعمارا للدنيا وإظهارا لحقيقة الدين أنه ليس أحاسيس فحسب، بل هو برنامج وعى وسعى وتجديد وتجويد.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات