تتوالى فصول مأساة العرب المعاصرين وتتنوع مسارحها من سوريا والعراق إلى اليمن وليبيا، ونحن على حالنا فى مصر بالغى الانكفاء على أوضاعنا الداخلية وبالغى التورط فى إنتاج المزيد من الضجيج والصخب بشأن قضايا جزئية وصغيرة.
ليس لدى تفسير آخر للتجاهل الصادم لكثير من الصحف المصرية للكارثة الإنسانية فى سوريا والعراق، لامتناعها عن تناول الدمار الذى تنزله الحرب باليمن، للصمت المريب عن تدهور الوضعية الأمنية والسياسية والمجتمعية فى ليبيا.
ليس لدى تفسير آخر لاستقالة الصحف المصرية من اهتمامها التقليدى بالإقليم المحيط بنا وبتحولات سياسة قواه المؤثرة من تركيا وإيران إلى بعض الدول العربية، لانسحابها من مهمة إخبار الرأى العام المحلى بمجريات الأوضاع الإقليمية وتداعياتها المحتملة علينا، لهجرها مسئولية مخاطبة الرأى العام العالمى بموضوعية ومهنية تمتد من الشأن المصرى إلى جميع الشئون العربية والشرق أوسطية.
ليس لدى تفسير آخر للمحدودية البالغة وللتهافت الشديد للمادة الصحفية المنشورة عن كارثة ملايين اللاجئين السوريين التى أضحت قضية الساعة فى أوروبا وعنوان أزمة عالمية، عن تفاصيل تهجير مسيحيى العرب الذين تنزل بهم عصابات الإرهاب صنوفا من المظالم والانتهاكات وتمتنع نظم الحكم الطائفية عن حمايتهم، عن همجية داعش والوحشية التى تقتل بها الأبرياء وتدمر بها تراثا إنسانيا عظيما.
ليس لدى تفسير آخر للمفارقة المؤسفة بين صحف أمريكية وأوروبية تواصل نشر التحقيقات الاستقصائية والتقارير الحافلة بالمعلومات الموثقة عن أوضاع اللاجئين السوريين وعذابات ارتحالهم إلى أوروبا بحثا عن البداية الجديدة وعن القيمة التاريخية والفكرية والمعمارية لبالميرا / تدمر التى تدمرها داعش وعن حقائق الأمور فى اليمن وليبيا، وبين صحف مصرية تخرج يوميا على القراء وعلى الرأى العام بذات الضجيج والصخب الخاليين من المضمون عن قضايا داخلية محدودة الأهمية أو تتورط فى قبول الاختزال فى صوت للحكم والاقتصار على الاحتفاء بالرأى الواحد والموقف الواحد.
ليس لدى تفسير آخر لأن تستدعى الصحف الأمريكية والأوروبية علماء التاريخ والعمارة والمتخصصين فى الحضارات الشرق أوسطية القديمة لكتابة مقالات الرأى بشأن مأساة تدمير بالميرا / تدمر وأن تستكتب علماء النفس لتفسير همجية ووحشية داعش التى تتجاوز كل ما خبرته الشعوب العربية والشرق أوسطية خلال العقود الماضية، بينما نحن فى سكون ومواتٍ حقيقيين لا يحجبهما الضجيج والصخب إلا للحظات محدودة أو لدى من استسلمت ضمائرهم لهستيريا الجهل والتطرف والاستبداد.
غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر