طريقنا إلى السعادة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طريقنا إلى السعادة

نشر فى : الأحد 3 سبتمبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 3 سبتمبر 2017 - 9:00 م
أصارحكم القول إن هذا الموضوع لم يكن فى ذهنى عندما كنت أعد لكتابة هذا المقال منذ أسبوعين. كانت فكرتى الأولى أن أكتب عن الانتهاكات المتعددة للدستور والتى وصلت إلى اثنى عشر خلال السنوات الثلاث الماضية، من تجاهل النص على ضرورة إعلان كبار المسئولين بالدولة عن ثرواتهم عند توليهم السلطة واستمرارهم فى هذا الإعلان دوريا، ومن تجاهل النصوص الخاصة بالحرية الشخصية وحريات التعبير والاجتماع والتنظيم، وضرب الحائط بأحكام ثابتة وملزمة للقضاء، ومن العصف بمبدأ الفصل بين السلطات بجعل رئيس الجمهورية يعين رؤساء الهيئات القضائية، فضلا عن تعيينه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة رؤساء كل المؤسسات المهمة فى المجتمع من صحافة وجامعات، بالإضافة إلى عدم الوفاء باستحقاقات دستورية مهمة مثل إصدار قانون ديمقراطى للإدارة المحلية وإنشاء مفوضية لمكافحة التمييز. ولكن عدلت عن هذه الفكرة لسببين، أولهما أن القراء سيجدون هذا المقال بين أيديهم فى أواخر عطلة العيد، وهم لا شك يحبون أن يقرأوا ما يدخل البهجة فى نفوسهم، ولا شك أن الحديث عن الدستور وانتهاكاته لا يحقق ذلك، وثانيهما تجربة شخصية مررت بها أثناء تواجدى أياما فى مدينة سويسرية صغيرة عشقتها منذ أيام دراستى للدكتوراة فى جامعة جنيف، وهى مدينة لوسرن التى تقع فى القسم المتحدث بالألمانية فى سويسرا وبالقرب من زيوريخ المركز المالى المهم فى سويسرا والعالم. وقد لاحظت أثناء هذه الزيارة أن كل من قابلتهم فى هذه المدينة يبدون سعداء، سواء كانوا من عامة المواطنات والمواطنين أو ممن يتمتعون بقدر كبير من الثراء، وأكد ذلك ما سمعته أن نوعية الحياة فى هذه المدينة الصغيرة هى أفضل من نوعيتها فى مدن سويسرا الكبيرة ــ نسبيا ــ مثل جنيف وزيوريخ. طبعا رأيت مظاهر محدودة وفردية للبؤس فى هذه المدينة مثل هؤلاء الأشخاص بلا مأوى، ولكن عدد من رأيته منهم لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولذلك فكرت فى أسباب هذه السعادة البادية على وجوه كل من قابلتهن وقابلتهم فى مقاهى ومطاعم ومحلات وفنادق هذه المدينة ومن السائرين فى شوارعها.

تذكرت حينئذ صديقين عزيزين من علماء مصر النابغين، واراهما الثرى منذ ثلاث سنوات لأولهما ومنذ شهور لثانيهما. الأول هو المرحوم الدكتور فيصل يونس أستاذ علم النفس القدير بكلية الآداب جامعة القاهرة، والذى أسعدنى منذ سنوات بإلقاء محاضرة عامة فى منتدى الشركاء الذى كان ينظمه مركز شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب، وكان عنوان محاضرته التى جرى طبعها وتوزيعها بعد ذلك هو الاقتصاد السياسى للسعادة، وثانيهما هو المرحوم الدكتور محمود عبدالفضيل أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة والذى كان مهتما بهذا الموضوع. وطرح الاثنان آراءهما حول هذا الموضوع، واكتشفت بفضلهما أن هذا الموضوع هو محور جهود علمية توجها إصدار الأمم المتحدة لتقرير سنوى منذ سنة 2012 يحمل عنوان تقرير السعادة العالمى. والإحاطة بالنتائج التى وصل إليها هذا التقرير تفيدنا فى مصر، أعنى هنا الرأى العام أولا ثم منظمات المجتمع المدنى وأخيرا الحكومة إذا ما كنا نريد حقا نشر السعادة بين مواطنينا. طبعا نحن نعرف أن المصريين شعب يجيد الفكاهة، ولكن مؤشرات هذا التقرير تضع مصر فى الثلث الأدنى من الدول (104 بين 155 دولة) من حيث مستويات السعادة فيها.

مؤشرات السعادة والدول السعيدة

توصل العلماء الذين كتبوا هذا التقرير -على أساس استبيان غطى عينات من 3 آلاف مواطن من دول مختلفة- إلى أن هناك ستة مؤشرات للسعادة، لا تقتصر على البعد الاقتصادى ولكنها لا تتجاهله. هذه المؤشرات هى مستوى الدخل، والتمتع بحياة صحية ممتدة، والشعور بتواجد من يهتم بالمرء، والثقة فى الآخرين والحكومة، والحرية، وما يسميه التقرير بتوافر العطاء. البعد الاقتصادى يشمل ليس فقط مستوى الدخل ولكن امتلاك عمل آمن، والتمتع بحياة صحية ممتدة يعنى طبعا الخلو من المرض وارتفاع متوسط الحياة، والشعور بالرعاية يعنى أن يكون الإنسان موقنا أن هناك من سيقدم له العون النفسى والمادى عندما يحتاج لذلك، بل إن أحد المؤشرات الفرعية لذلك أن يكون هناك شريك للمرء فى حياته فلا يعيش وحيدا منعزلا، والثقة تقتضى أن يدرك المرء أن الحكومة ورجال الأعمال لا ينتشر بينهم الفساد، والحرية تعنى أن يكون بقدرة المواطن أن يتخذ القرارات التى تؤثر عليه فى حياته، وأخيرا فالعطاء يترجم بوجود أفراد أو مؤسسات تساعد المرء عندما تشتد به الحاجة.

طبعا يمكن ترجمة هذه المعايير الست على نحو يتباين من مجتمع إلى آخر، ولكنها بحسب اجتهادات مؤلفى التقرير هى أسباب الشعور بالسعادة. ولا شك أن الشعور بالسعادة يتفاوت داخل نفس المجتمع، كما يتباين بين الدول. ويرى مؤلفو التقرير أن الشعور بالسعادة يرتبط على المستوى الفردى بمستوى الدخل والتعليم ونوع العمل، والتمتع بالصحة البدنية والنفسية والعقلية، كما يرتبط بإطار اجتماعى مثل سيادة علاقات تعاونية بين الأفراد وانخفاض مستويات الجريمة.

لاحظوا أن السعادة لا ترتبط فقط بمستوى الدخل، وإنما ترتبط أيضا بمؤشرات أخرى مثل الشعور بالرعاية والثقة فى الآخرين. كما أن المؤلفين عرفوا الحرية ليس فى بعدها السياسى والمؤسسى كوجود الأحزاب وانتخاب الحكام، ولكنهم ربطوها برؤية الفرد لقدرته على اتخاذ القرارات ذات الأهمية فى حياته، وطبعا هذه الرؤية تتفاوت من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر. ولهذا السبب فإن البلدان التى وجدها التقرير الأكثر سعادة فى العالم ليست هى أعلى الدول من حيث مستوى الدخل، كما أن بعض الدول بين الثلث الأكثر سعادة فى العالم ليست كلها من الدول التى توفر الحريات السياسية لمواطنيها. ولكن معظم الدول فى هذا الثلث الأعلى هى التى توفر ليس فقط مستوى عاليا من الدخل ولكنها أيضا الدول التى توفر الحريات السياسية لمواطنيها.

المثير فى هذا التقرير أن الدول الكبرى من حيث قوتها العسكرية والاقتصادية تغيب عن قمة مقياس السعادة. تغيب عن هذه القمة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكذلك روسيا، كما تتدنى فى هذا المقياس مكانة كل من الصين والهند، وإن كانت مكانة الأولى آخذة فى التحسن فى السنوات الأخيرة. أحد أسباب تدنى مكانة الولايات المتحدة هى انخفاض ثقة المواطنين فى نزاهة كل من رجال السياسة ورجال الأعمال. تدهور أوضاع مؤسسات الرعاية الاجتماعية مع الأخذ بسياسات اقتصادية ليبرالية هو الذى وضع الصين فى مكانة منخفضة، وانتشار الفقر فى الهند هو الذى جعلها تسقط بين الثلث الأقل سعادة بين شعوب العالم.

أحوالنا فى الوطن العربي

أحوالنا فى الوطن العربى مختلطة، بعضها يسر وبعضها الآخر يبعث على الكمد. ما يبعث على السرور أن بعض الدول العربية تحتل مكانة متقدمة على مقياس السعادة العالمى. خمس منها هى بين الدول الخمسين الأكثر سعادة، وهى بالترتيب والمكانة دولة الإمارات (21) وقطر(35) والمملكة العربية السعودية(37) والكويت (39) وأخيرا البحرين (41). ولا شك أن إسقاط الحرية السياسية هو أحد الأسباب التى تجعل لهذه الدول مكانة متقدمة على هذا المقياس لأن المؤشرات الأخرى متوافرة فيها. وفى حالة قطر صدر تقرير السعادة العالمى وفيه هذا المقياس قبل قرارات الدول العربية الأربع بمقاطعة قطر اقتصاديا وسياسيا فى 5 يونيو من هذا العام.

ما يدعو للأسى هو أن إسرائيل تحتل المكانة الحادية عشرة فى هذا التقرير، أى بعد الدول العشر التى تحتل القمة، وأن عددا من الدول العربية توجد فى مؤخرة هذا المقياس، وهى بالترتيب نزوليا العراق والسودان واليمن وسوريا. ومن الواضح أن الحرب الأهلية فى هذه الدول وعدم قدرة حكوماتها على بسط الأمن فيها هو ما يفسر هذه المكانة المتدنية. أما الدول العربية الأخرى فتحتل مواقع متوسطة. أدنى الدول ذات المكانة المتوسطة هى مصر التى تحتل المكانة 104 تسبقها دول مثل الجزائر والمغرب وتونس والأردن ولبنان.

هل من طريق للسعادة فى مصر

تأمل أوضاع الدول التى تحتل القمة فى هذا المقياس ربما يرشدنا إلى طريق السعادة فى مصر. هذه الدول هى بالترتيب النرويج والدنمارك وإيسلندا وسويسرا وفنلندا وهولندا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا والسويد. لاحظوا أنه باستثناء هولندا لم تكن أى من هذه الدول من بين الدول الاستعمارية. طبعا كندا ونيوزيلندا واستراليا هى من دول التاج البريطانى والتى تأسست باغتصاب أراضى السكان الأصليين. ومع ذلك فإن مستويات الرخاء فى هذه الدول تعود بالأساس لعمل مواطنيها وليس لاستغلالهم ثروات شعوب أخرى، والدول الإسكندينافية مع هولندا وسويسرا معروفة بثقافتها البروتستانتية التى تمجد العمل وتعتبره نوعا من العبادة. كما توجد فى كل هذه الدول نظم للرعاية الاجتماعية أغلبها تقدمه الدولة توفر خدمات التعليم والصحة والسكن الرخيص وإعانات البطالة والعجز للمواطنين. كما أن كلها تتسم بمستويات عالية من الحريات السياسية وانخفاض معدلات الجريمة، وكذلك تشتهر حكوماتها بأعلى مستويات الشفافية.

الوصفة المطلوبة إذن لتحقيق السعادة فى مصر هى انتشار ثقافة العمل الجاد، وايجاد نظام للرعاية الاجتماعية ومحاربة الفساد فى الحكومة وتمتع المواطنين بحرياتهم فى تقرير شئون حياتهم، بما فى ذلك عدم سجنهم وإلقاؤهم فى غياهب السجون بلا محاكمة، وسقوط القيود على حريات الاعتقاد والعبادة والتعبير والتجمع السلمى والتنظيم. يفترض التقرير أن توافر هذه الشروط قد يدفع التنمية الاقتصادية التى تؤدى إلى رفع مستويات الدخل.

دعونا نتفاءل مع نهاية العيد بأن توافر هذه الشروط سيتحقق فى مصر، بعد عمر ليس بالطويل.

 

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات