السلطة الإخوانية «فاشية» بطبيعتها - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السلطة الإخوانية «فاشية» بطبيعتها

نشر فى : الأربعاء 3 أكتوبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 أكتوبر 2012 - 8:30 ص

فى الفترة القصيرة التى فصلت ما بين الحربين العالميتين تأسس الحزب الفاشى فى إيطاليا بزعامة بنيتو موسولينى فى عام 1922. وتأسس الحزب النازى فى ألمانيا بزعامة ادولف هتلر فى عام 1933. وفى الفترة ما بين تأسيس هذين الحزبين تاسست فى مصر جماعة الإخوان المسلمين فى عام 1928.

 

وقد لا تكون هناك علاقة مؤثرة مباشرة بين تأسيس الجماعات الثلاث، ولكن لا يمكن أن تكون الصدفة وحدها هى التى لعبت الدور الأساسى فى تحديد زمن تأسيس كل منها. إنما المؤكد أن ظروف نشأتها قد تشابهت وإن تغيرت مصائر كل منها وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التى لم تتحول إلى حزب سياسى إلا فى عام 2011. ولعل السؤال الذى يرد إلى الأذهان هو اذا كان الحزبان الفاشى الإيطالى والنازى الألمانى يتسمان بالطابع الدينى الذى اتسم به تنظيم الإخوان المسلمين. ثمة أمران جديران بالذكر: الأول أن موجة العداء للليبرالية بمعانيها المختلفة واكبت نشأة هذه التنظيمات الثلاثة بحيث اكتسبت كلمة الليبرالية معانى سلبية منفرة على النحو الذى نلمسه فى الوقت الحاضر خاصة بعد صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، بالطريقة نفسها التى واكب بها صعود الفاشية والنازية أيضا إلى السلطة. والثانى أن التوجه الدينى لتنظيم الإخوان المسلمين يقابله فى التنظيم الفاشى تأييد قوى من جانب السلطات الدينية فى كل من ايطاليا والمانيا، وإن لم يتسم أيهما بسمات التنظيم الدينى على النحو الذى اتسم به تنظيم الإخوان المسلمين.

 

●●●

 

لقد بدأ ظهور التوائم والاتفاق بين الكاثوليكية الإيطالية والنزعة السياسية الفاشية على أثر تاسيس الحزب الفاشى على الأسس التى تم تأسيسه عليها، وأولها رغبة السيطرة على السلطة من جميع جوانبها وإقامة نظام سلطوى متسلط إلى أقصى الحدود عندما ظهرت إمكانية توطيد هذه السلطة. كانت التيارات الدينية الكاثوليكية فى إيطاليا أشد التيارات اقتناعا بالسلطة الفاشية. وكان أبرز المفكرين الكاثوليك فى إيطاليا وخارجها خاصة فى أوروبا والولايات المتحدة أظهرهم تأييدا للأفكار السياسية والممارسات الفاشية خاصة من ناحية الهيمنة التامة على السلطة.

 

ذهب الفكر الدينى الكاثوليكى فى ذلك الوقت إلى تبرير الفاشية بالقول بان حرية الإنسان تستمد جذورها من الطبيعة الروحية ومن وعى القوة المطلقة للقانون الطبيعى الإلهى. لقد اعتبر المفكرون الدينيون الكاثوليك فى إيطاليا السلطة الفاشية أقرب إلى الأفكار الدينية الكاثوليكية من أى من الأفكار الليبرالية واليسارية التى كانت قائمة فى ذلك الوقت، والتى لم تلبث أن تعرضت للاضطهاد والسجن والقتل مع استتباب السلطة للفاشيين. نظر المفكرون الكاثوليك وحتى غير الكاثوليك فى إيطاليا إلى الفاشية باعتبارها مستمدة من الشخصية القومية الإيطالية. وذهب المفكر الكاثوليكى الأمريكى آى.جى.وود إلى حد وصف موسولينى بأنه «كاثوليكى بكل تأكيد»، وقال إن الفاشية «جزء من العقلية الإيطالية».

 

●●●

 

ألا يذكر هذا كله بالعداء الإخوانى لكل ما هو ليبرالى؟ إلا يعكس شعور الكراهية الإخوانى لكل ما هو يسارى أو شيوعى موقفا نظيرا للموقف الكاثوليكى المؤيد للفاشية وكراهيتها المستميتة ضد الليبرالية واليسارية ولكل ما يوصف بأنه اشتراكى أو شيوعى؟ لقد كانت فترة ما بين الحربين فى أوروبا فترة صعود للأصولية الكاثوليكية فى أوروبا وفى الوقت نفسه فترة نشوء تنظيم الإخوان المسلمين. كان ذلك بحكم ما ساد فى أوروبا وفى منطقة حوض البحر المتوسط من أزمة اقتصادية خانقة. الأمر الذى فتح المجال واسعا أمام التفكير الدينى على جانبى هذا الحوض، وفتح المجال واسعا فى الوقت نفسه أمام مطلب السلطة الشاملة والمطلقة بهدف منع صعود أفكار الليبرالية واليسار ومحاولته كسر شوكة الأثرياء.

 

شهدت فترة ما بين الحربين فى هذه المنطقة صعود العلاقة المتبادلة بين الفكر الدينى والفكر السلطوى الذى يدعم دور الأثرياء، ويجد فى النصوص المقدسة ما يفسره بأنه تأييد الفوارق الطبقية باعتبارها جزءا من الطبيعة الكونية والإنسانية. وقد تميز التياران الدينى والفاشى بارتباطهما الوثيق بالاتجاه المحافظ فى السياسة والاقتصاد والثقافة بصفة خاصة، بما فى ذلك التمسك بالأفكار اليمينية السلطوية باعتبارها الحالة الطبيعية للعقل البشرى.

 

●●●

 

وتظهر ممارسات الإخوان المسلمين السلطوية، خاصة التدريبات العسكرية التى أعقبت نشأة تنظيمهم والتى لابد أن تكون قد استؤنفت مؤخرا، إيمانهم بأن التسلط التام والقوى على السلطة هو حق يستمدونه من تفسيراتهم الدينية. وبالتالى فإن ترهيب السياسيين والإعلاميين وحتى رجال الدين الذين يختلفون معهم فى التفسير ويعارضون سلطانهم على السلطة يشكل جانبا من سياساتهم العملية فى الممارسة الفعلية. هذا على الرغم من أن السلطة لم تخضع لهم ولتنظيمهم خضوعا كاملا حتى الآن. وقد أصبح من المألوف أن نسمع الإخوان المسلمين الممثلين فى السلطة يعتبرون مؤيديهم مؤمنين حقيقيين، ومن يختلفون معهم فى القضايا السياسية ليبراليين، وبالتالى فإنهم أقرب إلى الكفر، وسوء فهم التعاليم الدينية.

 

وهكذا فإن الجمع بين السلطة والجهود الرامية إلى تأسيس الدولة الدينية ــ أى الدولة التى تتأسس فيها السلطة على قواعد مستمدة من تفسيرات محددة للنصوص الدينية ــ تؤدى، إذا نجحت، إلى قيام سلطة على النمط الفاشى. وفى هذا النمط تخضع السلطة بالكامل لأصحاب التفسيرات الدينية لأساليب الحكم بصرف النظر عن تطورات يحدثها الإنسان فى طريق صعوده إلى مستويات أعلى من التقدم، مستويات أعلى من تلك التى تقف عندها تفسيرات السلطويين للنصوص الدينية.

 

●●●

 

إن العلاقة متبادلة بين المثل الأعلى للدولة الدينية والفكر السلطوى اليمينى نظرا لتبادل التأثير بينهما. ذلك الذى لا ينتج إلا دولة دينية فاشية السلطة.  

 

 

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات