بل يتشابهون وبشدة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بل يتشابهون وبشدة

نشر فى : السبت 3 أكتوبر 2015 - 8:20 ص | آخر تحديث : السبت 3 أكتوبر 2015 - 8:20 ص

اللافت للنظر هو أن المستبدين وحكام النظم السلطوية، مهما تواطأت معهم حقائق القوة المتفلتة من كل قيمة أخلاقية وإنسانية وعلى الرغم من سطوتهم إزاء شعوبهم التى تلحق الممارسات القمعية والمظالم والانتهاكات إما بأغلبيتها أو ببعض قطاعاتها المؤثرة أو بمجموعات المعارضين المطالبين بالديمقراطية، يظلون دوما فى احتياج لتجميل أفعالهم وتبريرها بمقولات خطابية وأدوات دعائية تتشابه من موسكو إلى القاهرة.

***
منذ أيام قليلة، ظهر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين تليفزيونيا فى الولايات المتحدة الأمريكية عبر حوار مطول بينه وبين المخضرم تشارلى روز. شرح بوتين ــ فى صياغات عمومية كأولوية التعاون فى أوروبا وضرورة مكافحة الإرهاب ــ موقف حكومته إزاء الأزمة الأوكرانية والوضع السورى محاولا تصوير روسيا كقوة استقرار إقليمى فى أوروبا وفى الشرق الأوسط وكقوة سلم وأمن عالمى، ثم حمل بشدة على السياسات الأمريكية والأوروبية التى تتدخل فى شئون الآخرين وتتجاهل خصوصياتهم وتعبث بسلمهم الأهلى وتدفع بهم إلى حافة هاوية تفتيت المجتمعات وانهيار الدول. غير أن شرح بوتين أحادى الاتجاه لم يصمد طويلا أمام «أسئلة التفاصيل» التى وجهها روز بشأن حقائق الدور الروسى فى أوكرانيا والمصالح التى تدفعه إلى التحالف مع نظام الأسد فى سوريا وكذلك بشأن ملفات الحقوق والحريات والمجتمع المدنى فى روسيا، وسرعان ما بدأت محاولات بوتين لتزييف بعض الوقائع وتجميل العديد من الأفعال والدفاع عن السياسات المتبعة كتعبير عن الديمقراطية الحقة.

نفى بوتين التدخل العسكرى فى أوكرانيا، ووظف مقولات متنوعة لتجميل فصل شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وضمها إلى روسيا كنتيجة ديمقراطية لممارسة سكان القرم لحق تقرير المصير، استخدم قضايا التنوع العرقى فى أوكرانيا لتبرير نزوع السكان ذوى الأصول الروسية فى الشرق إلى الانفصال بعد أن تعرضوا لما وصفه بالاضطهاد الممنهج، أدان التغيرات السياسية التى شهدتها أوكرانيا فى 2014 وانتهت إلى الإطاحة بالرئيس السابق للبلاد فيكتور يانوكوفيتش وأعتبرها «انقلابا على الشرعية الديمقراطية» ترفضه روسيا «لتعارضه مع قواعد القانون الدولى» وترفض الاعتراف بنتائجه. ولأن لروسيا قوات عسكرية تشارك فى الصراع الدائر فى أوكرانيا على نحو مباشر وغير مباشر، ولأن الضم الروسى للقرم سبق إجراء الاستفتاء بشأن تقرير المصير – والذى نظمته فيما بعد مجموعات مدعومة من الحكومة الروسية، ولأن حديث بوتين عن التنوع العرقى وكارثة الاضطهاد والتمييز تنقصه المصداقية وحكومته تضطهد السكان غير الروس فى مناطق عديدة ببلاده مترامية الأطراف، ولأن الدبلوماسية الروسية لم تعنيها أبدا فى تقييم موقفها من الإطاحة بحكام أو تغييرهم مسألة الشرعية الديمقراطية، ولأن الرئيس الروسى يعلم أن العالم (أو على الأقل من تتاح لهم حرية تداول المعلومات والحقائق) يعلم؛ لم يكن نفى بوتين المتكرر وإنكار العديد من الحقائق أو تزييفها سوى تعبير عن الاحتياج لتجميل الأفعال وتبريرها يتناقض بالكامل مع هالات البطولة وادعاءات القوة والثقة المطلقة التى يسعى باستمرار إلى إنتاجها وترويجها – وتجد هالات البطولة هذه صياغتها الرمزية فى ذكورية اللقطات كثيفة التداول لبوتين ممارس الرياضة وعارى النصف الأعلى من الجسد والمستخدم بيسر لأنواع من الأسلحة والقريب دوما من استعراضات القوة العسكرية.

***
وتكرر ذات التناقض بشأن الدور الروسى فى المأساة / المقتلة السورية وقضايا الحقوق والحريات فى روسيا. نفى بوتين فى حواره مع تشارلى روز مسئولية بشار الأسد عن جنون القتل والدمار والتهجير والنزوح فى سوريا، وأنكر ارتكابه جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية خلال السنوات الماضية، ثم مارس الاستعلاء على طلب الشعب السورى للحرية وللتخلص من نظام الأسد عبر اختزال الطلب هذا فى تفتيت للمجتمع وللدولة وصنع مناطق آمنة للإجرام الإرهابى، وانتهى إلى التشديد على أن هدف روسيا الرئيسى هو الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة السورية وتجنيب شعبها المزيد من الويلات وعلى أن نظام الأسد هو الطرف الوحيد القادر على ذلك. على وقع التفاصيل الكثيرة التى واجهه بها روز، أتبع الرئيس الروسى النفى والإنكار ومحاولات الدفاع عن الحليف الديكتاتور مقولات تجميلية وتبريرية صريحة. ربط بعض هذه المقولات بين التحالف مع الأسد وبين ضرورات الحرب على الإرهاب ودرء خطر داعش وغيرها من العصابات الإرهابية على السلم والأمن العالميين ــ وعلى الأمن الداخلى فى روسيا التى ينشط بعض مواطنيها فى صفوف داعش وفقا لتقديرات روسية ومستقلة، وهنا مكون تجميل يقبله الغرب الديمقراطى عادة لأنه متورط به بصدد بلدان ومناطق أخرى. وبررت مقولات تالية للتدخل الروسى فى سوريا ولتنسيق الدبلوماسية الروسية مع إيران وحزب الله حلفاء نظام الأسد بالإشارة إلى حتمية الاستعادة السريعة لشىء من «الاستقرار» فى منطقة الشرق الأوسط لكى لا تتصاعد موجات اللجوء إلى أوروبا ولكى يتهدد أمن إسرائيل، وهنا أيضا مكونان للتجميل والتبرير يسهل توظيفهما إزاء الغرب الديمقراطى.

***
أما قضايا الحقوق والحريات فى روسيا، فاستخدمها بوتين لادعاء انتسابه هو أيضا للفكرة الديمقراطية. حين سأله روز عن حرية التعبير عن الرأى وعن حريات التنظيم والعمل المدنى والسياسى، كانت إجابته هى أن القيود غائبة والممارسات القمعية والانتهاكات يراها الغرب فقط وحريات الرأى والتنظيم مكفولة وضمانات صونها وحمايتها اليوم غير مسبوقة. غير ان أسئلة التفاصيل عن أوضاع الصحفيين والإعلاميين والعاملين فى المجالات المدنية والسياسية دفعت بوتين مجددا إلى التجميل والتبرير، هذه المرة بالتشديد على أن 1) لروسيا ديمقراطيتها وصناديق انتخاباتها التى منحته ثقة الناس، وعلى أن 2) الشعب الروسى يختار ممثليه فى السلطات التشريعية والتنفيذية بحرية كاملة، وعلى أن 3) بعض المشاركين فى العمل المدنى والسياسى ينقلون للغرب صورة «غير حقيقية» عن الأوضاع فى روسيا ويستفيدون من ذلك. ولأن حقائق القمع والقيود والمظالم والانتهاكات الحادثة فى روسيا موثقة، ولأن الرئيس الروسى يعلم بكل تأكيد أن عنصرى النفى والإنكار لن يقنعا من يخاطب – بإيجاز، لن يصدقه أحد؛ صعد بوتين هنا من استخدام مقولات التجميل والتبرير ليجعل منها ادعاء بالانتساب للفكرة الديمقراطية التى تتشابه فى تطبيقها روسيا مع البلدان الغربية والتى يقدرها هو شخصيا لكونها تدفع إلى «الابتكار والمبادرة الفردية» وتسهم فى تجاوز أزمات المجتمعات والدول.

يظل المستبدون وحكام النظم السلطوية دوما فى احتياج للتجميل مهما تواطأت معهم حقائق القوة واشتدت سطوة بشعوبهم، وتظل مقولاتهم التبريرية فى الجوهر بالغة التشابه مهما اختلفت التفاصيل – بين موسكو والقاهرة.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات