فيلم.. بولندى قديم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيلم.. بولندى قديم

نشر فى : السبت 3 أكتوبر 2015 - 10:15 ص | آخر تحديث : السبت 3 أكتوبر 2015 - 10:15 ص

يؤرقنى هذا الفيلم الذى نسيت عنوانه، كما نسيت اسم صاحبه، ولكن أتذكر بلد المنشأ، بولندا، ولا تزال تفاصيله تداهمنى، بوضوح.. بالتأكيد، لأن ثمة ما يستدعى صور الفيلم التى تلمع فى العقل، كلمعان البرق.

فى معهد السينما ببولندا، اتبعت إدارته نظاما صارما: منح كل طالب عدة أمتار من شريط خام، لا يتجاوز زمنه الثلاث دقائق.. ربما اختصارا للتكاليف أيام النظام الشمولى، علما أن الهدف المعلن، الذى تحقق فعلا، هو تعود الطالب على إعادة التفكير فى عمله أكثر من مرة، كى يصل إلى فكرة واضحة، يعبر عنها فى ذلك الزمن القصير، وبالتالى، لا مجال للثرثرة أو الترهل أو التسكع.

ربما يبدو هذا الأسلوب متعسفا، لكنه أدى إلى ظهور مخرجين فى قامة رومان بولانسكى، اختطفتهم هوليوود واستوديوهات أوروبا، وحققوا، داخل بولندا، عشرات الأفلام التى تنتزع جوائز مهرجانات دولية.

أما عن الفيلم المذكور أعلاه، فإنه يدور فى مكان واحد، وبكاميرا تكاد تكون ثابتة، وبمؤثرات صوتية نسمعها أكثر مما نسمع حوارات متلاشية.

المكان: رصيف أمام صاج دكان مغلق.. شاب منكوش الشعر، نحيل، يهتف للحرية .. أصوات مظاهرة قريبة، ثم صوت عربات وسارينات شرطة وإطلاق رصاص وأقدام متدافعة من وراء الكاميرا.

يدخل الكادر ثلاث عساكر ضخام الأجسام.. بأيديهم المدربة، فى عدة ثوان، يكممون فم الشباب، ويكبلون قدميه ورسغيه.. أصوات المظاهرة تخفت وتتلاشى.. هذا المشهد يستغرق أقل من دقيقة، ينتهى باللون الرمادى يغرق الشاشة.

تفتح عدسة على ذات المكان، والشاب منهكا، وحيدا.. يقترب منه شرطيان، يبتسمان له هذه المرة، يحلان وثاق يديه، يفككان الكمامة من حول فمه.. أحدهما يربت على كتفه، الآخر، بحركة سبابة كفه الأيمن يبدو كما لو أنه يلقى بأوامر مشبعة بالنواهى.

عقب هذا الجزء الذى لا يستغرق أكثر من دقيقة، يجرى اعتام الشاشة، قبل أن يأتى الجزء الأخير، على ذات المنظر، من دون الشرطيين.. الشاب، يقف وحيدا، يتقافز بقدميه المكبلتين، رافعا ذراعيه، مغتبطا، هاتفا: الحرية، لقد أصبحت حرا .. نلت حريتى.

هذه النهاية الصادمة، تأتى كمطرقة على الرءوس، تدفع المتابع، عقب الإفاقة، إلى التفكير فيما إذا كان الشاب، لم ينتبه إلى أنه لا يزال مقيدا، أم هو قد امتثل لأوامر الشرطى؟

أيا جاءت الإجابة، يبقى الفيلم الذى عرض فى مهرجان ليبزج، فى بداية السبعينيات، زاهيا، فى ذاكرة من يشاهده.. قد يعلوه ضباب مرور الزمن، ولكن بالتأكيد، يسطع فجأة، بدون إرادة أو استدعاء، حين تأتى اللحظة المناسبة.

بالنسبة لى، كانت «اللحظة المناسبة»، هى إعلان العفو الرئاسى عن مائة من شباب السجناء، حيث داهمن الفيلم الذى لم ينغص على الإحساس بالسعادة، من أجل المفرج عنهم وحسب، بل رأيت فى الفرحانين، تنويعة تستحق الرثاء، على ذلك الشاب الغر، المنكوش الشعر، المتقافز جزلانا بالحرية، من دون أن ينتبه إلى أقدامه المقيدة بالأغلال.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات