حتى لا تبقى السجون خاوية - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا تبقى السجون خاوية

نشر فى : الخميس 3 نوفمبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الخميس 3 نوفمبر 2011 - 9:20 ص

من قال لك إن أبواب السجون يمكن أن يأتى يوم وتوصد، أو تخلو من «المظاليم»، من قال لك إن تصنيف «السجين السياسى» يمكن أن ينتهى ولا يبقى فى السجون سوى المجرمين المدانين بأحكام واثقة مستندة لدلائل وصادرة من قضاء مستقل وطبيعى؟

 

لابد أن تدرك أن السجون صناعة مثل أى صناعة، لها آليات تشغيل، هل تعتقد أن سلطة يمكن أن تستثمر مليارات الجنيهات فى بناء سجون أو ترثها على حالها، ثم تتركها خاوية على عروشها كالفنادق السياحية فى موسم كساد؟ هذه السجون لابد أن تبقى، وهذه الزنازين التى يقبع فيها السياسيون وأصحاب الرأى لابد أن تحقق نسب إشغالها وإلا ربما حوكمت السلطة بإهدار المال العام.

 

هذه ليست سخرية بقدر ما هى توصيف لواقع تاريخى مستمر، يتغير فيه كل شىء، الأيديولوجيات والوجوه وأنظمة الحكم وأشكال الطغاة والقوانين ومواد الدستور، كل شىء يتغير إلا السجون والمحاكم الاستثنائية.

 

كان الضباط يوما ثائرين يبغضون السجن وأفعال السجان، بعضهم عاش مرارات الحبس وذاق علقمها، لكنهم حين تمكنوا استبدلوا السجان والسجناء لكنهم لم يهدموا السجون، وحين هدم أحدهم سجنا ليعدك بأن عهد الاعتقال ولى، بنى غيره سجونا كثيرة.

 

كان ضباطنا يوما ثائرين ولم تختف زنازين الرأى، فلمَ تتعجب أن تبقى تلك الزنازين مفتوحة على مصراعيها تستقبل كل يوم عزيزا، حتى بعد أن قامت الثورة، فما بالك بضباط غير ثوريين يؤدون مهمة رسمية بتكليف من «مخلوع أسقطته الثورة» ويتعاملون مع الوطن بثقافة «الإرث الشرعى» وهذه السجون جزء من هذا الإرث، وهذه المحاكم الاستثنائية وهذه اللغة فى وصف الثوار، وهذه الطريقة فى تشويه الخصوم بالطعن فى عقائدهم وقناعاتهم ورميهم بالمطاعن الأخلاقية، ولغة التخوين والأجندات كل ذلك إرث موروث، والابن البار بأبيه من يحافظ على إرثه ووصاياه. 

 

السجون جزء من هذا الإرث، بكل ثقافتها وآليات تشغيلها، بدءا من اختراع العدو، وهو فى الأغلب تنظيم سرى يواجه باتهامات فضفاضة وغامضة، من الإخوان المسلمين المحظورة، إلى شباب الثورة المحظورين، وحتى تجهيز الآليات الاستثنائية للملاحقة من محاكم أمن الدولة طوارئ إلى المحاكم العسكرية، وحتى الأداء الإعلامى المصاحب لهذا الاستثناء من تبريرات الخبراء الاستراتيجيين وحتى التفسيرات القانونية لشرعنة المحاكم الاستثنائية.

 

تقوم الثورات عادة للقضاء على السجان، وتنتهى فإذا بها تستبدله، ربما تتغير هويات المسجونين وأيديولوجياتهم لكن تبقى الزنازين قائمة وتبقى عقلية السجان واحدة وثابتة، فالسلطة أى سلطة ربما تشعر بالعار أو بفقدان الهيبة لو أبقت زنازينها خاوية من المختلفين معها سياسيا، لذلك ربما تخترع العدو من الوهم حتى لا تبقى تلك السجون خاوية!

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات