على هامش «المحاكمة» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على هامش «المحاكمة»

نشر فى : الأحد 3 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 3 نوفمبر 2013 - 10:09 ص

كغيري، لا أعرف ماذا سيحدث غدا، أو بالأحرى الى أين ستصل الأمور غدا. ولكني، كغيري أعرف أن هناك قاعة محكمة، وأرواب سوداء، وصحيفة إدعاء ... وقفص اتهام.

لكم تتسارع بنا الأحداث ... والمشاهد.

بعد ثلاثين عام لرئيس واحد، حاكمنا رئيسين في ثلاثة أعوام.

كسابقتها، ستزدحم القاعة بالكاميرات، وتزدحم الصحف بالصور. وتنته الجلسة.

وكسابقتها، وتحت وهج الأضواء وصخب العامة، ستشكو العدالة من ترقب الخصوم، ومن الأحكام التي تسبق المداولة.

وبعد أيام أو شهور لا أحد يعلم. ستحلق على رؤوسنا الطير، وتتوقف قلوبنا عن الخفقان، في انتظار ما سينطق به القاضي. حكما، يصيح بعدها بالقولة المعهودة "رُفعت الجلسة". والثابت أنه رغم الحكم «أيا ما كان»، ورغم«رُفعت الجلسة»، إلا أن السؤالَ سيظل قائما: حاكمنا الرئيس، أو للدقة رئيسين .. فهل تغير النظام؟.

***

أدمنا اختزال السياسة في الأشخاص؛ هتافات ومواقف وشعارات، بل وأحيانا«بذاءات» على الجدران .. وظننا خطأً أن تغييرَ الأشخاص، أو حتى محاكمتهم يعني - وحده - تغيير الأنظمة«الى ما نريد»... ولم يكن ذلك أبدًا صحيحًا.

أُعدم صدام حسين بعد محاكمةٍ لم يعترف بقاضيها، وأُعدم معمر القذافي وسط الهتاف والتكبير دون محاكمةٍ ودون قاض. كان المشهدان اللذان صُورا بكاميرات الهاتف النقال كافيين ليتأكد الجميع، مما اعتقدوا لعقود أنه مستحيل. ولكنهما لم يكونا كافيين أبدا لإنجاز«تحول ديموقراطي حقيقي» وبناء دولة عصرية تستحقها هذه الشعوب. فمازال العراق بعد عشر سنوات يبحث عن طريق للخروج من نفق يحاول الليبيون ألا يدخلوا فيه؛ نزاعات مسلحة، وتفجيرات، ومخاطر انقسام.

نخطئ جميعًا«الخطأ القاتل»، حين نظن أن«إخراج» الرئيس، أو محاكمته.. أو حتى إعدامه. «يكفي وحده» لتحول ديموقراطي سليم أو صحيح. لا أحد يجادل في أهمية المساءلة، أو المحاسبة. ولكننا نخطئ لو اعتقدنا أن الله بهذا «وحده» قد كفى المؤمنين القتال.

***

أكتب هذا المقال في طريقي الى وارسو، صاحبة التجربة المتميزة في التحول الديموقراطي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ١٩٨٩ والتي كان التزامها بالمعايير المتعارف عليها للعدالة الانتقالية Transitional Justice خارطة طريق صعبة «وطويلة»، ولكن حقيقية للانتقال بمواطنيها الى دولة معاصرة ديموقراطية حديثة. تلك المعايير التي ربما كان علينا أن نعترف أولا وبعد ما يقرب من سنوات ثلاث من الارتباك والتخبط "والحركة في المكان" أنها كانت ضرورية وحتمية، كما هي دائما ضرورية وحتمية لإنجاح المراحل الانتقالية. كما أن علينا أن نلحظ ثانيا، أن المفهوم؛«العدالة الانتقالية»، رغم استقراره بالتجربة في العلوم السياسية الحديثة قد جرى تشويهه لدينا، بحسن نية أحيانا، وربما بسوء نية أحيانا أخرى، بقصد استخدامه في دفع الأمور الى اتجاهات معينة، انتقاما أو تمييزا، أو محاولة لطمس ما جرى ونسيانه، مما لن يحول للأسف دون تكراره وإن اختلفت اللافتات أو الشعارات أو أصحاب المصلحة. فكان، كما أشرنا من قبل أن غاب المفهوم، كما غاب معناه ومقتضياته، عن من أوكلت إليه إدارة البلاد، سواء بقرار من رئيس الجمهورية تلاه رجل مخابراته (١١ فبراير ٢٠١١) أو بقرار من ناخبين ذهبوا الى صناديق الاقتراع بعد سبعة عشر شهرا كاملة مستنزفين ومرهقين «ومضطرين» للاقتراع استبعادا لمن لا يريدون، وليس رغبة فيمن حقًا يريدون (يونيو ٢٠١٢)، ونتمنى أن لا يغيب ثالثة عن اهتمامات مرحلة جديدة نحاول فيها«بصعوبة» أن نمضي قدما نحو ما كان الناس قد خرجوا فعلا يطالبون به في الخامس والعشرين من يناير.

كنا قد حاولنا مرارا أن نلق بعضا من الضوء على مفهوم«العدالة الانتقالية» الذي مازال ملتبسا عند كثيرين. وأظن، أن التذكير بالمفهوم ومقتضياته وآلياته قد يكون واجبا الآن أكثر من أي وقت مضى.

لن نضيف جديدا، وإنما نذكر بما يشير اليه المفهوم، حسب تعريف الأمم المتحدة (٢٠٠٤) وحسب ما تذهب اليه الخبرة المتراكمة لدارسى تجارب الانتقال الديمقراطى، سواء فى مرحلة ما بعد الحرب الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) أو سقوط جدار برلين (١٩٨٩)، أو تلك المتميزة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. يعنى المفهوم ببساطة: مجموعة الأساليب والآليات التى يستخدمها مجتمع ما فى فترة انتقالية فى تاريخه (بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب) للتعامل مع تركة من تجاوزات الماضي، تضمن عدم تكرارها، ولضمان تحقيق العدالة «بمفهومها الأوسع»، ولتوفير مقتضيات الانتقال «السلمى والآمن والحقيقى» من الحكم السلطوى لنظام قمعى داخل البلاد إلى نظام ديمقراطى حقيقى يشعر فيه المواطنون «بالعدالة».

ليس في ذلك جديد، كما قد لا يوجد جديد في التذكير بما أشرنا اليه قبل ذلك، من أنه ورغم حقيقة أن هناك "خصوصية" لكل حالة، وأن لا دواء واحد يمكن وصفه بـ«الجرعة ذاتها» لكل المرضى وإن تشابهت الأعراض. إلا أن هناك دائما عناصر أساسية لابد من الأخذ بها، وإن اختلفت التفاصيل. وللعدالة الانتقالية (الانتقال الديموقراطي) حسب ما تقوله الكتب خمسة عناصر (أستأذنكم في التذكير بها كما هي):

أولا: الكشف عن الحقيقة «الكاملة» على قسوتها، ليس بهدف التشهير أو الانتقام، وإنما بهدف بناء وعى جمعى «مستَنكِر» لما جرى من انتهاكات بشكل يجعل من الصعب تكرارها فى المستقبل. وكذلك بغية التوثيق لمرحلة مهمة فى تاريخ المجتمع يمنع تزويرها أو إعادة كتابتها مستقبلا.

ثانيا: المحاكمات: أخذا فى الاعتبار أن المحاسبة هنا ينبغى أن تتجاوز ما هو جنائى «له اشتراطاته» إلى ما هو سياسى، من قبيل الفساد والرشوة وتزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية... الخ. ولنظام يوليو ١٩٥٢ تجربة مهمة في هذا المجال، بقانون أحكم السنهوري صياغة مواده قبل ستين عاما (قانون رقم ٣٤٤ لسنة ١٩٥٢ المعدل بالقانون رقم ١٧٣ لسنة ١٩٥٣،والمسمى «بقانون الغدر».)

ثالثا: التعويض وجبر الضرر: ولا بد هنا للأسف أن نأخذ بالحسبان أن الكثير من الانتهاكات التى حصلت فى الماضى لا يمكن بالضرورة استرجاعها، أو التعويض عنها. كما لا بد من أن ندرك أن جبر الضرر يتجاوز بكثير «التعويض المادى» أيا ما كانت قيمته. وفى هذا تفصيل كثير.

رابعا: الإصلاح المؤسسى: لا يمارس النظام ظلمه أو تجاوزاته الا بالاعتماد على مؤسسات الدولة التى تصبح تدريجيا أدوات لقمعه؟ وتقول التجارب إنه لا يمكن استيفاء متطلبات التحول الديمقراطى دون وجود تصور متكامل وواقعى لإصلاح ثلاث مؤسسات يعتمد عليها النظام المستبد عادة، فتصبح تدريجيا أدوات لقمعه. وهي مؤسسات (الأمن والقضاء والإعلام)، مع ملاحظة ما أشرنا اليه سابقا:

١ـ ألا يعنى هذا الإصلاح «هدما» لتلك المؤسسات.

٢ـ ألا يكون معنى الإصلاح مجرد «تغيير للولاءات» من السلطة القديمة إلى السلطة الجديدة.

كيف يكون الإصلاح إذن؟ لن نحتاج إلى «إعادة اختراع العجلة»، فالدراسات كثيرة جدا فى الموضوع. ومنها بالمناسبة الجهد المتميز للصديق حســام بهجت (من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) لكيفية إصلاح الأجهزة الأمنية، وهي المحاولة التي ضلت طريقها رغم تقديمها لمسؤولي الإخوان عندما كانوا في الحكم. كما أن منها مشروع قانون "السلطة القضائية" الذي كان قد أعده (مع آخرين) المستشاران مكي والغرياني قبل سنوات، وضل طريقه أيضا في المجالس التشريعية التي إختارت أن تشغلنا بدلا من ذلك بمعركة "وهمية" حول قانون المواد الأربع الشهير.

***

وبعد ..

نتهم مبارك، كما قالت صحيفة الاتهام باستغلال نفوذه للحصول على فيللتين بشرم الشيخ (!)

ثم نتهم مرسي، كما تقول الصحف باستغلال منصبه «للتخابر مع حماس» (!)

ننشغل بتكييف الاتهامات والدفوع والمذكرات. ويبحث المحامون عن قانون مهجور هنا، أو فقرة منسية في قانون هناك. ننقسم يوميا حول إجراءات المحاكمة، ثم حول الحكم، الذي يريده كل منا بالطبع«على هواه». وننسى، كما نسينا من قبل أن«النظام» لم يتغير بعد، وأن«الثورة»، إن أردنا تعريفًا أكبر من ذلك بكثير، والتغيير، إن أردنا تحقيقًا، أبعد من ذلك بمراحل.

ننشغل بالمحاكمتين، صورا ومشاهد ومشاجرات. وننسى أن الأولى بالانشغال هو النظام الذي طالب الناس بتغييره في ٢٥ يناير فلم يتغير، لا بانتخاب مرسي ولا بخروجه، رغم احتفالات الحادي عشر من فبراير ٢٠١٢، أو تلك في الثالث من يوليو ٢٠١٣ وإن تمنى الكل ذلك. إذ لم تكن الأمنيات أبدًا كافية«لحرث الأرض»، ناهيك عن إنباتها٠

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات