نحو إعادة بناء الدولة المصرية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو إعادة بناء الدولة المصرية

نشر فى : الإثنين 3 نوفمبر 2014 - 8:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 نوفمبر 2014 - 8:05 ص

الآن ونحن على أبواب إنجاز آخر مراحل خريطة طريق استكمال النظام الرسمى للدولة، بعد أن تمكن الشعب من إسقاط نظامين قادا الدولة إلى حافة الهاوية، بات علينا الإعداد بعناية للمرحلة الأخيرة التى يسلم الشعب إلى ممثلين ينوبون عنه فى العمل على حسن سير المنظومة الرسمية، لإعادة الاستقرار والازدهار وجنى ثمار الكفاح الذى عملت عناصر داخلية وخارجية، ومازالت وستظل، تسعى إلى تحويله إلى فوضى عارمة من أجل هدم الصرح الشامخ الذى تؤهل له سلامة عملية إعادة تنظيم الصفوف ليضع مصر فى الموضع اللائق بها داخليا وعلى المستويين الإقليمى والدولى.

ويقينى أن الإصلاح المطلوب ليس سياسيا ولا اقتصاديا ولا أمنيا، بل هو فى الأساس وبالضرورة إصلاح مجتمعى، يقوم بتنظيف وتوظيف القاعدة الثقافية، التى تعبر بصدق عن جوهر أسمى ما وصل إليه تطور تعامل شعب بنّاء للحضارات بطبيعته، وصامد أمام غزوات ثقافات سقيمة حاولت إجباره على الخروج من جلده لإيقاف مسيرته البناءة والرائدة، من أجل إعادة تنظيم المجتمع لطور جديد تنتقل إليه الحياة البشرية من تعامل مع المادة ليزيد من صلاحيتها لإشباع حاجاته المختلفة، إلى التركيز على النفس البشرية لتكون هى كأداة وكمستفيد. وانتقل الفكر إلى ظاهرتين: أولاهما الثورة التكنولوجية التى أدخلت تغيرات جذرية على المعلومات والاتصالات لتقوم عليهما ظاهرة العولمة؛ والثانية الانتقال من المفاهيم التى نظرت إلى التنمية من منطلق مادى فى إطار اقتصادى اجتماعى، يستغل الموارد المادية ويعامل الإنسان كمورد، بل وكسلعة تباع قدراتها وتشترى، إلى مفهوم التنمية البشرية المستدامة، فيها البشر ليس فقط الأداة والمستفيد، بل هم موضوع التنمية الأساسى، وتلحظ فى الوقت تعاقب الأجيال واضعة نصب عينيها حقوق الأجيال القادمة فى التمتع برفاهة لا تقل عما هو سائد، بل تعمل على تمكينها من الارتقاء بمستوى عيشها. وهى بذلك تتوافق مع مطالبة الثورة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، للأجيال المتعاقبة.

ومن هنا أصبحنا فى حاجة ماسة إلى حوار جاد وهادئ ومتعمق بين مختلف التيارات الفكرية وبخاصة التشكيلات الحزبية التى نشأت فى ظل أنظمة غير مستندة إلى تلك الأسس، فتاهت بين صراعات ترتبت على ردود أفعال متسرعة لأحداث عشوائية، وتسترت جميعا وراء رفع شعارات الثورة لاكتساب شرعية الوجود، وكرست معظم جهودها لتلميع أسماء أشخاص، وليس لتعميق فهم وخدمة مكونات شعبية متفاوتة المصالح الجماهيرية فى ظل اتفاق جماعى لا يتزعزع حول صالح عامة لدولة المستقبل. وكأى بنيان جديد علينا أن نكرسه للقضايا الهيكلية التى تشكل البنية الأساسية لدولة المستقبل، تاركين تفاصيل توظيف أدوات تلك البنية فى مرحلة تسيير أمور الدولة، التى تتمايز فيها الأحزاب ببرامج تفصيلية تعكس رؤيتها بشأن تحقيق الأهداف التى تكتسب بطرحها ثقة الجماهير صاحبة القول الفصل. ويتم ذلك فى إطار قيود يسلم بها الجميع، وهى أحكام الدستور، والمواثيق التى أقرها المجتمع الدولى، وفى مقدمتها حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وإن جرى حوار حول تفسيرها، ربما يفضى إلى تعديلها مستقبلا.

فى ضوء العرض السابق يكون أول مجال يدور حوله الحوار هو المجال الثقافى، بشقيه: السلوكيات والمنتجات الثقافية. وطبيعى أن يتناول هذا التفاهم على تحديد المصادر التى تضمن سموها وتوافقها على كل من المستويين القومى والإقليمى، وصيانتها من مخاطر الغزو الثقافى بكل أشكاله ومن مختلف مصادرها، لاسيما فى ظل تنامى آليات العولمة. ومن المفيد أن تعرض على الحوار دراسة موجزة حول مآخذ ممارسات نظام مبارك لعملية تجريف متعددة الأوجه والأدوات، وما تعرض له المجتمع فيما بعد 25 يناير 2011. ويجب الاتفاق على قواعد إطلاق طاقات الإبداع للمنتجات الثقافية وخاصة الفنون بكافة أشكالها لتسهم فى إحداث نهضة ثقافية تكفل لمصر وضعا عالميا متميزا فى التطوير الحضارى القادم. من جهة أخرى يجرى تناول الضوابط التى تحكم مصادر اكتساب المعارف الثقافية وفى مقدمتها الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعى دون حجر على حرية التعبير التى تصب فى تدعيم مسار النهضة القومية.

يلى ذلك تناول أبعاد إعادة التنظيم الاجتماعى، بأبعاده المختلفة: الفرد، والتشكيلات الاجتماعية، والكيانات الإقليمية. فبالنسبة للفرد يدور الحوار حول كيفية إكسابه القدرة على الإسهام فى بناء المجتمع وتسيير شئونه والتمتع بنوعية حياة دائبة الارتقاء. كما يشمل النظر إلى الجانبين النوعى والعمرى، بما يعنيه موقع المرأة والرجل من الكيان الاجتماعى المتطور، والعلاقة بين الأجيال آخذين فى الاعتبار دور الشباب الذى ساده نوع من الضبابية فى أعقاب حمله لواء الثورة، ومتطلبات تنشئة الأطفال ليكونوا شبابا فاعلا، ومراعاة ظاهرة شريحة الشيوخ التى تزداد نسبتها عالميا مع تقدم الرعاية الصحة. ويتعرض هذا المجال إلى الممارسات التى تفسر حقوق الإنسان كعملية تضاد مع الدولة، والضوابط التى تحكم الدولة فى تعاملها مع الفرد.

وبالنسبة للتشكيلات الاجتماعية يقتضى الأمر التركيز على القواعد الحاكمة للمجتمع المدنى وقواعد عملها والرقابة على نشاطها فى توازن دقيق بين المجتمع والدولة، وتأمين مصادر التمويل التى تحمى العاملين فيها من الانزلاق إلى الارتزاق بدون وجه حق، وكيفية تفعيل ما تتوصل إليه من توصيات، وضمان العدالة فى تغطية أنشطتها بين أعضاء الفئات الاجتماعية ذات العلاقة، والدقة فى ترتيب أولوياتها بالاتفاق مع متطلبات الأنشطة المجتمعية الأخرى، ولاسيما الثقافة. وفى جميع الأحوال يجب أخذ البعد الإقليمى فى الاعتبار ووضع أسس التعامل معه، بما فى ذلك التفاهم حول قضايا اللا مركزية التى تسمح بارتياح كل مجتمع إقليمى إلى ما تتبناه الدولة من نشاطات وتحميه من النزعات الانفصالية. ويلحظ فى هذا حماية نواب الدولة من الانشغال بحل مشاكل لأفراد وإغفال مصالح دوائرهم ومصالح الدولة.

وتظل الشئون الاقتصادية فى مقدمة الاهتمام، مع تفادى الحوار حول المشاكل الآنية، والانشغال بمشاريع وكيفية تدبير تمويلها، أو الجدل حول الانضمام إلى مجموعات دولية كالنمور أو الدول الصاعدة، بل يجب استكمال متطلبات تعزيز التشابك الاقتصادى الداخلى قوميا وداخليا، حتى يكون لكل نشاط جديد آثاره المضاعفة على باقى الاقتصاد، بما فى ذلك الأنشطة المرتبطة بالعالم الخارجى. ويجب الاتفاق على الربط بين القضايا الحاكمة التى تهدد التقدم بل وربما الوجود، كقضايا الطاقة والمياه والغذاء، أخذا فى الاعتبار ما يتوافر لدى الدول الأفريقية من موارد، ورفع مستوى الشراكة مع أوروبا إلى الاعتماد المتبادل، لا الجرى وراء العون المالى والمعرفى. ويجرى فى هذا السياق مناقشة قضية رأس المال المعرفى كأصل يتفوق على رأس المال النقدى والمادى، بما فى ذلك محددات الانتقاء والارتقاء بتطوير معارف تتميز بها مصر عالميا. وفى ضوء هذا يعاد النظر فى جدلية العام والخاص، والاتفاق على قواعد إكساب الدولة قدرة على توجيه النشاط الاقتصادى برمته.

ولا جدوى من حوار يهمل قضية العلاقات الدولية التى تعالج حاليا من زوايا محدودة ووفق مفاهيم مغلوطة حول الاستقلال والاعتماد المتبادل، ووضع قواعد بناء دور ريادى مع الأقاليم المحيطة بنا: العربى وما يحيط به فى آسيا، والأفريقى، والأوروبى، والاتفاق على متطلبات التعامل مع المشاكل التى أنهكت العالم العربى، ليس فقط من ناحية تعزيز الأمن القومى المصرى، بل وأيضا من متطلبات إعادة التماسك والتكامل العربى.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات