طارق عامر وأيديولوجيا تجار الشنطة - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طارق عامر وأيديولوجيا تجار الشنطة

نشر فى : الثلاثاء 3 نوفمبر 2015 - 10:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 نوفمبر 2015 - 10:15 ص

هل يحل طارق عامر محافظ البنك المركزى الجديد أزمة الدولار؟ الإجابة بنعم فى أذهان بعض وجوه مجتمع الأعمال والتجارة فى مصر، اعتمادا على افتراضات، أهمها أن إجراءات المركزى فى الشهور الستة الماضية، قد خنقت الاستيراد ومن ثم الاقتصاد وقد أعاقت تحرك سيولة تقدر بالمليارات فى السوق السوداء، وإن ما هو مطلوب حقا فى المرحلة الحالية هو ببساطة أن يرفع أو أن يخفف القيود على حركة الدولار، وإذا بالمليارات الخضراء تتدفق من كل حدب وصب.

ولكن يبدو أن المشكلة أكبر من المحافظ الجديد بل وأكبر من أدوات السياسة النقدية بشكل عام، وذلك أن سياسة المركزى فى إدارة الصرف الأجنبى لا تعدو أن تكون إدارة للأزمة، يكون الهدف المثالى منها هو الحفاظ قدر الإمكان على الدولارات النادرة بما يحول دون المزيد من الضغط على العملة الوطنية أو يؤدى لنقص شديد فى العملة الأجنبية، بما يؤثر على قدرة مصر على استيراد السلع الأساسية من غذاء ووقود، وهناك فارق كبير بين إدارة الأزمة والتخفيف من وقعها وبين حلها. إن حل أزمة الدولار لا علاقة له بالسياسة النقدية بقدر ما إنه يتصل بتعافى القطاعات الاقتصادية الحقيقية المولدة للدولار، سواء كانت صادرات سلعية «بترولية أو غير بترولية» أو صادرات خدمية «عائدات السياحة ومداخيل قناة السويس» أو تدفقات رأسمالية فى صورة استثمارات أو تحويلات عاملين.

•••

إن مشكلة العملة الحالية تعود فى مجملها لتباطؤ الاقتصاد العالمى وانهيار أسعار البترول العالمية، مع استمرار اعتماد مصر على صادرات الزيت الخام، بالإضافة لتضرر السياحة الوافدة من روسيا، وهى أكبر مصدر للسياحة اليوم فى مصر، التى تضررت فيها قدرة المستهلكين كثيرا مع انخفاض أسعار النفط وفقدان الروبل لما يزيد عن ٤٥٪، وأضيف إلى هذا التباطؤ الاقتصادى الأخير فى الصين مع تعمق أزمة الديون السيادية فى أوروبا، وهما طرفا التجارة الأساسية التى تمر عبر قناة السويس، بالإضافة لكون الأسواق الأوروبية أكبر مجال تصديرى مصرى، وليس بخاف بالطبع أن انهيار أسعار النفط فى السنة الماضية وتورط بلدان الخليج فى مغامرات عسكرية فى اليمن، قد أضعفت من قدرتهم على استئناف التمويل للاقتصاد المصرى.

إن بداية تدهور مؤشرات النمو فى الاقتصاد العالمى، قد وقعت تماما مع بوادر تحقق بعض الاستقرار السياسى والأمنى داخليا فى مصر بعد خمس سنوات من الاضطراب الشديد، لكن رياح الاقتصاد العالمى لم تأتِ بما تشتهى السفن. وهو ما ترك المركزى فى وضع لا يحسد عليه بالمسئولية عن الحفاظ على احتياطى نقدى دولارى متناقص ـ مع انقطاع الدعم الدورى من الخليج ـ وسط علامات على التباطؤ الاقتصادى العالمى، ويضاف إلى هذا مسئولية المركزى الحفاظ على سعر الجنيه فى مواجهة الدولار، لتجنب ارتفاع معدل التضخم فى فترة من الركود الاقتصادى.

•••

إن هذه الظروف قد تتغير ـ والأمل كذلك ـ بما يحقق فرصا لاستعادة نمو القطاعات المولدة للدولار، ولكن فرص التعافى من عدمه مرهونة بالسياسة الاقتصادية عامة ـ وليس النقدية فحسب ـ ومرتبطة بشكل أكبر بتغير الظروف العالمية التى لا سيطرة لصانعى القرار فى مصر عليها فى جميع الأحوال، ولكنها بالقطع لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بمحافظ المركزى الجديد، مع التسليم بما يتمتع به من خبرة وكفاءة عالميتين.

إن هامش المناورة المتاح أمام المحافظ الجديد محدود، ولعله لا يتجاوز فى أهدافه الاستمرار فى إدارة أزمة نقص العملة بذات الطريقة التى انتهجها هشام رامز، أى بتقليل الطلب على الدولار من خلال التقليل من الواردات، والاستمرار فى تخفيض الجنيه، ولكن يؤمل أن تكون إدارة الأزمة فى المرحلة المقبلة بما لا يدخل الاقتصاد المصرى فى دائرة مفرغة، بحيث تؤدى القيود على الواردات ونقص العملة إلى المزيد من الركود فى القطاعات، التى تعتمد على المدخلات المستوردة، بما يحول دون قدرتها على توليد العملة الصعبة.

وهو هدف من الممكن إنجازه عن طريق تحويل القيود غير الرسمية التى فرضها المركزى فعليا على الواردات، من خلال الحد الأقصى للإيداع ومن خلال التعليمات الشفهية للبنوك فيما يتعلق بفتح خطابات الضمان لقطاعات دون أخرى ـ إلى قيود رسمية ومعلنة أى أن ينتهج المركزى سياسة انتقائية، يخفف فيها القيود على بعض الأنشطة والقطاعات دون أخرى بمعايير معلنة سواء كانت القدرة على توليد العملة الصعبة أو حجم العمالة أو الأهمية الاستراتيجية، ويمكن أن يحدث هذا من خلال سبل كاستخدام القيود الحمائية المؤقتة، طبقا لاتفاقية الجات ١٩٩٤، وهو الرأى الذى قال به الدكتور جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد، خاصة أن مصر تعانى بالفعل من تخفيض كبير للعملة فى وقت قصير نسبيا، كما تواجه اختلالات كبيرة فى ميزان المدفوعات، ويتماشى مع هذا تحديد حصص من العملة الصعبة للأنشطة المولدة للعملة الصعبة، التى تحتاج لمدخلات إنتاج مستوردة سواء أكان هذا للصناعات التصديرية أو الصادرات الخدمية، بالإضافة لإمكانية التوصل لاتفاقات خاصة مع كبار المستثمرين الأجانب بما يخفف من القيود على تحويل الدولار، على نحو يمكنهم من استئناف استثماراتهم فى مصر.

•••

إن مثل هذه الإجراءات الجزئية هى المتاح فى المرحلة الحالية. أما إزالة القيود كليا على حركة الدولار والاستيراد، فلن تؤدى إلا إلى تفاقم الوضع وتآكل الاحتياطيات بشكل أسرع، وستنعكس على العجز فى ميزان المدفوعات، وهو أصل الإشكال أما أن يكون هدف بعض المستوردين تخفيف القيود على تداول الدولار فى المدى القصير لإنقاذ أعمالهم دون النظر إلى عدم استدامة هذه الخيارات فهو أمر لا يجوز أخذه فى الاعتبار عند وضع السياسة الاقتصادية العامة.

التعليقات