رسالة إلى قارئ شاب - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة إلى قارئ شاب

نشر فى : الجمعة 3 نوفمبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 3 نوفمبر 2017 - 9:20 م
لى صديقٌ فى مستهل العشرينيات من عمره، شغوف بالقراءة ومحب لها وإقباله على اقتناء الكتب ذى حماس عظيم، يتابع ما أكتب باهتمام محمود وحسن ظن مشكور، يتواصل معى دائما ويعلق على ما أكتب ويراسلنى بانتظام، يسألنى أحيانا عن كتاب يبحث عنه أو كاتب يريد أن يقرأ له، لكنه دائما ما يتفضل ويسألنى عن نشاط القراءة ذاتها، ماذا يقرأ؟ وكيف؟ وما هى الطريقة المثلى التى تتيح له أن ينظم قراءاته.. إلخ تلك الأسئلة التى مرت علينا جميعا، ومرت على من سبقونا، وستمر على من سيأتى بعدنا؛ إنها أحد قوانين ممارسة هذا النشاط المعرفى!

وجدتنى أتحمس لإجابته كثيرا وأستفيض وأشرح ويتشعب الحديث.. ثم كتبت له رسالة موجزة أخبره فيها بأننا كلنا ذات يوم كنا مقبلين على القراءة بشغف وجنون، هى التى تملك علينا حياتنا وأوقاتنا، نتنقل بين كتاب وكتاب كما تتنقل النحلة بين الزهور المختلفة ألوانها ورحيقها، وتمر الأعوام وإذا بهذا الشغف يتضاعف وينمو على نار ناضجة، تفعل السنوات فعلها ويترسب فى الوعى ما يقود نشاط القراءة وينظم ممارستها ويجعل العائد منها أعظم ما يكون.

تخيلتنى أخاطب قارئى الشاب ــ كنت مثله وأنا فى العشرين أو يزيد قليلا ــ وأقول له بمحبة:
أنت شاب مجتهد، أرى فيك شيئا كبيرا من حماسى واندفاعى وأنا فى عمرك، معجب أكيد بشغفك وإقبالك الجنونى على القراءة والمعرفة، ولكنى فى الوقت ذاته أخشى عليك من الاندفاع والاستسلام لتيار الحماسة الجارفة الذى يجعلك دون أن تدرى تجمع بين أمور لا يمكن الجمع بينها.

ضبطتُ نفسى مرات على وشك التدخل والتعليق فى أمور استوقفتنى وأنا أتابعك تتحدث عن الكتب التى تقرأها أو تلك التى تريد أن تقرأها، لكنى كنت أتراجع فى اللحظة الأخيرة وأقول لنفسى دعه يجرب، يتحمس، يكتشف، يندفع، يلقى بنفسه فى وسط البحر، فإنه لن يغرق إن شاء الله.

لا أريد أن أطيل عليك، وهذا آخر ما أكتبه وتبدو فيه صيغة نصح أو حتى ما يبدو أنه تقديم مقنع لخلاصة تجربة، هى فى النهاية ملك الذى يقدمها ولا تلزم أحدا سواه، فإذا قبلت منى يا صديقى القارئ الشاب، فدعنى أقل:
ــ الكم فى القراءة لا يعول عليه، أبدا، اقرأ وافهم ما تقرأ جيدا، واجعل همك أن تصوغ سؤالك الخاص من خلاصة ما تقرأ، فإذا أحسنت صياغة السؤال، وضعت قدمك على أول الطريق، وخطوت خطوتك الأولى المباركة.
ــ من أجمل ما قرأت فى حياتى: «اقرأ كأنك الشخص الوحيد الذى كتب له الكتاب.. واكتب كأن العالم كله سيقرأ لك».
ــ لا تتعجل النتائج، اصبر على الغرس والزرع ولا تنتظر الثمرة، استمتع بالمجهود الذى تبذله والاستغراق فى ما تفعله بحب، ستأتى الثمرة وحدها ناضجة شهية.
ــ وازن بين قراءاتك ولا تضع أحدا مهما كان (أكرر مهما كان) محل تجلة أو تبجيل أو تقديس مطلق، أبدا، فهو فى النهاية بشر، له ما له وعليه ما عليه.. احترم من شئت وقدِره، قديما وحديثا، لكن اقرأ دائما أى نتاج، فكرى أو إبداعى، بروح نقدية وذهن متقد وشك دائم وسؤال متحفز.
ــ صدقنى.. أنت بذرة طيبة إذا اعتنيت بما عندك وراعيته على وجهه الأمثل، سيكون لك شأن فى المستقبل القريب بإذن الله.
ــ أخيرا.. اقرأ ما كتبتُه كله لك، ثم ألق به من أقرب نافذة، ودع فقط ما ترغب أنت فى أن يستمر معك من أفكار ومعان بداخلك وبإرادتك وكامل وعيك.. ورحم الله نجيب محفوظ حينما سئل عن النصيحة التى يحب أن يوجهها لشباب الكتاب فأجاب:
«ليس بيننا وصاية بمعنى أننى لا أنصح؛ لأن أجمل ما يُنصح به للأجيال الجديدة ألا يستمعوا إلى نصيحة!! إنما هناك أمورٌ تخرج عن نطاق النصائح وتشبه القوانين العامة مثل دراسة فنك الذى قررت أن تتخصص فيه، تراثا ومعاصرة، ومثل الثقافة العامة، ومثل ما تحتاجه من صبر أمام تحديات غير عادية لم تعرفها الأجيال السابقة»..

المستقبل كله لك وحدك يا صديقى.