صباح.. روح الوئام - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صباح.. روح الوئام

نشر فى : الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 9:25 ص

 فى «إغراء» لحسن الإمام 1957، يؤدى القدير زكى رستم، مع صباح، أحد مشاهده القوية ــ تعتبر ذروة الفيلم ــ حيث تنطلق أشواقه، نحو كل ما هو محروم منه، ويتوافر، بسخاء، عند صباح، خطيبة شقيقه الأصغر، شكرى سرحان.. زكى رستم، العمدة المتجهم، قاسى الفؤاد، يعيش حياة قاتمة، كئيبة، باردة، يملأ بها دواره.. تنقلب حياته رأسا على عقب، إثر حضور صباح، بطباعها المتناقضة تماما مع ما جبل عليه الرجل، فهى بسيطة، شفافة، منطلقة على سجيتها، عاشقة للحياة، تشيع جوا من البهجة على كل من حولها.. لكن لمساتها الحانية، العفوية، تذيب جليد قلب العمدة، وفى نوبة من رعونة تبلغ حد الجنون، يهجم المحروم عليها، فى محاولة يائسة لإطفاء لظى قلبه. يطاردها، يركع على ركبتيه، يقبل قدميها، متوسلا، مهددا، متأججا برغبات محمومة، حتى أن عروق جبهته، تظهر، تنبض، على نحو لا يتأتى إلا من زكى رستم.

فى المقابل، تقاوم صباح، بإصرار وصدق، من دون كراهية، وربما، بشىء من الدهشة، ذلك أنها لم تتوقع أن يكون أثرها فى الرجل، على هذا النحو.. هنا، وكما فى «وكر الملذات»، الذى حققه حسن الإمام، فى ذات العام، يثبت مخرجنا الكبير، إدراكه العميق لخصائص وقدرات صباح، فى الأداء التمثيلى، الذى قد يفتقر التنوع، وتعدد الوسائل، لكن ينهض على المحاكاة الصادقة، العفوية، لطبيعتها فى الحياة.. فسواء فى الواقع، أو على الشاشة، لا تستطيع أن تغضب، على طريقة تحية كاريوكا أو حتى ماجدة، ولا يستبد بها الحزن، وتسيل دموعها، كما فاتن حمامة أو مريم فخر الدين، ولا هى مثيرة للفتنة، مثل هند رستم أوبرلنتى عبدالحميد، ولا تستطيع أن تتآمر، حسب ليلى فوزى أو زوزو نبيل.. لكن، ميزتها الأساسية، تكمن فى كونها «حالة»، تنتقل بطباعها، وشخصيتها، من الحياة إلى الشاشة، ومن فيلم لآخر.. هى، أصلا، وكما ستظهر فيما يتجاوز الثمانين عملا، تتمتع بطاقة محببة من البهجة، الرضاء، الأمل، الشغف بالحياة، تحاشى الإنزلاق فى مستنقعات الكراهية أو الاستسلام لضغينة.. طوال عمرها، وفى أفلامها، لم تنجرف فى عداوات ضد أحد، اللهم إلا بعض المشاغبات الطريفة، مثل ذلك الكدر العابر الذى اندلع بينها وتحية كاريوكا إثر زواجها من رشدى أباظة، وانتهى سريعا ــ الكدر والزواج ــ وعلى الشاشة، تتنازع مع منيرة سمبل، من أجل الاستيلاء على قلب عبدالحليم حافظ، فى «شارع الحب» لعز الدين ذو الفقار 1958.

فى منتصف الأربعينيات، جاءت صباح إلى القاهرة، وكان الحظ الطيب ــ حليفها الدائم ــ فى انتظارها، فالسينما المصرية، أيامها، ازدهرت بالأفلام الاستعراضية، الفضائية، المعتمدة على الرقصات والألحان، أكثر من تمسكها بقوة الأداء التمثيلى، المتوافر أيضا، فى الأدوار الثانوية.. صباح، الفتاة العذبة، المنطلقة على سجيتها، سريعا، تغدو قاسما مشتركا مع أفضل المطربين وأكثرهم شعبية: بعد فريد الأطرش فى «بلبل أفندى» لحسين فوزى 1948، تقدم مع محمد فوزى، ومن إخراج حلمى رفلة «الحب فى خطر» 1951، «فاعل خير» 1953، «الأنسة ماما» 1955.. وتستمر، بصوت يزداد نضجا مع الأيام، ومع ألحان أصحاب المواهب الكبرية: محمد الموجى، بليغ حمدى، كمال الطويل.. وطبعا، محمد عبدالوهاب.. وهى أغانى، بالإضافة لجمالها فى حد ذاتها، تعوض ذلك الضعف الذى قد تلمسه فى أداء تمثيلى، لا علاقة له بالانفعالات الحادة، أو المركبة، وظل مقترنا بطباعها التى لم تتغير أو تفتر، عنوانها، المحبة والبهجة ومصالحة الحياة.. والبشر

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات