حتى يغيروا ما بأنفسهم: 2- المدرسة والتلميذ - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى يغيروا ما بأنفسهم: 2- المدرسة والتلميذ

نشر فى : الخميس 4 يناير 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 4 يناير 2018 - 9:15 م

التغيير «عدوى صحية» أو «صحة معدية» إذا جاز هذا التعبير. فلا يتصور أحد إمكانية إحداث تغيير ملحوظ بالأمر أو النهى أو القانون أو العقاب والبطش، فكل ذلك لا يفتح الأبواب للتغيير، ولا يخرج الأمة ــ أى أمة ــ من الظلمات إلى النور. وما أكثر الظلمات التى أحاطت بحياتنا، ظلمة الجهل والجهل المركب والجهل المضاعف، ظلمة الانطواء والانسحاب والهروب من مواقع الجد، ظلمة العجب بالنفس دون مبرر، ظلمة التزعم وتضخم الذات، وما أظننى قادر على حصر هذه الظلمات، فقد تراكمت بعضها فوق بعض وأصبحنا جميعا فى مسيس الحاجة إلى اكتشاف هذه الأمراض والتعافى منها وإعداد النفس وتقويتها للحاق بركب الحضارة الواعدة التى تفيد الإنسان وتنفعه بغير ضرر ولا ضرار.

ــ1ــ

فليبدأ كل إنسان بنفسه داخل بيئته (العائلية/ التخصص/ المهنة أو الحرفة/ الأصدقاء)، ففى القرآن الكريم يوجه الله جل جلاله شديد اللوم لبنى إسرائيل ــ من قبلنا ــ فيقول: ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم..)). لابد من تعاطى الدواء وتجريبه على النفس قبل وصفه أو فرضه، فإن المتلقى لن يثق فى دواء لم تستعمله، إذ أن عدم استعمالك له يدل إما على عدم اقتناعك به، أو عدم تحملك له، أو عدم جدواه. لذلك بعث الله الأنبياء أسوة وقدوة وكلفهم قبل أن يكلفوا الناس، كما أنه سبحانه قد اختار هؤلاء الأنبياء شخصيات «تحكم نفسها» وعبر القرآن عن أهمية التزام القائد قبل التابع بقوله تعالى: ((الله أعلم حيث يجعل رسالته)).

ــ2ــ

لذلك فمن المستحب أن يبدأ التغيير خطوة خطوة فى البيت والمدرسة والمسجد، وهذه هى بيئة زرع القيم وإنباتها. لابد فعلا أن تمارس المدارس «التربية العقلية»، فالأطفال يقضون معظم أوقاتهم فى الحضانة أو المدرسة فلابد من استعادة المدرسة لدورها التربوى. وقد يسأل البعض كيف؟ وأين الميزانية؟ وأين الآليات والأدوات؟ وماذا يرجى وتلاميذ الفصل بين 50 ــ 60 تلميذًا؟ نعم فكل تلك العقبات قائمة لا ننكرها، ولكنها ليست عقبات مفروضة أو ظروف قسرية.. كل فالمخرج الآمن موجود والحلول الملائمة متاحة بل وغير مكلفة.

ــ3ــ

نعم فالحلول موجودة وغير مكلفة. وأبدأ فأقول أن نظرة دقيقة على مقررات المواد التى يتلقاها التلميذ تؤكد أن كثيرا من هذه المقررات لا تحتاج إلى فصل ومدرسة ومدرس لأنها معلومات عامة يسهل تلقيها بواسطة «التلفاز وبرامجه التعليمية. لابد من استخدام واستثمار هذه الثورة الرقمية استثمارا فعالا حيث نقسم مقررات المواد إلى قسمين متقاربين أحدهما يتلقاه التلميذ فى المدرسة وفى الفصل لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا، والمواد النظرية الأخرى يتلقاها التلاميذ خلال البرامج التعليمية بقوالب وأشكال متعددة. وهكذا يمكن تخفيض عدد التلاميذ فى الفصل الواحد إلى 50 % بحيث يحضر كل نصف منهم ثلاثة أيام أسبوعيا. وهكذا يخف الحمل على المدرس وعلى التلميذ وعلى المواصلات. ثم يوجه التلاميذ بعد سن العاشرة إلى مواقع الحرف والإنتاج لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا ــ هكذا يتمتع التلميذ مبكرا بيوم دراسى مريح، كما يتمتع بدفء عائلى، وكذلك سيتعرف على ما حوله من مؤسسات المجتمع وعلى الحرف والمهن التى سوف يجد نفسه فى أحدها ويبدأ فى تنميتها.

ــ4ــ

أما درس التربية الدينية ــ وما أدراك ما التربية الدينية ــ فلماذا هذا الحمل الثقيل على المدرسة بينما المساجد والكنائس فارغة وربما مغلقة فى ساعات الصباح؟! قد يسارع بعض المتوجسين فيحذر من تعددية ومذهبية وتطرف إلخ.. هذه القائمة التى سئمنا منها. فوزارة التربية والتعليم مع الأزهر من ناحية ومع الكنيسة من ناحية أخرى هى وحدها المسئولة عن المنهج والمقرر، والمساجد والكنائس مفتوحة وليست تحت الأرض. فلنجرب فربما استطعنا تخفيف الحمل وتوفير ميزانيات وتجديد الخطاب فى التربية والتعليم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات