الذين يستشهدون .. والذين يتغولون - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذين يستشهدون .. والذين يتغولون

نشر فى : الأربعاء 4 فبراير 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 فبراير 2015 - 8:15 ص

هل نحن فى حرب؟

للسؤال تحدياته واستحقاقاته، فلا يمكن الحديث عن حرب فى سيناء مرشحة أن تطول وأن يسقط فى معاركها شهداء آخرون دون أن تتوافر تغطية سياسية تكافئ أخطارها المحتملة.

التغطية السياسية لازمة لتعبئة كامل قدرات المجتمع لمواجهة الخطر الإرهابى وحصاره وهزيمته بـ«الضربة القاضية الفنية»، ففى مثل هذا النوع من الحروب لا هزيمة أخيرة ولا معركة حاسمة.

ما هو عسكرى وأمنى دوره أن يخفض مستويات الخطر بأقصى قدر ممكن وأن يوقف أية نقلات نوعية جديدة فى العمليات الإرهابية كالتى جرت أخيرا فى شمال سيناء وأسقطت أعدادا غير مسبوقة من الشهداء والمصابين، ففى مثل هذه النقلات النوعية مشروع تمركز على الأرض وفق السيناريو «الداعشى».

من نقلة نوعية إلى أخرى فهناك مشروع سياسى يطرح نفسه بقوة العنف لتأكيد حضوره الميدانى تحت عنوان: «إمارة سيناء».

فى التحاق «أنصار بيت المقدس» بـ«تنظيم الدولة الإسلامية» محاولة لإلحاق سيناء بالمصيرين السورى والعراقى.

ولم يكن وصف الذين تولوا حادث شمال سيناء بـ«أسود الخلافة» جملة عابرة وردت فى بيان يعلن مسئولية تنفيذه.

ورغم أن فكرة استنساخ تجربة «داعش» فى سيناء شبه مستحيلة لأسباب كثيرة من بينها قوة الجيش المصرى وأن دولته ليست فاشلة، فالإرهاب يتوغل حيث تفشل الدول وتتفكك جيوشها، إلا أنها مكلفة ومرهقة وسوف تأخذ وقتا إضافيا لهزيمتها نهائيا.

بطبيعة هذا النوع من الحروب فإن العمل العسكرى والأمنى يتصدر المواجهة ويتلقى الضربات بالنيابة عن مجتمعه، يحمى ويدفع الثمن، لكنه لا يقدر على تحمل المسئولية وحده.

أول اشتراطات أية استراتيجية متماسكة للحرب مع الإرهاب هو تماسك المجتمع واصطفافه وراء قوات المواجهة بكل الحسم وكل الاقتناع.

وهذا كلام فى السياسة لا الأمن وفى الاستراتيجية لا التكتيك.

أية تغطية سياسة تقتضى إلمام الرأى العام بالحقائق الأساسية وحقائق المواجهة غير أسرارها.

بنفس المعنى فإن الاستراتيجية شأن عام يخضع للحوار والتوافق، وبقدر ما تكون الأهداف معلنة وحقائق الحرب واضحة فإن الاصطفاف الوطنى يقف على أرضية صلبة، أما التكتيك فهو شأن القيادات الميدانية التى تواجه وتخطط وتنفذ.

فى أية استراتيجية متماسكة تطلب النصر فى مثل هذا النوع من الحروب فإن اتساق السياسات مع الشرعية الدستورية أسلم الخيارات وأكثرها أمانا.

أن يتسق أولا الأمن مع الحرية. فلا أمن يتغول ولا حرية تنفلت، والقاعدة الوحيدة لضبط العلاقة بين الضرورتين إنفاذ الدستور وعدم الاعتداء على نصوصه وقيمه. فهذه مسألة شرعية.

ومن حيث المبدأ العام فلا يصح أن نضع المجتمع أمام خيار يدمج الحرب على الإرهاب والتوغل على المواطن البسيط وإهدار كرامته وحياته.

حتى الإجراءات الاستثنائية ينظمها الدستور.

إذا افتقدت الدولة القيم الدستورية والقانونية فإنها تستحيل إلى عصابة تحارب أخرى، وهذا أبشع ما يمكن أن يعترض دولة فى حرب مع الإرهاب.

التغول على الحريات العامة وحقوق المواطنين يسىء إلى أى معنى للتضحية ولكل قطرة دم سالت من شهيد.

بمعنى آخر فإن التغطية الأخلاقية تسبق التغطية السياسية وهى التى تضفى على الأخيرة إلهامها.

فالشعوب تضحى من أجل قيم عليا والشهادة تكتسب نبلها بتقبل الموت من أجل الحياة.

كل مصرى يدرك بيقين أن الذين استشهدوا ماتوا لكى يعيش هو آمنا ومطمئنا ولديه أمل فى المستقبل وأن دعم قوات المواجهة فى هذه الحرب خيار نهائى، وأى كلام آخر يرهن المستقبل للمجهول ويقامر بالبلد كله.

بمعنى آخر فإن الذين يستشهدون قضيتهم تناقض الذين يتغولون على المصرى نفسه الذى فجعته الدماء التى سالت بشرف التضحية.

بعبارة صريحة: التغول مساهمة مباشرة فى المجهود الحربى للإرهاب، فالدول تنتصر بما تتبناه من إرادة سياسية وقيم أخلاقية.

أن تكون قواعد الشراكة واضحة هذه خطوة واسعة للاصطفاف الوطنى تقتضى توسيع المجال العام حتى تكون القضية مشتركة والاستعداد كاملا لدفع تكاليفها، وضخ دماء جديدة فى الحياة الحزبية المتيبسة فأيا كانت الانتقادات حادة للأحزاب الحالية فإنها لا تقوى إلا بالممارسة الديمقراطية والاحتكام الحر إلى الرأى العام، وحل أزمة الدولة مع شبابها لازمة لخفض التوتر السياسى وتهيئة البلد كله لتماسك أكبر بمواجهة الخطر الإرهابى.

فى قواعد الشراكة والاصطفاف حفظ الأمن له أولوية متقدمة، ولا يصح أن يوضع مصير البلد باسم الحرية على المشانق المعلقة.

وهذه مسألة سياسية تخضع للتوافق الحر فهو أقوى وأمتن وأبقى من أية تصورات إدارية.

ما هو مطلوب أن يتقدم الغطاء السياسى لتأكيد قوة الظهير الشعبى.

فالتآكل محتمل فى هذا الظهير إذا لم تسنده تغطية سياسية مقنعة وملهمة، وأن يكون الأداء الإعلامى فى الوقت نفس هاديا ومنيرا لا صاخبا وعشوائيا، فبعض الصراخ أقرب إلى التحريض على الإرهاب باسم الحرب عليه.

وفى اتساق الحقائق بأية استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب فإن قضية العدل الاجتماعى لا مفر من مواجهتها، وهذه مسألة انحياز بقدر ما هى مسألة أمن.

بلا تنمية أو عدل اجتماعى فإن أى تعاف اقتصادى محتمل معرض للاهتزاز، وهذا يستدعى رؤية فى الفلسفة الاجتماعية والخيارات الكبرى، أو أن تكون هناك بجوار الشراكة السياسية شراكة اجتماعية فى الثروة الوطنية وفق القواعد الدستورية.

بكلمات أخرى فإن تعطيل العدالة الاجتماعية شراكة من نوع مختلف فى المجهود الحربى للإرهاب.

عندما تطلب من المواطن البسيط الذى يعانى شظف العيش وعبء رفع الأسعار وسوء الخدمات الحكومية أن يضحى بأكثر مما ضحى وأن يتحمل بأكثر مما تحمل فإنه لابد أن يسأل: لماذا أنا وحدى الذى أدفع التكلفة كلها؟

فهو يرى أمامه مؤسسة فساد تتوحش والمواجهة تتأجل وخراب فى جهاز الدولة يتحمل مسئوليته النظام الأسبق بينما رموزه يتطلعون لاستعادة نفوذهم القديم دون ردع قانونى وسياسى معا.

الخطر الأكبر الذى يجب التحذير منه بلا تردد ولا توقف أن تنزف الشرعية وتتآكل الرهانات فى وقت حرب مع الإرهاب.

بمنطق الحرب وضروراتها لابد أن يستشعر المواطن المصرى البسيط أنه صاحب مصلحة فى الحرب وصاحب حق فى المستقبل، وأية خطوة إيجابية تجاهه دعوة مصدقة للشراكة فى الحرب.

فى النزوع المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين للعنف والإرهاب ما يؤشر إلى مواجهات أعنف، أقل احترافية مما يحدث فى سيناء بالنظر إلى مستوياتها وأكثر خطورة بالنظر إلى أنها فى قلب المجتمع المصرى.

وهذا كله كلام فى السياسة يستدعى الحسم وفق ضرورات الحرب على الإرهاب.

فهناك من يستشهدون ولهم السيرة العطرة فى ذاكرة أوطانهم وجزيل الاحترام بين شعبهم ومن يتغولون على كرامة المواطنين وحقوقهم باسم الأمن فيستحقون الردع بلا هوادة.