شطحات خيال فى البحث عن منقذ - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شطحات خيال فى البحث عن منقذ

نشر فى : الإثنين 4 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 مارس 2013 - 8:00 ص

تذكرت مسرحية للكاتب الإيطالى لويجى بيرانديللو وأنا أتأمل عمق الأزمة التى تواجهها مصر فى الوقت الحاضر والتى ستمتد فى غالب الأحيان أعواما لا نعرف عددها. عنوان مسرحيته ست شخصيات تبحث عن مؤلف، وقد استشهد بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى كتابه «فلسفة الثورة». شخصيات بيرانديللو تبحث عن مؤلف، وجمال عبد الناصر تصور دورا على مسرح السياسة فى الشرق الأوسط يبحث عمن يقوم به، وانتهى إلى أن مصر فى بداية الخمسينيات هى المؤهلة للقيام بهذا الدور، وأتصور أننا فى الوقت الحاضر نعرف ملامح لدور نحن فى أشد الحاجة له، وهو دور المنقذ لنا من أزمتنا السياسية والاقتصادية بل والوجودية التى تزداد حدة مع مرور الساعات، ولكننا لا نعرف من الذى سيقوم بهذا الدور، ويخرجنا مما نحن فيه.

 

•••

 

تصور لو كان بيرانديللو حيا، وهداه خياله إلى أن يكتب مسرحية يحدد فيها مواصفات شخصية المنقذ، وأخذ يتأمل الفاعلين على مسرح السياسة فى مصر، لكى يجد منهم من يصلح لأداء هذا الدور، فماذا ستكون انطباعاته، وماذا سيكون حكمه على هذه الشخصيات، وهل سيجد مخرجا ولو على سبيل الخيال المسرحى للعقدة الدرامية فى مسرحيته.

 

الدور الذى سيتصوره بيرانديللو هو لشخصية تتمتع ببعد النظر، وبالارتفاع عن المصالح الضيقة، وبحبل صبر طويل. هذه الشخصية سوف تستطيع جمع كل الفرقاء المتنازعين فى مصر، وتملك أن تفرض عليهم إقامة جبرية، ربما فى فندق فاخر، أو فى ضيعة منعزلة فى مكان ما على أرض الكنانة يجدون فيها كل أسباب الإقامة المريحة، ولكن إقامتهم فيها لن تطول كثيرا، فعليهم أن يصلوا خلال إقامتهم فيها إلى الحل التاريخى الذى يقبلونه جميعا، لكى تخرج مصر من المأزق الذى تجد نفسها فيه، وهو يملك من قوة الشخصية وجاذبيتها ومن المصداقية ما يجعله يفرض عليهم هذا الالتزام بألا يخرج أى منهم من هذه العزلة الساحرة قبل أن يصلوا إلى اتفاق.

 

لم يجد بيرانديللو فى الرئيس محمد مرسى ولا فى قيادات الإخوان المسلمين ولا حزب الحرية والعدالة من يصلح للقيام بهذا الدور. أداء الرئيس المتردد، وخبرة قيادات الإخوان المسلمين بقواعد إدارة الدولة محدودة. ومصداقيتهم فى الحضيض لكثرة الوعود التى نكثوا بها، وهم مشغولون بالتمكين لأعضائهم فى الإمساك بمفاصل الدولة المصرية دون أن يملكوا رؤية صحيحة لكيفية خروجها من أزماتها الاقتصادية والسياسية، وقد انصرف عنهم تقريبا كل من اقترب منهم أو تحالف معهم أو صدق وعودهم فى مرحلة من المراحل. لذلك هم لا يصلحون للقيام بدور المنقذ.

 

والتفت بيراديللو إلى السلفيين، ووجدهم مشغولين بتصفية خلافاتهم الداخلية، ودرس أفكارهم عن الاقتصاد وإدارة الدولة، ووجدهم أقل استعدادا حتى من الإخوان المسلمين للنهوض بأعباء البطل المنقذ،ربما لم يتح لهم استغراقهم فى قراءة كتب الشريعة وتاريخ الإسلام أن يخصصوا ولو وقتا قصيرا للتعرف على التحديات التى تواجه دولة مثل مصر فى القرن الحادى والعشرين.

 

ومع أن بيرانديللو بحكم خلفيته الإيطالية كان متحمسا للقوى المدنية، وخصوصا جبهة الإنقاذ، والتى وجد بين قياداتها معرفة أفضل بأوضاع العلم فى القرن الحادى والعشرين، واستعدادا أكبر لإدارة الدولة، وخصوصا أن كثيرين منهم خدموا فيها على مستويات متعددة، إلا أن انشغالهم بردود الفعل على ما يقوم به الإخوان المسلمون لم يمكنهم بدورهم من أن يبلوروا رؤية واضحة لكيفية ترجمة شعاراتهم إلى واقع ملموس.

 

وكانت خيبة بيراديللو كبيرة فى القوى الشابة التى تسمى نفسها بالقوى الثورية، فمع أنها تحظى باحترام الجميع للدور الذى قامت به فى بدء ثورة يناير التى انبهر بها كثيرا، إلا أنها عازفة عن الانتقال من موقع المعارضة إلى موقع مسئولية الحكم، كما أنها مشغولة كثيرا بتصفية الحسابات مع النظام القديم الذى سقط دون أن تفكر جديا فيما ينبغى عمله لإقامة النظام الجديد.

 

•••

 

وبحث بيراديللو فى صفوف الجماهير الشعبية عمن يعوض هذا النقص الرهيب فى مهارات الزعامة لدى قيادات النخبة، ولكنه وجدها مستغرقة فى البحث عن لقمة العيش، وترى فى الاهتمام بالسياسة ترفا لا تقدر عليه.

 

وهكذا لم يجد برانديللو بين كل القوى السياسية من يملك المؤهلات الضرورية للقيام بدور المنقذ، ومن ثم لم يجد مفرا من أن يرمى ببصره نحو المؤسسة العسكرية فى مصر، وأخذ يدرس تاريخها، واكتشف أنه على العكس مما عرفه عن المؤسسات العسكرية فى دول أخرى، والتى كانت غالبا أداة لقمع القوى الشعبية وحاميا للطبقات المحافظة عندما لا تستطيع وحدها مقاومة سخط المواطنين على استغلالها لهم، فإن الجيش فى مصر كان طليعة للمواطنين فى الدفاع عن الوطن فى مواجهة الاحتلال الأجنبى والحكم المطلق، والتزم فى السنوات الأخيرة بالدفاع عن قيم النظام الجمهورى أمام من كانوا يريدون تحويل مصر إلى ما يشبه الجمهورية الوراثية. ولكنه وجد ترددا كبيرا لدى قيادات الجيش فى القيام بدور المنقذ. فهم أيضا لا يستطيعون تولى مهمة الحكم فى البلاد، فقد أصبحت مهمة معقدة تتطلب مهارات وخيالات لا تتوافر لديهم، وهم يريدون التفرغ لأداء مهمتهم فى صيانة أمن مصر والذى يتعرض لتهديدات جمة من كل الجهات، من الشرق ومن الغرب، بل ومن الشمال والجنوب، كما أنهم يشعرون بالمرارة لأن تجربتهم القصيرة فى حكم البلاد فى أعقاب الثورة مباشرة كشفت عن سذاجة أو قصر نظر بالغين، مما جعل الناس يخرجون هاتفين بسقوط حكمهم وضرورة عودتهم إلى ثكناتهم.

 

حاول بيرانديللو أن يتعرف على رؤية الفرقاء الآخرين لما يمكن أن يقوم به الجيش فوجد رفضا شديدا من جانب الإسلاميين، وخصوصا من الإخوان المسلمين الذين تشككوا كثيرا فيما يمكن أن يضمره الجيش لهم. ووجد انقساما فى الرأى فى صفوف القوى المدنية والثورية، ووجد ترحيبا بهذه الفكرة وسط الجماهير الشعبية، ولذلك فقد أخذ يقلب الأمر على جوانبه وتساءل بينه ونفسه عما إذا كان يجب أن يعتبر الجيش،  على ضوء خبرته الإيطالية خصما للقوى الشعبية وعقبة أمام التطور الديمقراطى، أم أنه كما تشير التجربة المصرية يمكن أن يكون شريكا للثورة والثوار. لم يصل بيرانديللو إلى نتيجة واضحة ولكنه استقر على أمر وأوضحه فى ختام مسرحيته. سوف يقوم الجيش فى مصر بدور المنقذ، ولكن ليس من خلال ممارسة الحكم، ولكن من خلال استخدام نفوذه فى جعل الفرقاء الآخرين يجتمعون معا للبحث عن مخرج.

 

شعر بيرانديللو بالسعادة عندما جالت بخاطره هذه الأفكار، ومن ثم فقد قرر أن يضع خاتمة سعيدة لمسرحيته. سوف يحتفظ بمفاجآته للفصل الأخير فى مسرحيته. سوف يبدأ الفصل الأول بصراعات بين شخصيات خمس تمثل كل هذه القوى باستثناء المؤسسة العسكرية، وسوف يتصاعد الصراع فى الفصل الثانى وتتشابك خطوطه وتتعقد قضاياه، ثم سيظهر بطله المنقذ واحدا من الضباط فى الفصل الأخير، ويقنع الآخرين بكل ما لديه من حيلة ووسائل أن يقبلوا عرضه باستضافتهم فى بقعة ساحرة منعزلة لمدة أسبوعين، وذلك بشرطين: ألا يخرجوا منها إلا وقد انتهوا إلى حل مرض لهم جميعا، وألا يعهدوا له بعد أن يجدوا هذا الحل بأى دور سياسى يقوم به، إنما سيدعونه يتفرغ فقط للدفاع عن البلاد.

 

•••

 

وهكذا تنتهى مسرحية بيرانديللو نهاية سعيدة. ففى ختام الأسبوعين تجد شخصياته الحل. وتخرج سعيدة لتطبيقه. ولكن هل هناك على أرض واقعنا المر من يقود سفينة وطننا بركابها المتصارعين إلى بر الأمان؟

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات