البطل الضد.. «خارج الخدمة» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البطل الضد.. «خارج الخدمة»

نشر فى : السبت 4 أبريل 2015 - 2:40 م | آخر تحديث : السبت 4 أبريل 2015 - 2:40 م

لفترات طويلة، وحتى الآن، بقيت بطولة الأفلام حكرا على الأخيار، الأسوياء، الناجحين، الأذكياء، مفتولى العضلات، المتمتعين بجمال الشكل والروح.. لكن، فى النصف الأخير من القرن الماضى، ظهر، على استحياء، ما أطلق عليه «البطل الضد»، وهو، الإنسان الخاسر، الفاشل، الضعيف، المفتقر للوسامة، الضائع، المنتقل من هزيمة إلى أخرى، لأنه لا يمتلك وسائل الصراع، فى ظل عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وسينما، تكرارا، لا تحتفى إلا بالمنتصرين. أن تعقد البطولة لـ«البطل الضد»، مغامرة، تتطب شجاعة من صناع الفيلم.. وهذا ما أقدم عليه، بجرأة، كاتب سيناريو ماهر، جديد، اسمه عمر سامى، وأخرجه محمود كامل، صاحب عدة أعمال سابقة، كان ـ فى تقديرى ـ يبحث فيها عن أسلوب، وجده وبلوره، فى «خارج الخدمة»، المتسم بدرجة عالية من الاستقلال، ابتداء من اختيار ممثليه، وطريقة إدارتهم، إلى رصد انفعالاتهم، والاحتفاظ بالإيقاع السريع، الساخن للفيلم، سواء فى الأماكن المفتوحة أو المغلقة التى تجرى فيها الأحداث والمواقف، وأحسب أن إسناد التصوير للبريطانى، الفنزويلى أصلا، أرتورو سميث، منح الفيلم عبقا من «الواقعية الخشنة» التى تتسم بها سينما أمريكا اللاتينية.

يعتمد «خارج الخدمة» على شخصيتين أساسيتين: سعيد، بأداء بارع لأحمد الفيشاوى، لا يراهن على موهبته فقط، لكن الواضح أنه أخضع الدور لدراسة تفصيلية معمقة. كاتب السيناريو لم يكترث بماضيه أو تاريخه، مكتفيا برصد ما أصبح عليه. نموذج للبطل الضد.. هو ابن الشارع، الموغل فى الإدمان، منذ زمن بعيد، هزيل، نفسيا وبدنيا، رعديد، مقترض للمال، لص، لا يسعى إلا لتوفير جرعة مخدرات، وبالتالى، لا يتمكن من مواصلة حديثه، عباراته بطيئة، متقطعة، يفترق للتركيز، الخمول والنعاس يسيطران عليه، العالم الاخرجى لا يعنى شيئا عنده، يرتدى بنطالا كالحا من الجينز، مهترئا، وسويتر عفى عليه الدهر، متربا، حتى أنه حين يرتب أحدهم على كتفه، يتصاعد الغبار.. لا يتوقف عن التدخين، بشراهة، حيث يندفع الدخان، كالصواريخ، من فمه ومنخاريه. أحمد الفيشاوى، يجسد بصدق وبلاغة، حالة الإنسان الذى يفقد إنسانيته، فيعيش بلا وعى ولا كرامة، ولا تقدير لعواقب الأمور.

إلى جانب سعيد، ثمة هدى، تقوم بدورها، على نحو متفهم، شيرين رضا. امرأة وحيدة، غامضة نوعا، ما، تدمن العزلة، تتعاطى المخدرات، فى حياتها أسرار لا نعرفها، يتستر عليها كاتب السيناريو، اللهم إلا ما تدعيه من أن زوجها توفى منذ ثمانية أعوام.. ذهب شبابها وبدأ الزمن يحفر تجاعيده حول العينين. ذات مزاج عصبى، علمتها الحياة، والوحدة، أن يكون لها مخالب وأنياب.. شيرين، تتحرك فى شقتها، مسرح الوقائع، كما لو أنها عاشت طوال عمرها، فى هذا المكان.

يبدأ الفيلم فى الشارع. اللون الرمادى يصبغ الصورة، معركة تتصاعد فيا الصرخات ممتزجة بالتهديدات وشتائم جارحة يغطى عليها صناع الفيلم بصفارة «تيت». الخناقة، هى «علقة» لسعيد، من مروج المخدرات ممدوح ـ محمد فاروق ـ لأن المدمن لم يدفع ما عليه.

يخدعنا كاتب السيناريو، خدعة جميلة، حين يوحى أنه سيتجه بفيلمه اتجاها بوليسيا، مشبع بالإثارة. «سعيد»، فى شقة «هدى»، كى يسرقها. يحمل بعض التماثيل، مع «فلاشة» مسجل عليها مالا يعرفه ولا نعلمه. يبيع التحف إلى عاديات اسمه فى الفيلم «عمهم» ــ بأداء محمد صالح ــ الذى نجح فى تعميق حضور هذه الشخصية بإضفاء نوع من العصبية عليها.. ويكتشف «سعيد» أن الفلاشة تصور صاحبة الشقة وهى تقتل طفلة، خنقا.. وكما هو متوقع، يذهب المدمن إلى القاتلة كى يبتزها.. بنظرة واحدة، تدرك المرأة أن صاحبنا أضعف، وأجبن، من أن يكون مبتزا.. أحمد الفيشاوى، فى لمسات متمكنة، يحاول استجماع شجاعته المبعثرة، وأن يقنعها، بوهن، أنه سيبلغ الشرطة، الأمر الذى سيضرها تماما.

«هدى»، تستضيف «سعيد»، يجمع بينهما عشق المخدرات، ويتعمد الفيلم أن ينحى مسألة قتل الطفلة جانبا، ربما تأكيدا على أن ثمة جرائم بلا قصاص، وربما إبرازا لمدى لا مبالاة المدمن، الأمر الذى يمتد، طوال «خارج الخدمة»، فبينما التلفاز يذيع أخبار الثورة، وتظهر ريم ماجد ويوسف الحسينى، يتابع المسطولان ما يجرى بعيون لا ترى.. يزداد انغماسهما فى المخدرات، فمن الحشيش، إلى استنشاق الأبخرة إلى الحقن بالإبر فى الوريد.. يلخص المخرج، محمود كامل، الإيغال فى الإدمان بزيادة البقع الداكنة، المتخلفة عن الحقن، فى الأذرع، بالإضافة لميلهما المتنامى للنوم، بالإضافة لتلك الكوابيس التى تنتاب «سعيد»، التى يستدرجنا المخرج معها، على نحو يجعلنا نظن أنها واقعية، والفيلم فى هذا يبدو كما أنه مرثية ممتزجة بالهجاء، لأناس يعيشون بيننا، كالموتى، أو على الأقل، خارج الخدمة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات