عناصر استراتيجية التنمية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عناصر استراتيجية التنمية

نشر فى : الإثنين 4 مايو 2015 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 مايو 2015 - 9:10 ص

يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات من المقاصد التى تحكم أسلوب إدارة كل دولة شئونها: المرامى goals، والغايات objectives والأهداف targets. فالمرامى هى المستوى الأعلى والأكثر ثباتا تعتمدها عند استكمال استقلالها غالبا عقب ثورة تتحرر بها، تنصهر فيه منظومتها الثقافية التى يشكلها ما مر بها من تجارب تاريخية وما يحيط بها من أبعاد جغرافية تحددها مواردها الطبيعية والبشرية، أو عندما تشعر بضرورة التخلص من تدهور أصاب أوضاعها، أو السعى لملاحقة التغيرات التى يحدثها انتقال الحضارة من طور إلى آخر، كما حدث عند الانتقال من سيادة القطاعات الأولية إلى الثانوية وبين المراحل المتعاقبة للصناعة التحويلية، وحاليا إلى الثالثية التى تدفع فيها الثورة التكنولوجية بالخدمات المتقدمة إلى الأمام. وتعبر عنها فى الغالب دساتير الدول أو وثائق مثل «الميثاق الأعظم» (ماجنا كارتا)، تحدد العلاقات بين فئات المجتمع ورؤيته لعلاقاته الخارجية.

وتحدد غايات objectives استراتيجية قومية تختارها للانتقال على مراحل نحو موقع تختاره على المدى البعيد (عادة 15 عاما) وفق تلك المرامى آخذة فى الاعتبار ما تقدره لمعالم مستقبل الحضارة الإنسانية. ومن المهم الربط بين الاستراتيجيتين الأمنية والاقتصادية فى استراتيجية قومية حتى تتوافق غاياتهما. ولتنفيذ الجانب التنموى للاستراتيجية يجرى وضع خطة تنمية اقتصادية واجتماعية لفترات أقصر (عادة خمس سنوات) تنفذ بموجب خطط سنوية تحدد لها أهداف targets، تكون إلزامية للمشروعات العامة والمختلطة وتأشيرية بالنسبة للقطاع الخاص. وتتم متابعتها لفترات أقصر، عادة ربع سنوية حتى يجرى تصحيح أى انحرافات تصيبها، ويتم ذلك بقرارات للقطاع العام وبتشريع سياسات بالنسبة للقطاع الخاص.

•••

وقامت فى مصر ثورة 1919 لتنفذ مرمى الاستقلال بوضع دستور 1923 واتباع غاية تنفيذه وحمايته بإقامة نظام ملكى برلمانى يعتمد البرلمان أهدافها بموازنات عامة. غير أن العلاقات بين طبقات المجتمع ظلت مختلة نتيجة استمرار الإقطاع ونشأة احتكار مرتبط به وتحميل الشعب تكاليف الخدمات الصحية والتعليمية ومحدودية الجيش الذى كان بمثابة حرس للملك. وأدت هزيمته فى فلسطين فى 1947 إلى تفجير ثورة 23 يوليو 1952 التى كان مرماها استكمال الاستقلال وتصحيح المنظومة الطبقية وإقامة مجتمع الكفاية والعدل. واعتمدت استراتيجية تقوم على توثيق العلاقات بالدول العربية والإفريقية والإسلامية، وإزالة التخلف عن طريق اعتماد منهج تخطيطى. غير أن التخطيط أجرى بصورة مستقلة عن الاستراتيجية العامة واقتصر على استهداف مضاعفة الدخل القومى بخطتين خمسيتين تفصلان فى خطط سنوية. إلا أن نكسة 1967 أدت لاعتماد خطط سنوية إلى أن تحقق انتصار 6 أكتوبر 1973. واعتمد السادات الانفتاح الاقتصادى بدل الاعتماد على النفس بدعوى الثقة فى النفس، فتحول مرمى الاستقلال إلى تبعية كما بيّن عادل حسين فى كتابه «من الاستقلال إلى التبعية». فأصدر فى إبريل 1974 «ورقة أكتوبر» ساهم فى إعدادها د.عبدالعزيز حجازى (يمين) ود.إسماعيل صبرى (يسار). وأقرت باستفتاء شعبى. وحددت غاياتها لعام 2000 بـ«أهداف أكتوبر العشرة» وهى:

التنمية الاقتصادية بمعدلات تفوق ما حققناه حتى الآن ــ الإعداد لمصر عام 2000 حتى نوفر أسباب التقدم للأجيال المقبلة ــ الانفتاح الاقتصادى فى الداخل والخارج الذى يوفر كل الضمانات للأموال التى تستثمر فى التنمية ــ التخطيط الشامل والفعال الذى يكفل بالعلم تحقيق الأهداف العظيمة للمجتمع ــ دعم القطاع العام وترشيده وانطلاقه تمكينا له لقيادة التنمية ــ التنمية الاجتماعية وبناء الإنسان ــ دخول عصر العلم والتكنولوجيا ــ التقدم الحضارى القائم على العلم والإيمان ــ المجتمع المفتوح الذى ينعم برياح الحرية ــ المجتمع الآمن الذى يطمئن فيه المواطن على يومه وغده.

ثم أشارت إلى أن الرئيس أعاد ما سبق له تأكيده من «أننى أؤمن بأن الاشتراكية هى الحل الوحيد لمشكلة التقدم» استنادا إلى مواد دستور 1971 الذى صيغ فى عهده 1، 4، 26، 27، 30. وعددت الورقة أبرز مهام المرحلة الجارية التى تستخلص منها أهداف الخطة.

وكانت القضية التى تركز عليها الاهتمام هى تمويل ما تراكم من قصور منذ 1967، فى عمليات الإحلال والتجديد واحتياجات تعمير ما دمر من البنية الأساسية وتعويض نقص الإسكان. وقدر تمويل خطة 1974 بـ20 مليون جنيه لا يتوافر محليا سوى نحو نصفها، فتم الاتفاق مع دول الخليج على تقديم معونة. فشكلت «جهاز مساعدات التنمية» (GOAD) ليتولى تمويل مشروعات يختارها، وطالبت بحصانة دبلوماسية لمكتبها فى القاهرة، وظلت تماطل فى بدء تشغيله، وهو ما دعا السادات لأن يعلن فى خطابه فى 26/7/1976 أن مصر ستعتمد على نفسها واتضح أنه انتهز هذه الفرصة ليبرر الاعتماد على معونة أمريكية.

وعندما تولى د.إبراهيم حلمى وزارة التخطيط عمد إلى تقسيم استثمارات خطة 1975 إلى شريحتين، يغطى التمويل المحلى أولاهما وترجأ الثانية لحين توفير تمويل لها، وعين د.عبدالرزاق عبدالمجيد نائبا له ليخلفه عقب إنجازه تصحيح أوضاع التخطيط. فأعد مذكرة بتقدير للتمويل الخارجى المطلوب بناء على تجميع احتياجاتها دون التقيد باستراتيجية الورقة. يذكر أن البنك الدولى هيأ له فرصة إعداد نموذج فى 1977 على أساس تحقيق معدل نمو 9% وفق خطة إصلاح اقتصادى مع البنك والصندوق!!!.

•••

وعندما كلفت بوزارة التخطيط كان لابد من الالتزام بورقة أكتوبر لكونها صدرت باستفتاء شعبى وركزت على الشئون الاقتصادية، دون أن ترتبط بالجوانب الأمنية، وكان هذا مقصودا لأن غرض السادات كان طمأنة إسرائيل أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب. وكان المتبع هو مطالبة الأجهزة القطاعية بموافاة وزارة التخطيط بمقترحاتها على النحو المتبع فى الموازنة العامة. ولتلافى قصور منهج تجميع الجهات الحكومية دون الترابط فيما بينها. أرسلت إلى الأجهزة القطاعية مجموعتين من التساؤلات: الأولى على المستوى الكلى والثانية على المستوى القطاعى المرتبط بها، مبينا الخيارات فى كل بنودها لكى تدرك أن الأمر ليس مجرد إعداد موازنة استثمارية بمخصصات تسعى إلى تعظيمها. وكانت البنود العامة كما يلى:

أ ــ تطور الهيكل الاقتصادى: حجم الدفعة الإنمائية خلال فترة زمنية محددة ــ مدى التوازى فى تنمية القطاعات الاقتصادية المحلية المختلفة ــ قضايا التصنيع، باعتبار الصناعة قطاعا مركبا أفقيا ورأسيا ــ دور القطاعات الخارجية: التبادل التجارى والنقدى والسياحة.

ب ــ إمكانات المجتمع: دور القطاعات المحلية، خصوصا المرافق والهياكل الأساسية والتشييد ــ مدى الرابطة بين البحث العلمى الوطنى ومتطلبات التنمية ــ الإمكانات الحضارية والثقافية للمجتمع ــ إمكانات التعاون الاقتصادى الخارجى والتكامل الإقليمى.

جـ ــ موارد المجتمع: الموارد البشرية وإمكانات تنميتها ــ الموارد الطبيعية وحدود تطويرها والتنقيب عنها ــ الموارد المالية ومصادرها المختلفة.

د ــ التناسب بين المستخدم من الموارد: التوسع الرأسى والأفقى بالنسبة لمورد معين بالقياس إلى باقى الموارد ــ الأسلوب الفنى للإنتاج ومتضمناته التكنولوجية، وما يتطلبه من بحث علمى ــ الهياكل التنظيمية والإدارية وأساليب تحريك وتخصيص الموارد.

هـ ــ قواعد توزيع العائد: العلاقة بين القطاعات التنظيمية (عام ــ خاص ــ تعاونى) ــ توزيع وإعادة توزيع الدخل ــ التوزيع الإقليمى ــ توزيع العائد والتكلفة على الأجيال.

غير أن الإجابات اقتصرت على عدد محدود من الأجهزة كان أغلبها له طابع اشتراكى. فدعوت الأجهزة إلى المشاركة فى لجان لدى وزارة التخطيط حتى يمكن التوصل إلى الترابط المنشود. وعندما أصر د.القيسونى رئيس المجموعة الاقتصادية على الالتزام ببرنامج البنك والصندوق ووافقه السادات وترتبت عليه انتفاضة الحرامية حسب تعبير السادات فى 18 و19 يناير 1977. وعمدت إلى احتجاز الخطة التى كان لابد من عرضها على نادى باريس فى 15 مايو فكُلف د.عبدالرزاق عبدالمجيد بتولى الوزارة، وذهب إلى السادات بعدد ضخم من المجلدات مبنية على تقارير اللجان التى شكلتها وكان معه مستشاره عثمان أحمد عثمان فالتفت إليه قائلا: «شوف الناس اللى بتشتغل» دون أن يدرك أن ما عرض عليه كان يحتاج إلى وقت أطول بكثير مما أمضاه فى الوزارة. ودخلنا الدوامة التى أفضت إلى ثورة.

•••

نحن الآن بحاجة إلى استراتيجية أمنية إنمائية حتى نتلافى أخطاء الماضى. وتكون هى المهمة الأولى للبرلمان القادم. وعلى وزارة التخطيط تشكل مكتبا استشاريا تلجأ إليه لأحزاب فيما تطرحه من برامج.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات