الرؤية القرآنية للكون وسكانه -11- القيم: الشفافية - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرؤية القرآنية للكون وسكانه -11- القيم: الشفافية

نشر فى : الخميس 4 مايو 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 4 مايو 2017 - 9:50 م
قبل أن يقترب الطفل من سن التمييز يكاد يشعر أنه ليس وحده، وأنه جزء من كل، وأنه بمفرده دائم الاحتياج لغيره، ولابد من دوام التقارب والتعاون والتكامل حتى ينعم ويسعد. ولهذا فهو مطالب دائما بالوضوح والشفافية. كما أن المجتمع حوله يعلم الشفافية قبل أن يطالبه بها، فالشفافية هى الإفصاح عما يدور بخلده تجاه غيره من الناس، والإفصاح عما يملكه من قدرات ومهارات يقدمها للآخرين حتى يقدموا له ما عندهم من قدرات ومهارات. وأول ما يتلقن الطفل تعود الصدق فى جميع ما يقول وعدم الكذب. كما يتعلم تلقى أقوال الآخرين على أنها صدق يطابق الحقيقة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا: «المؤمن إذا قال صدق، وإذا قيل له صدّق»، كما يؤكد الرسول خطورة الكذب فيقول: «.. ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا».
ــ1ــ
وما أن يبلغ الطفل السابعة من عمره فيتلقى تدريبا يوميا خمس مرات على الشفافية الكاملة. نعم، فالمسجد والصلاة يعلمان الشفافية، فها هو «المؤذن» يذهب إلى المسجد قبل موعد الصلاة.. لماذا؟ لإعلام الناس أن وقت الصلاة قد حان وعلى الجميع السعى إلى المسجد. نعم، هكذا نداء عام يسمعه جميع سكان الحى (المصلون وغير المسلمين)، وعبادتهم لا تضر أحدا، فها هم يعلنون عن النوايا وعن الغاية بوضوح وعموم قبل بدء الصلاة.
ــ2ــ
وحينما يلتئم جمع الحاضرين يعاد تنبيه الموجودين داخل المسجد عن اقتراب بداية العمل، كما يتعارف الجميع على «الإمام» وهو قائد الأداء للصلاة، كما يتعرف الجميع على «ستر الإمام» وهم الذين يقفون خلف الإمام مباشرة لتنبيهه إذا نسى، ومراقبته إذا أخطأ، أو للحلول محله إذا أصابه طارئ. وها هو الإمام يبدأ لشعائر وهو متيقن من مراقبة من خلفه ويسارع للاستجابة لما يعلنوه، وجميع المصلين يشاركون فى الصلاة دون لوم على الإمام إذا أخطأ، ودون اعتراض على «ستر الإمام»، بل يرى الجميع أن الوضوح والشفافية وقبول التصحيح سمة عليا من سمات الإسلام.
 كذلك فحينما يبلغ المسلم سن الرشد ويزاول معاملاته مع الآخرين فى البيع والشراء والتبادل، أو فى القبول أو الرفض يتعلم المسلم فقه العقود، فالشريعة تفرض اتخاذ «العقود» آلية مأمونة لإنجاز العمل، كما تفرض الشريعة ضرورة وضوح العقد وخلوه من عيوب: الكذب والغش والتدليس إلخ. كما تفرض بيان صفة السلعة وصفا واضحا نافيا للجهالة، وأيضا تحديد السعر بوضوح وتحديد توقيت السداد بما لا يدع مجالا لأى غموض أو إبهام، وآيات القرآن تذكرنا بأن الله جل جلاله يحب التعاقد حتى بينه وبين عباده إذ نرى فى القرآن: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) وهذا تعاقد، كما نرى فى قوله تعالى: ((فاذكرونى أذكركم..)) وهذا تعاقد، وأيضا يقول تعالى: ((ادعونى أستجب لكم))، كما يؤكد القرآن على أهمية العقود وضرورة الوفاء بها فيقول سبحانه: ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))، ويقول: ((فليؤد الذى اؤتمن أمانته))، ويقول: ((وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم))، والأحاديث النبوية الصحيحة فى مجال العقود والوفاء بها أشهر من أن نعيد ذكرها.
ــ3ــ
ولا يقف فقه «العقود والتعاقد» عند شروط الوضوح بل يجعل للخبراء دورا إذا لزم الأمر، كما يحتم الشرع شفافية أعلى إذ يشترط فى كل العقود «الإشهاد»، كما يفرض فى عقود الزواج وعقد بيعة المسئولين (الانتخابات والتكليف) تفرض الشريعة مع الإشهاد ضرورة الإشهار والإعلام.
ــ4ــ
ولا نستطيع أن ننس أن المبدأ القانونى العالمى القائل بـ«عدم سريان القانون بأثر رجعى» هو مبدأ إسلامى لم تعرفه الحياة قبل القرآن، فالقرآن يمنع منعا باتا من «رجعية القانون» حتى أن الله جعل «عدم رجعية العقوبة» سنة إلهية لذاته العليا فقال: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)). فهل يتجاسر أحد ويمارس حياته بالكذب والإخفاء والتضليل والتحايل؟ ((ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم))؟!

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات